شاعر الوادي والحب والجمال حسين محمد البار

> «الأيام» فريد عوض القحوم:

> أثرى بأشعاره الغنائية حياتنا الفنية وكتاب الشعر الغنائي في اليمن نبعت قصائده من تجارب عاطفية وإنسانية صادقة عكست عمق المعاناة الفنية في وجدانه العاطفي المرهف غيض من فيض كلماته الرقيقة التي ترددت في وجدان شعبنا اليمني تسجل له مآثر الخلود في ذاكرة الزمن.

ولد الشاعر حسين محمد البار عام 1919م في قرية (القرين) بوادي دوعن محافظة حضرموت وتلقى دروسه كما يتلقاها الطالب في بلاده بالمعهد الديني (الرباط) تعلم القراءة والكتابة ومعلومات أولية في الدين واللغة، ولكن حبه للعلم والمعرفة دفعه بكل شغف ليقرأ كل ما يقع في متناول يده من كتب لإشباع ميوله الثقافي فأصبحت له حصيلة لابأس بها في الأدب والتاريخ والثقافة العامة.

عمل مدرساً في الرباط فساعده ذلك على توسيع مداركه واحتكاكه برجال العلم والأدب وازدادت ثروته الأدبية واللغوية.

في عام 1952م عين الشاعر رئيساً ومحرراً في الجريدة الرسمية (الأخبار) واستمر بها حتى توقفها ثم عمل بالمحاماة حتى عام 1962م حيث أسس جريدته الأسبوعية (الرائد) ونشر فيها كل ما عن له شعر ونثر.

البار الشاعر:

الموهبة الشعرية الكامنة في أعماق البار حددت اتجاهه الثقافي وبدأ يخوض رحلة طويلة في عالم الكتب الأدبية من مقامات الحريري وبديع الزمان ونهج البلاغة، ودفعه حبه للشعر لقراءة أشعار عمر ابن أبي ربيعة والمتنبي والمعري وابن الرومي وغيرهم، ومن الشعراء المحدثين أحمد شوقي ومحرم والرصافي والعقاد وعلي محمود طه والزهاوي والأخطل الصغير وجبران وإيليا أبو ماضي وابن شهاب وباكثير وآخرون.

وعاد البار من رحلته هذه واسع المعرفة والفكر مرهف الحس والمشاعر مهذب العاطفة، وعاد وقد اكتسى بالصور الشعرية والمعاني الإنسانية والأساليب الفنية الرفيعة التي كان لها الأثر الكبير في صقل موهبته وتكييف ملكته وحبه للطبيعة والجمال.

أحب البار دوعن حباً صادقاً وتشبث بها كطفل يتشبث بثوب أمه بحنان، أحب دوعن لأنها بالنسبة له كل شيء، هي مسقط الرأس وموقع الصبوات ونبوغ الذكريات الغالية وموطن العشق، لذا جاءت كثير من قصائده تتغنى بطبيعة دوعن وجمالها واصفاً لنا النخيل أشهر ما في طبيعتها الراهنة، وصف قامة النخيل وتمايلها وتلاعب أغصانها عندما يهب النسيم ومن ذا الذي يستطيع أن يصف هذا الوادي الخصيب غير البار الذي يقول:

ياللطبيعة تبدو في مظاهرها

فتملأ الروح تقديساً وتحييها

النسيم ذا همسات الحب أسمعها

أذن النخيل فمالت في تأبيها

والأفق يبكي بدمع السحب هاطلة

ترى تلك دموع البشر ندريها

ورغم كل هذا تعرض البار في حياته للحب الجارف العنيف، وتحت وطأة هذا الحب ذاق المرارة، مرارة الحرمان والعذاب وقساوة الفراق، يقول:

يا من على البعد أهواها وتهواني

ماذا أفادك تعذيبي وحرماني

إلى أن يقول:

هل اجترحت بهذا الحب سيئة

حتى أنال عقاب الآثم الجاني

إني أجد ولكن أنت ساخرة

فيالسخرية الدنيا بولهان

ترى هل هذا تيه و كبرياء أم عدم موافقة محبوبته، إلا أن البار ينادي بأعلى صوته من يهواها نداءً يملؤه التفاؤل، يقول:

حنانيك يا من سكنت الحنايا

وحملت قلبي جميع الرزايا

تعالي تري ما تبقى به

وهل يترك الشوق غير البقايا

تعالي أعيدي نعيم الهوى

هواك الذي قد سرى في دمايا

أعيدي ليالينا المشرقات

لألقى على حافتيها منايا

البار يبحث عن الحنان والدفء في أحضان المرأة ويبحث عن ماضيه وذكرياته الجميلة مع المرأة والحياة والسعادة والفتنة والأقحوان واللوعة، يقول:

امنحي الحب حناناً

منك ضماً واحتضانا

واجعلي جيدك يغشيه

إذا الكائح بانا

ياحياة الروح هلا

عاد لي ذاك الزمانا

ويح قلبي ذاب وجدا

والتياعاً وافتتانا

في عام 1964م انتقل شاعر الوادي البار إلى جوار ربه مخلفا تراثاً غنائياً قيماً وشعراً زاخراً بالمعاني والصور النبيلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى