أبداً لا يختفي وجه النهار!!

> فاروق ناصر علي :

> كانت هناك مدينة زرقاء، تحلم بالأجانب يتسكعون/ وينفقون من الصباح إلى الصباح/ صارت هناك مدينة سوداء/ تحتقر الأجانب/ الدائرين على مقاهيها/ بفوهات السلاح)

سميح القاسم

مدخل قديم مهم

أقتطف بعض الفقرات القصيرة من مقال قديم كتبته في صحيفتنا «الأيام» في 3 مايو 1995 العدد (204) حتى يتسنى لي الدخول لجوهر مقالي هذا الخاص بالدفاع السلمي- طبعاً - عن الأخت الكريمة (أروى عثمان رئيسة بيت الموروت الشعبي في صنعاء) التي هوجمت من بعض أولئك الذين لا يريدون أن يتحدث عن تاريخ مدينة عدن العظيمة سواهم.. أنا شخصياً لا أعرفهم، ولا أريد حتى معرفتهم لكنني أدافع عن كل من يبرز كيف كانت هذه المدينة.. أستاذنا الجليل (د. مبارك الخليفة) قال كلمات عن معرضها وعبّر عنا جميعاً، قال أجمل وأروع الكلمات.. دعوني أقتطف بعض الفقرات من مقالي السابق الذكر.. وبعدها سأدخل للمقال القصير جداً.. لكنه مهم جداً لكل من يحب (عدن) الغالية بصدق ومن دون نفاق.

«ذات مساء حكموا وقرروا سجن العقل وتحنيط الكبرياء.. ذات مساء.. ذات مساء جاءني طائر المساء الحزين، كان صامتاً على غير عادته، تبدو على وجهه ملامح الحزن والأنين.. جاء مكسور الخاطر مشجوج الجبين.. عرفت أن جوارح الغابة السوداء طاردته.. جرحته.. نظرت إليه تأملته.. قال لي:«سأرحل يا رفيق الليالي الحالكات سأرحل!!» صرخت به قائلاً: بالله لا تحزن.. لا تيأس.. ابق، غن، اعزف على الوتر، بالله لا تحزن افتح صررك للسماء وابك إن شئت صامتاً على قبر القمر!! تأملني ثم ابتسم.. انحدرت من عينيه دمعتان، أهداني دمعة حزن على (عدن) وأخرى فضح بها وفيها حقارة الزمن.. ذات مساء.. ذات مساء!!».

الدخول إلى قلب المقال

ليس معيباً أن أنقل الفقرات نفسها التي أقتطفها الزميل العزيز (جمال جبران) من كتاب «أوراق فلكوريات عدن» من مقال له في صحيفة «النداء» العدد (119) الموافق 2007/9/12 لأن المقتطف يعطي لي القيمة الحقيقية التي أردت إبرازها بالنسبة للمدينة الغالية (عدن) علماً أنني أملك هذا الكتاب المهدى إلي من صاحبة الشأن التي سأذكرها بعد قليل.. سأذكر لماذا هاجموها؟!«عدن.. بما هي كثيرة وكبيرة، وعاصمة للضوء ومحبة وما لا يحضر البال كما لا يخطر، فإنها تستدعي هذا الاحتفاء.. بل هذه المحاولة الوجلة التي تتوسل، بصدق نفض غبار الإهمال والتهميش والنسيان واستدراك ما تبقى منها وما نجا، وقرع الأجراس في وجه عوامل الانقراض والتلاشي والإقصاء والانعدام والإعدام التي غدت تطاول عناصرها ومظاهر وملامح ذاكرة عدن».

أحبائي في صحيفة «الأيام» (هشام وتمام) والقراء الأعزاء يتذكرون أنني منذ عام 1995 وسنوات أخرى عديدة كنت أبيّن خطورة الصمت على ما يجري على مدينة (عدن) من محاولات جادة وصلت نتيجة الصمت الجبان الذي ساد المدينة إلى تغيير هويتها وشكلها وطمس تاريخها بل دفن بحرها وأكل جبالها والبناء فوق صدرها وقلبها.. الخ ولدى أحبائي (هشام وتمام) عشرات من مقالاتي، لدي أيضاً، لدى آخرين، وحتى في الخارج موجودة (هذا لو فكر البعض أن بمقدوره مصادرتها سيكون وكمثل الذي يصادر السراب، أو يسعى لقبض الريح).

الأخت أروى عثمان هوجمت، وثارت الثائرة عليها وضدها لأنها سعت بذكاء واجتهاد ومعرفة بما تعنيه كلمة أو كلمات أو معاني (إحياء تاريخ مدينة عريقة ضاربة جذورها في أعماق أعماق التاريخ) وهؤلاء يرفضون بيان الحقيقة، يرفضون إظهار الصورة الحقيقية لمدينة عريقة، قاموا بكل جهدهم لتشويهها حتى لا تعرف الأجيال الصاعدة والواعدة شيئاً عنها.. بل قام البعض من أبناء (عدن) يدعون أنهم وحدهم أهل الشأن، أصحاب الحق، الأوصياء على (عدن) فقط، وهم الذين سيقيمون وسيظهرون (ثقافة وفلكلور شامل.. الخ).

ما العيب لو أقامت الأخت الكريمة هذه الفعالية والتظاهرة التي احتفى العديد من (أبناء وبنات عدن) في (صنعاء) بها، وكانت ناجحة ورائعة بكل المقاييس، رغم الهجمة الشرشة على هذه الأخت قبل قيام هذه (النسمة الجميلة) لإشراقة مدينة عملاقة؟! أين هؤلاء طيلة السنوات (13 سنة) ونحن نقاوم بالكلمة هذا الهجوم البريري والهمجي الذي يريد تحويل مدينة (عدن) إلى مجرد (مسخ هجين) وتحقق منه الكثير..؟! أين كان هؤلاء الأبطال المدافعون عن التاريخ وكل ما في عدن يدمر وتحتله الغابات الإسمنتية؟! لقد أظهرت الأخت (أروى عثمان رئيسة بيت الموروث الشعبي في صنعاء) أن مدينة (عدن) من الصعب دفنها، من المستحيلات أن تطمس هويتها، ثقافتها.. الخ، كل هذا كان واضحاً من خلال التظاهرة الرائعة التي أقيمت في (بيت الثقافة) في صنعاء يومي (9,8 سبتمبر) لقد كان واضحاً أن الذين يتحدثون باسم مدينة (عدن) هم مجرد (مجموعة أجادت السمسرة وبيع كل شيء) المهم هو قبض الثمن أو العفن سيان.. تباً لكم جميعاً حيثما كنتم، وحيثما حللتم وحيثما سكنتم أو حتى حيثما ألقت بكم المقادير ذات مساء إلى قلب (الغابة السوداء) لأنكم مجرد نكرة.

أقول.. أيتها الأخت الكريمة (أروى عثمان) لا تقهري لا تغضبي بل العكس هو الصحيح، من يريد أن يسحق أفكار (المغول والتتار والبرابرة) عليه أن يبين للدنيا كلها معنى التراث، والحضارة، معنى التاريخ الجميل لهذه المدينة المحروسة (عدن) يا أختي الكريمة سأبين لك مصيبة مدينة (عدن ) على النحو التالي:نتساءل في عدن ما الذي جرى ويجري على هذه المدينة الغالية.. نتساءل بغباء كأننا لا نعرف الفرق بين الأرض والسماء.. مصيبة (عدن) أنها فتحت قلبها واحتضنت منذ سنين طويلة (الأصيل والوضيع، النذل والشهم، الجبان والشجاع، الكريم والواشي الأجير، النبيل والمزايد الحقير، الفرسان والأوباش) ولأنها جمعت كل هذه (المتناقصات) تحملت كل ألوان القهر والخيانة والمزايدات.. الحقد الأسود عليها تمرد، تمدد، تجدد، أرغى وأزبد.. سبح للشياطين، ركع وسجد!!

ويبقى القول..لك من أبناء المدينة، من كل أهلها التحية والشكر والتقدير، ولكل من يكون على شاكلتك يحيون التراث ويعيدون التاريخ وعبق التاريخ إلى مساره الصحيح أما الذين هاجموك لهم هذا القول رغم عدم معرفتي بهم، بل لم نسمع عنهم نحن أبناء مدينة (عدن) شيئاً.. لهم قولي هذا: في الليل تسهر الخفافيش والصرارير ويسهر الواشي الأجير في المواخير.. يكتب التقارير ويحلم بسرير من ديباج وحرير.. يحلم بالخدم والحشم، والمخدع المثير.. وينتهي قرب قمامة الحي في الشوط الأخير!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى