خيار التحدي

> عبدالقوي الأشول:

> رغم أن الوضع لا يستدعي كل تلك المبالغات الأمنية والاستعراض الذي لا ينم عن قوة للقوة.. التي حولت أرجاء المدينة إلى تكنة عسكرية متحركة وحواجز أسمنتية بمداخل الشوارع العامة ومضادات جوية محمولة على الأطقم في الزوايا والجولات ومظاهر جند متحفزين.. تحت سماء مدينة لا تحوم تحت سمائها إلا الغربان بنعيقها الذي لا يستدعي كل تلك الجاهزية القتالية العالية بين أوساط أهالي بؤساء ترتسم المعاناة والهم على ملامحهم الشائخة قبل الأوان سادرين في رحلة عذاب يومي مع واقع الغلاء ونسقه الوحيد المتناحي في بلد يسعى وبقوة للبقاء خارج نطاق الحياة والعصر .. وسنن التطور والنماء.

في حين يشكل خيار التحدي والمجابهة سبيلاً لقمع الحراك السياسي المعبر عن بعض المظالم والمطالب برفع ثقل الغلاء المنهك خيار دون شك سيجعل أجندة الأمس وشعاراته التي تحدثت عنها بلادنا في المحافل الدولية بحماسة شديدة تبدو مستبعدة الإنجاز.. أعني تأهيل اليمن المزعوم والمنتظر التي ارتبطت به المساعدات المالية لليمن فالمتاح قد لا يكفي إنفاقه لمداراة ومداواة الأوضاع المستجدة ما يؤجل الفعل التنموي الذي عقدنا الأمل عليه أن يكون طريقاً نحو الخروج من عنق الزجاجة مجنباً جوانب الإرباك الحياتي العارم المتربط بتداعيات الوضع الاقتصادي الهش والترحيل المزمن للمشكلات القائمة منذ زمن بعيد.

إلا أن مساحة أحلامنا وآمالنا مهما تسامقت.. تقع في شراك التداخلات الحياتية المعقدة بكل ما تفرز من تحديات وأعباء ما يجعل الخروج من شرنقة الفساد والإهدار للموارد وسوء استخدام النفوذ من الأمور المتعذرة فالتداعيات على أكثر من صعيد مقترنة بالمظالم الواسعة التي هي نتاج آلية الفساد الماحقة لا تستجيب بأي حال للحلول الترقيعية.

إلا أن الأمر اللافت مع كل ما تقدم.. إسقاط تلك المحاذير من حسابات السلطة ومن خيار معالجاتها للمستجدات.. ما يجعل الكثير من قضايا الراهن تغدو تحديات عميقة خصوصاً قضايا الشأن الداخلي ذات الحساسية التي شكل خيار القمع الأمني إزاءها سبيلاً للحل.

ربما سيقود إلى أوضاع غير مستقرة منفرة للاستثمارات وتكلف خزينة الدولة تكاليف مالية كبيرة.. وهي مسارات لا يكون معها وفي ظلها الجهد الموجه صوب التنمية السبيل الوحيد للخروج من الوضع القائم.

ثم إن بلادنا فقيرة الموارد في غنى عن خلق بؤر فوضى وتداعيات داخلية وهي دون شك تزيد من حجم المعاناة في ظل واقع حياتي لا يحتمل مثل هذه الأوضاع غير الطبيعية.

فكما أسلفت كثيراً ما انتهجت بلدان كثيرة خيار التحدي والمجابهة والمعالجات المتخذة من الزاوية الحادة في من تعتبرهم خصوماً إلا أن النتائج لم تكن قط بصالح هذه الأنظمة وتلك.. خصوصاً وهي خيارات متصلة بعادات الماضي المنبثق في مفهومه من اعتبار كافة المخالفين في الرأي والمعارضين.. خصوماً أشرداء ينبغي أن تكون الدولة وأجهزتها الأمنية في حالة استنفار وتحفز للتعامل معهم بكافة السبل المشروعة وغير المشروعة.

وفي المجمل يظل الخيار العقلاني والنفس الحضاري مستبعداً في التعاطي مع قضايا الواقع ما يعني خلق بؤر جديدة تضاف إلى ما هو قائم. عندئذ يكون الحديث عن التنمية والتأهيل أموراً مستبعدة وإن حسنت النيات إزاء ذلك. فما هو متاح من المقدرات لا يكون مسعفاً لمتطلبات حياة كامل اعتمادها ووثوقها على مؤسساتها العسكرية التي لاشك بوطنيها إلا أنها لا تمثل بأي حال عماد التنمية التي تتلازم وشروط العصر وثورته التكنولوجية ومجتمعاته المدنية التي تتيح لفضاء العقل التجلي والعطاء والخلق في رحاب حياة آمنة مستقرة يستلزم شرط إثرائها صلة مستمرة بمستجدات الثورة العصرية ومضيها الحثيث في تجاوز ثوابت ونظريات الأمس وعقليات الأنظمة التي لم تهتد إلى منافذ العصر رغم طول بقاء تجربتها في عروش السلطة.

ثم إن من أجمل مبادئنا الدينية الحض على مدارة العقل عن المحن والدفع بالتي هي أحسن وانتهاج طريق إرادة سياسية حصيفة مدركة حجم التحديات وتعقيدات الراهن خصوصاً على الصعيد الاقتصادي.

آملين أن يشكل حلول شهر رمضان المبارك محطة تأمل إيمانية عقلانية تهدي إلى استجلاء البصائر باتجاه الوئام الاجتماعي الشرط المفصلي لتطور ونمو ورخاء أي مجتمع بشري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى