الكلمة والطقم

> محمد سالم قطن:

> في البدء كان «الكلمة»، هكذا بدأ الحواريون مسيرتهم في الشعاب والوديان، في ترنيمتهم الأزلية بإصحاحات الإنجيل.

«الكلمة» نبع صاف من الإيمان، ودفق هادئ من معين المعرفة، من خلال الكلمة عرفت البشرية طريقها عبر الدروب والمنحنيات، ومن خلالها أيضاً، استقبلت رسالات السماء؛ آيات بينات حملها الروح الأمين من سابع سماوات العلى ليهتدي بهديها الإنسان وتغمر بأنوارها الأرض فتستوي في أفيائها الحياة؛ كريمة مطمئنة واثقة. الكلمة قيمة من قيم الجمال والسمو والعطاء والحب، الكلمة نور ينقشع به الظلام ويهرب منه الخوف وتطيب به النفوس وتطمئن إليه القلوب.

ولما كانت التناقضات من طبيعة الأشياء، صار للبعض ولع بكائن حديدي لا يعقل ولا يسمع، اخترعه الإنسان في لحظة من لحظات ضعفه البشري المعهود. أسموه (الطقم) وتوسموا فيه قضاء الحاجات، وتحقيق الغايات، وظنوا أن في قدرته على التدمير والإرهاب ما يتيح لهم وأد الكلمة وإيقاف دواليب المطابع عن الدوران.

لم يقرأوا شيئاً عن تاريخ الكلمة بينما تضخمت معارفهم عن قدرات الطقم. مهما كان جبروت الطقم ومهما كان عنفوان العاصفة فهي لا تقوى على فك عقدة خيط أو فض رسالة عشق للأوطان.

الإسكندر المقدوني، أشهر من فتح البلدان، دوخ كل جيوش الدنيا وفتح أوروبا والشام ومصر وفارس والهند، تجاهل الكلمة التي تعلمها على يد أستاذه (أرسطو) وشغف حباً بالأطقم فماذا جنى؟ هلك غريباً في الصحراء على يد أضعف خلق الله، بعوضة لدغته في جنح الليل فأصابته الملاريا القاتلة ليموت بعدها بأيام معدودة، وفي أرض غريبة لم يظفر فيها حتى بقبر صغير فقد ولت الأطقم هاربة!

الصحيفة كلمة و«الأيام» كلمة والكلمة باقية، أما الطقم فيهلك سريعاً لأن آفة الحديد الصدأ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى