نعم إن قضيتنا سياسية !

> علي هيثم الغريب:

> أذكر يوماً أن أحد المختصين التربويين من إحدى محافظات اليمن وصل إلي (حينها كنت في سجن المنصورة متهماً بالمساس «بالوحدة الوطنية وإثارة النعرات الشطرية»..) لمناقشتي حول الأوضاع في محافظات الجنوب.

وقد أراد أن يعرف لمَ اخترت كلمة «نهب الجنوب» في كل كتاباتي التي حوكمت بسببها؟ أي لماذا كان مضمون كتاباتي مسيّساً جداً. وقد اقترح علي أن نبدأ بشيء عام وحيادي مثل «الغلاء»، «الماء» ...إلخ. وقال حينها إنه يفضل استخدام طريقة غير سياسية، ناسياً أن ما كان يقترحه في الواقع كان سياسياً. إن الغلاء مشكلة وطنية، وهي كذلك مسألة ساخنة تستطيع أحزاب المعارضة في المحافظات الشمالية لف الناس حولها.. إنها تمسهم بعمق، مع أنها لا تنبثق من تاريخهم المشترك. لكن «الأرض» في المحافظات الجنوبية تعتبر جزءاً أساسياً وجوهرياً مرتبطاً بتكوين أبناء تلك المحافظات وتاريخهم وماضيهم. إنها أهم جزء من تاريخهم وتراثهم وبناء دولتهم، إنها مصدر الغنى والفقر والمعاناة والأمل.. إنها تمس حياة الإنسان وتجد لها صدى في الروح.

إن استخدام كلمات، ككلمة «غلاء»، وبالشكل الذي اقترحه هذا التربوي تصلح تماماً للواقع في المحافظات الشمالية أما استخدامها في الأراضي الغنية مثل حضرموت وشبوة ومأرب وعدن فهو تنكر للواقع.. إنها تساهم في إبقائهم سلبيين ومغتربين عن قضاياهم الجوهرية. إنها تكبح مقدراتهم لفهم واقعهم والعمل على تغييره سلمياً. وماذا يمكن أن يكون أكثر سياسية من الأرض والثروة المنهوبتين؟! لقد كان هذا التربوي محقاً في دعمه نوعا محدداً من المطالب التي تمس حياة الناس في محافظته، لكننا نقترح نوعا آخر يمس حياتنا ومستقبل أولادنا في محافظاتنا الجنوبية، حيث لا أحد فيها بإمكانه أن يبقى حيادياً - حتى لو كان غنياً - ولا يمسه الغلاء.

إن كل ما استطعنا فعله بعد حرب 94م كوطنيين هو تقرير أية رؤية صادقة وواقعية نريد تأسيسها من خلال مقالاتنا، تلك الرؤية التي تحافظ وتدافع عن اغتراب الناس وإخضاعهم للأمر الواقع، أم تلك التي ستؤدي إلى تحريرهم من الظلم وتطلق إبداعاتهم وطاقاتهم لأجل بناء مجتمع يرتكز على المشاركة والمساواة. وأكدت في المقال، الذي حوكمت بسببه مع الأستاذ والمثقف الوطني الصادق هشام باشراحيل، أن الحرية تبدأ بمعرفة الإنسان لواقعه وتاريخه، والرفض للظلم يبدأ باختيار المستقبل.. ومع الأسف وبكل ألم كنا نرى كيف تعمل حكومات ما بعد الحرب على تشكيل مجتمع جنوبي خاضع، يتقبل الدور الذي يشغله في إطار الوحدة والذي يساوي صفراً، كأمر طبيعي وعادل وبعيداً حتى عن التشكيك بوجود فئة صغيرة من المتنفذين تمتلك كل ما يطيب لها في المحافظات الجنوبية: الأرض والثروة والشواطئ والخلجان. وتتحكم بالمجتمع، من خلال استثنائها وإقصائها لأصحاب الحق، الذين عليهم بيع حتى نخوتهم وبالسعر الذي يحدده الملاك الجدد.. أولئك أصحاب الحق الذين ليس لديهم سلطة البت في قضاياهم.. والذين أُلحقوا بفقراء إفريقيا من قبل تلك الفئة الصغيرة من المتنفذين الأثرياء المبذرين .. وأي مواطن من مواطني المحافظات الجنوبية يريد أن يحافظ على موقعه الفردي عليه أن يعيش ضمن علاقات الوضع القائم.

وختاما أقول للأخ التربوي الفاضل إن مطالب أبناء المحافظات الجنوبية هي سياسية ليس بسبب مضمونها فقط، ولكن والأكثر أهمية بسبب النهج السياسي الذي مورس ضدنا بعد الحرب عن طريق التعبئة الخاطئة والفتاوى الانتقامية والصيحات التي دأب المتنفذون على حقن السكان بها .. ووجدت لها صدى في مواجهة المعتصمين في عدن والمكلا بإطلاق الرصاص الحي عليهم وبدم بارد. إذاً فإن القضية سياسية والتعبئة كذلك سياسية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى