عقد وطني جديد.. قبل فوات الأوان

> د. هشام محسن السقاف:

> التحذير من البطش، والتمادي فيه، واجب وطني يفرضه علينا خوفنا من أن تعصف بهذا الوطن العواصف، فتلك بضاعة كاسدة جربها شاهنشاه إيران والسافاك، فماذا جنت سياسة طاووس فارس القمعية؟ وعندما جرد الرئيس الراحل محمد أنور السادات سيف غضبه على شعبه، وزج آلاف المثقفين والمفكرين والصحافيين ورجال الدين في السجون، تحت ذريعة حماية الوطن وثوابته بموجب قانون العيب، خسر شعبه وخَرّ صريعاً برصاصات إسلاميين متطرفين في 6 أكتوبر 1981م.

والأمثلة كثيرة من تشيلي بينوشت على الطرف الغربي لأمريكا الجنوبية إلى رومانيا شاوسكو في قلب القارة العجوز. ولقد كان نظاما الحكم الشموليان في صنعاء وعدن قبل الوحدة على حافة مصير مماثل لولا الهروب إلى الأمام بالوحدة والديمقراطية، ولولا توأمة الثانية بالأولى لكان الوضع أشبه باجتماع عسرين في آن.. والله لا يرضى بذلك.

الآن، وقد صدع صوت الجماهير الهادر مطالباً بشراكة وحقوق متساوية وبقانون سار تجري أحكامه على الكبير والصغير، وكان الجنوب بمحافظاته الست صاحب السبق القادح شرار المطالب العادلة ليمتلئ الفضاء الوطني بحالة مخاض حقيقي، هي لصاحب الحكمة جرس إنذار لعلاج ناجع تنهض به إرادة سياسية تنحاز لكل ما هو خير وصلاح وسعادة لأبناء اليمن، حتى وإن جرى الأمر بجراحة قيصرية لاستئصال الأعضاء الفاسدة، النتنة والمتعفنة، ممن شكل أصحابها سلطة ظلٍّ معرقلة، فلن نتشافى منها إلا بهكذا إرادة وطنية سياسية مرتقبة تنبثق من أنين الأوجاع لتنصف كل ذي حق وتعيد الأمور إلى نصابها بموجب العقود الوطنية المتفق عليها، وبالسلوك المنفتح والشفاف ضمن المبادئ الديمقراطية التي ارتضاها شعبنا اليمني مسلكاً لإدارة شؤون الوطن في الثاني والعشرين من مايو 1990م.

العودة إلى العقل والحكمة هي المخرج من مأزق وأزمة لم تعد بخافية على أحد، وعسكرة الحياة اليومية في المدن والريف لن تحل أزمة بدأت بتراكمات مظالم وخروقات للقوانين والدستور، وإجهاض هامش الديمقراطية بدلاً من تنميته والاحتكام إليه بوسائطه الحوارية سيدخل الوطن في نفق مظلم.

مزيد من الحريات للوطن وللمواطن بعيداً عن القمع والإرهاب هو خيار لا بد منه لسد الثغرات التي تضخ الفتن والصراعات، وتعزيز سلطة القانون باستقلاليته الكاملة وبعيداً عن التأثير والمؤثرات هو سبيل حضاري للفصل في كل ما يحدث ويجري في حياتنا العامة، بين الفرد والفرد، وبين الفرد والدولة.

ولعلنا بحاجة لبوادر حسن نية على مشارف الشهر الكريم بإطلاق سراح المعتقلين على ذمة الاعتصامات السلمية الأخيرة في المحافظات الجنوبية: ناصر على النوبة، حسن باعوم وأولاده، الصحافي أحمد القمع، والطابور الطويل من الذين طالتهم الأجهزة مع تقديم المعتدين على الزميل الصحافي الأخ أحمد عمر بن فريد العولقي للمحاكمة باعتبار أن الاعتداء عليه اعتداء على الحرية والديمقراطية في بلادنا.. ومعالجة قضايا شهداء الأحداث في حضرموت والضالع (اللتين تواردت الأنباء عن إصابات جسيمة في صفوف المعتصمين فيهما صباح يوم 10 سبتمبر) ومعالجة المصابين على نفقة الدولة في كل مراحل المواجهة، بحيث تكون محطتنا التالية فتح صفحة بيضاء ناصعة لعقد اجتماعي وسياسي جديد، نتشارك جميعاً في صياغته.. ورمضان كريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى