وجهة نظر بمناسبة الاحتفاء بأعياد الثورة

> علي صالح محمد:

> بقدوم الذكرى الخامسة والأربعين لسبتمبر والرابعة والأربعين لأكتوبر والأربعين للاستقلال الوطني يسودنا الشعور نحن الصابرين القابعين في ديارنا كضحايا حروب محسوبين من سكان العمارة لكننا نقف اليوم في موقع الخسارة والعقاب منذ عام 1994م ومن واقع الحرص الوطني يسودنا الشعور بأن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وفقاً لموقعه كرئيس منتخب ووفقاً لتجربته وتعاطيه العقلاني والواقعي مع الوضع والمتغير السياسي ووفقاً لما استجد من أحداث في إطار التداعي الناتج عن الحروب الظالمة، يشكل الفرصة الممكنة والوحيدة والمتاحة التي من خلالها يمكننا معاً تجنب مساوئ ما تخلفه المكابرة والاستعلاء ومشاعر الزهو الناتجة عن الانتصار العسكري ضد الإخوة في الجنوب في حرب 1994م أو حروب صعدة الأخيرة، مع أن الزهو الذي يسببه النصر العسكري يعتبر في الحسابات السياسية مدمراً.

وهنا يحتم علينا الواجب المساهمة بطرح بعض ما نراه ضرورياً من واقع الواجب الوطني لإنهاء تلك الأسباب التي يمكن أن تشكل عوامل جديدة لانهيار قادم أو مقدمات لتناحر وصراع جديد مع علمنا أن حكمة الرئيس قد بلغت مستوى كبيراً من النضج السياسي الذي يساعد على وضع حد لكل الصراعات في هذا الوطن لشعورنا أنه قد آن الأوان كي يستظل تحت سقفه جميع أبنائه من غير تمييز أو استثناء لينعموا بخير السلام والأمان بعد أن ذاقوا مرارات الصراعات والحروب .

إذ إننا وبعد مرور أربعة عقود من الثورة والاستقلال الوطني مازلنا ننظر وبأمل إلى الإنجازات الموعودة لهذه الثورة وننتظر وبشغف ولهفة ذلك اليوم الذي تحقق فيه أحلامنا التي جاءت من أجلها ونحن بذلك لا نبالغ في مطلبنا فقد أخرجتنا الثورة من الظلمات إلى النور وحققت لنا فرصاً جميلة للحياة الحرة والكريمة على أرضنا إلا أن الصرعات الدموية المستمرة وآخرها حرب 1994 وما نتج عنها من إجراءات سارية حتى الآن (وبعدها حروب صعدة) إنما تلقي بظلالها الكثيفة على حياتنا جميعاً وحياة أبنائنا ومستقبلهم، بل إنها شكلت حواجز منيعة أمام حياتهم الطبيعية وأمام أحلامهم، لتبرز عناوين كثيرة هدفها مسخ كل ما هو جميل في ذاكرتنا ووجودنا الإنساني وانتمائنا الوطني من خلال الممارسة المليئة بأشكال الإذلال والقهر وألوان الفساد وأنواع السيطرة والبسط والتهميش ومصادرة وإلغاء الحقوق والإقصاء التي يمارسها البعض ممن استفاد من نتائج الحرب. ونشعر أنه بعد أربعة عقود مضت من أعمارنا القصيرة المليئة بالأحداث الأليمة لا يوجد فينا عاقل يقف اليوم في موقع الفرح لقداس وطني جديد.. فمن كثرة النوائب الداخلية والمحن المريرة التي هدر فيها الدم القاني، ومن كثرة عاديات الزمان وجبروت وطغيان العدو الذي لا يرحم .. وبعد ما رأته أم أعيننا وما نراه يومياً تجاه إنساننا على أرض الأمة المهزومة والمُذَلة التي يراد لها التمزق مجدداً، فلم يعد هناك من يجرؤ على تمني أو خوض تجربة ودرس جديد من دروس الحزن والمعاناة والمآسي الداخلية .. من هنا تأتي أهمية المراجعة والاستفادة من الدروس باتجاه معالحة الجراح ومواجهة القادم الذي لا يبشر بخير .

والحقيقة إن الحال لا يبشر بأننا قد أصبحنا جميعاً بمنأى عن الإساءة ممن لا يريدون للحكمة أن تأخذ مداها لكي يصبح هذا الوطن مصدر أمان لكل أبنائه ولكل أولئك الصابرين الصامتين في ديارهم لعزة وعفة في نفوسهم ويئنون من واقع الحال يكابدون على أمل أن ينعموا على أرضهم بحياة معيشية كريمة وآمنة ومساواة في الحقوق والواجبات لأن الجوع الهوان والإذلال والاحتقار والقهر وكلها مقدمات للغضب «والعضب» عنوان للرفض والانتفاضات والثورات.

وهنا نعتقد أننا لسنا بحاجة إلى ثورة جديدة بقدر ما نحن بحاجة إلى تصحيح مضامين الثورة من الاختلالات والتشوهات التي صاحبتها لإعادة الوجه المشرق لها ولما تحمله من خير للإنسان في هذا الوطن من خلال بناء دولة حديثة تحقق أحلام الناس وتقوم على قاعدة الوحدة باعتبارها مشروعاً إنسانياً اجتماعياً سياسياً اقتصادياً عظيماً وهو المشروع الذي تعرض فعلياً للأذى الشديد في عام 94م لتختل بذلك أرمكانه وتقوض شروط استمراره وثنائية وجوده كمشروع قام في الأصل طوعاً بين الشمال الجنوب أو بين النظامين السياسيين أو الحزبين، وكمشروع يهدف إلى خير الإنسان في اليمن ويقوم على احترام التنوع الثقافي والديني والسياسي والاجتماعي والديمغرافي والانتروبولوجي لكل أبناء اليمن، وكان لفخامة الرئيس مع أخوته من قيادة الجنوب والشمال شرف تارخي لتحقيقه، لينشأ بنتيجة حرب 94 وضع أحادي بديل حقق سيادة وانتصار طرف وفرض واقعاً بديلاً يقوم على السيطرة الجغرافية وأسس للانقسام الوطني والاجتماعي والسياسي .

لهذا، فإن اختلال التوازن السياسي وضعف المشاركة الحقيقية للآخر في الحكم مع انتصار أحادية المنظومة الإدارية والسياسية التي تعاني من التخلف أصلاً وطغيان الفساد المالي والإداري والقضائي والأمني الذي يتنامى باضطراد مع تدهور مستوى المعيشة، كلها عوامل لا تمنح النفوس الآمال الجميلة بل عوامل من شأنها تعميق الأزمة والتناقضات وتقويض الإنجازات الوطنية التي تم تحقيقها خلال العقود المنصرمة .

وذلك لأن الحروب تخلف في العادة ركاماً هائلاً من الدمار المادي وأعداداً كبيرة من القتلى وأضعافهم من الجرحى لتسيل فيها أنهار من الدماء والدموع وأنين صامت ونفوس كسيرة لتضيف رصيدا هائلاً من المعاناة والبؤس لا يسلم منه أحد، كما تخلف كماً هائلاً من ألغام وهي التي يتداعى الضمير الإنساني في الدول المختلفة لنزعها من خلال برامج وطنية مدعومة دولياً لها الفضل في الحفاظ على الإنسان والحيوان في المناطق المزروعة كما حصل في اليمن ليدخل الأمان والطمأنينة إلى نفوس الناس الذي كانوا يعانون من شرها كثيراً .

وإذا كان هذا هو الحال مع الألغام المسببة للأذى الفردي، فإن الثأرات والضغائن والأحقاد التي تسببها الصراعات والحروب يكون أذاها أعم وأشمل لتصيب الجميع بلا استثناء مهما بدا للبعض أنه بمنأى عنها، وهنا نعتقد أن الوقت قد آن لتحتل الحكمة موقعها لجمع العقلاء وحكماء الأمة من السياسيين من كل الأطراف بلا اسثتناء وذوي الحل والعقد والبصيرة وجميع من يحلم بوطن جميل يسوده السلام لتزين الابتسامة وجوه جميع أبنائه في كل مكان لتأسيس مجلس وطني .. لوضع برنامج وطني شامل لإزالة وإنهاء كل ملفات ومخلفات الحروب قديمها وجديدها وكل الآثار الناجمة عنها.. برنامج يكون شعاره (وطن للجمع بلا ضحايا أو حروب).

ولاشك بأن القرار الأخير المتضمن تشكيل لجنة وطنية لمعالجة ما سبق أن أشرنا إليه هنا يعد خطوة تستحق الاهتمام، ولكي يتحقق الهدف من تشكيل هذه اللجنة وتؤدي دورها الوطني بمصداقية وبجدية أفضل وحتى لا توئدها المهام الكثيرة الوطنية في التحضير لعقد مؤتمر وطني للتسامح والتصالح لإنهاء الثأرات بكل أنواعها السياسية والاجتماعية والتأسيس لكل ما من شأنه تجنيب اليمن مآسي ومحناً جديدة، وبهذا تكون هذه المهمة هي أولى القضايا التي يمكن أن نتبناها وتعمل من أجلها اللجنة الوطنية المعلن عنها مؤخراِ برئاسة الأخ سالم صالح محمد في إطار الاحتفال بمناسبة الذكرى الأربعين للاستقلال الوطني .

ولتحقيق الانفراج اللازم والتحضير الوطني الجيد بعيداً عن المزيد من الاحتقانات وكخطوة على هذا الطريق نأمل بإصدار قرار بالإفراج عن جميع المعتقلين من المدنيين والعسكريين الذين تم اعتقالهم أثناء عمليات الاعتصمام الأخيرة وإصدار التوجيهات اللازمة لجهات الأمن بالسماح لكل أشكال التعبير الديمقراطي وأن تساعد هذه الجهات على تسهيل إقامتها، لأن من شأن ذلك تعميق الممارسة الديمقراطية بين الناس، أما إجراءات القمع فما من شأنها سوى توسيع الهوة والعداء بين الناس والنظام تحت مسميات عديدة لا تخدم صيانة الوحدة التي ينبغي أن تعاد إليها روحها الحقيقة، ولا تعزيز سلطة الدولة والنهج الديمقرطي المنشودين، لأن ما يجري ما هو إلا بعض أشكال التداعي التي سببتها الحروب كما أسلفنا .

هذا والله من وراءالقصد .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى