مسجد الهتاري.. من يحميه من الاندثار؟

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

> للأستاذ أمين سعيد باوزير فضل محمود عندما أرخ لحلقات القرآن الكريم ومجلس العالم في مساجد عدن، ففي كتابه القيم نقرأ بنهم منقطع النظير معلومات ثمينة عن مساجد عدن ومنها مسجد الهتاري بالتواهي، الذي بني في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وتتلخص قصة بناء المسجد كما يرويها في الكتاب الشيخ عبدالرحمن أحمد الشميري: «في أن ثلاثة من عمال أرصفة الفحم في ذلك الزمان .. ذهبوا إلى مسجد كهبوب بالمدينة بعد الاغتسال، إلا أن إمام المسجد وبعض الأعيان.. منعوهم من نداء المنادي للصلاة بحجة أن ثيابهم ملطخة وغير نظيفة.. وهذا الموقف أدى إلى مشادة كلامية، مما دفع أحد الأعيان الحاضرين.. إلى جمع التبرعات والأموال لبناء هذا المسجد (الهتاري)..».

وهل يحق لنا اليوم تهديم المسجد وطمس معالمه التاريخية، بحيث يقام على أنقاضه مسجد جديد لا يشبه لا من قريب أو بعيد مسجد الهتاري كما عرفه الناس في هذه المدينة المتسامحة؟!

ولقد تعاقبت وجوه دينية في الإمامة والخطابة بمسجد الهتاري نذكر منهم:

الشيخ أحمد الهتاري ومحمد الهتاري وعلي محمد الهتاري، والشيخ عبدالكريم الشميري، والشيخ عبدالرحمن هائل الشميري (إمام وخطيب مسجد حامد بكريتر عدن - حالياً).

نحن مع صيانة وترميم وتحسين المسجد الذي لا يفقده رائحته ومميزاته الكلاسيكية، وضد هدم المسجد وتغيير معالمه التاريخية التي أضحت معلماً من معالم مدينة التواهي. نخاف من تغيير هوية مدينة عدن ببشرها وجغرافيتها وتخطيطها العمراني وسلوكها المدني وبساطتها وتركيبها الديموجرافي والنفسي والسيكولوجي، فتتكسر النفوس الممزوجة بالزهد واللياقة والبساطة والنقاء والثقافة الحضرية.

فتهديم المنازل والمؤسسات وتغيير أسماء الشوارع والمدارس والمطارح القديمة والحدائق والمتنفسات، وتطاول الأيدي على الكنائس والقلاع التاريخية (مثل قلعة صيرة)، والجبال الشامخة (مثل جبل شمسان)، وعلى الشواطئ والخلجان والمحميات الطبيعية وتهديم المساجد التاريخية في غير مكان بطرق غير مأنوسة تؤدي إلى تخلخل البنية الحضرية للمدينة وهويتها، يقول د.م. جمال عليان:«إن المباني التراثية، خاصة المعالم المهمة منها هي التي تمثل هوية الأمة، ونجد أن هذه المعالم مؤثرة ومتأثرة بشكل كبير على عقلية الأمة أو الشعب الذي يمتلكها، فتجدها مطبوعة على نقدها، ونجد أن الناس يستدلون في كثير من الأحيان في بلد ما، وعلى أهل ذلك البلد بذلك المعلم أو الموقع. إن كثيراً من الناس يتعرفون على مصر من خلال أهرامها، وكذلك فإن كثيراً من الناس إذا ما ذكرت دمشق تذكروا المسجد الأموي»، وكثير من الناس إذا ما ذكرت على مسامعهم مدينة التواهي ذكروا مسجد الهتاري ويلتمع إلى جوار اسمه الميناء وساعة بيج بن والساحل الذهبي ومبنى الإذاعة (1954م)، والتلفزيون (1964م)، وحديقة التواهي الشهيرة التي أنشئت (1911م).

ليس العبرة في طول وعرض وضخامة المسجد، فالمسجد البسيط العادي كمسجد الهتاري «يظل مكاناً مقدساً واضح الشخصية، لا تقل هيبته أو مكانته عن أضخم المساجد» (حسين مؤنس).

هناك أشياء لا يستسيغها الذوق وإن تزينت بالمساحيق الدسمة لتكلفها في الصنعة وتناشز ملامحها. لو كان لي سلطان لأوقفت البناء الذي يطمس المعالم التاريخية ولا يؤدي إلى المقاصد المرجوة. أتمنى ألا نصمت صمت المقابر، وألا تظل مقترحاتنا معلقة فوق شجرة الأماني دون حراك فعال، فما زلنا نتمسك بخيط رفيع من الأمل «إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ». (سعد الله ونوس)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى