القافلة الأدبية

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> هممت قبل أن أبيض هذه الحلقة أن أوقف سلسلة هذه الحلقات من (القافلة الأدبية) وأرجئها إلى زمن آخر خوناً، أن يكون القارئ العزيز قد ملّ هذه السلسلة أو استفزه تكرار العنوان، مع أن كل حلقة تعرض حدثاً مختلفاً في زمان ومكان مختلفين. أجل لقد هممت ولكنني لم أفعل، استشرت في ذلك بعض القراء من الزملاء فأشاروا علي أن أستمر في الحديث عن (القافلة الأدبية) حتى رجوعها إلى عدن ورأوا أن الموضوع جديد وجيد فلا ينبغي أن أوقف سلسلته السلسة فلهم ولكل القراء خالص المحبة والوفاء فهم الرصيد الذي نعتز به. ففي الحلقة السابقة خرجت القافلة من (يفرس) قرية ابن علوان متجهة صوب وادي البركاني، كان وادياً فسيحاً منخفضاً، تتوزعه المزارع الصغيرة والكبيرة، لم نحط رحالنا فيه، ولم نتوقف بل مررنا مروراً سريعاً، كنا ماضين إلى موقع الشجرة الكبيرة الغريبة شجرة أبو غريب طال مسيرنا إليها بينما كنا متعبين وجائعين، وددت لو نتوقف لدى أي شجرة على الطريق، أو أشجار، ومن ثم نقفل عائدين.. كل الأحجار عجيبة في خلقها، دالة على عظمة الخالق وإبداعه، تذكرت لحظتها مقالة محمود درويش الأدبية (دفاع عن الشجر) لقد تمنى أن تكون الشجرة وطنه، فهي لا تغادر وطنها أبداً، وإذا فعلت تموت، وتموت حين تموت وهي واقفة، إلى أن يقول: ارفعوا أيديكم عن الشجر إنه وطن». طال الطريق إلى شجرة «أبوغريب» في أقصى وادي البركاني أطاله الجوع والتعب لولا ثرثرات الزملاء ذات النكهة العدنية التي لا تضاهى، والتي صارت اليوم نادرة في ظل النزوح الكبير الذي تواجهه المدينة (عدن) وانكفاء أهلها وانزوائهم وضمور ما يحفزهم إلى الفرح، مع أنهم من أكثر خلق الله قدرة على الفرح والسعادة ومواجهة اليأس والإحباط والعجز والموات. هاهي الشجرة المقصودة المنشودة، وصلنا إذن، التقى الجمع حول الشجرة، إنني في موقف يثر الشفقة فكيف أصف لكم تلكم الشجرة حتى تقتربوا قليلاً من رؤيتها؟! إنها شجرة غريبة حقاً، عجيبة حقاً، عتيقة، عتيدة، بيد أن هذا لا يفي ولا يكفي، أغرب ما فيها وأعجبه جذعها الضخم المربع، ولعله شبه منحرف، كل جهة منه تشبه واجهة جدار ضخم في عرضه وطوله، هناك عبارات كتبت على جدرانها، أي جهات جذعها الواسعة، فكأنما هي مبنى عجيب التصميم والبناء غير تقليدي، فجذوعها جدرانها وأغصانها وأوراقها سقفها مع كثرة أبوابها وسعتها وتعدد حجراتها وزواياها.. قيل لنا هناك بأن الأمريكيين قدروا عمرها بألف سنة، ولا أدري ما علاقة الأمريكيين بهذه المسألة، هل باتوا يهتمون حتى بعمر الأشجار في بلادنا؟ فلماذا لم تكن هذه المعلومة ذات منشأ محلي؟ وددت لو أن العلامة ابن خلدون كان موجوداً بيننا ليقدر لنا بعبقريته الفذة ما تبقى من عمر أمريكا، وعلى أية حال فعمر هذه الشجرة التي أمامنا يساوي أضعاف عمر أمريكا التي تتسيد العالم اليوم. رميت الشجرة بنظرة وداع من فوق الباص فقد لا أراها بعد يومي ذلك. أطلق السائق العنان لمركبته تحت سياط الجوع خاصة وهو لم يفطر، كان يسوق بأعصابه، قدّرت موقفه فالجوع كافر وليس له صاحب، ولكنني ظللت أرقبه بصمت. يتبع

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى