بعد 60 عاما .. الدكتور مالان في اليمن

> أحمد عمر بن فريد:

> في عام 1948م نزل الحزب الوطني في جنوب أفريقيا الانتخابات النيابية بشعارين مثلا العنوان الرئيسي لأسوأ نظام عنصري عرفه تاريخ البشرية، حيث طرح زعيم الحزب آنذاك الدكتور دانيال مالان الهولندي الأصل أسس النظام العنصري المتخلف، والموجه بالدرجة الأولى للمواطنين الأصليين من السود ضمن الشعار الأول الذي جاء حرفياً The nigger in his place أي الزنجي في مكانه المناسب، بينما جاء الشعار الثاني موجهاً للهنود وللملونين معاً coolies out of the country أي ليرحل الهنود (الكولي) عن البلاد.

العلاقة الجدلية ما بين هذه المعلومة التي تمثل وصمة عار في جبين الإنسانية بتجربتها المخزية وما نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقال، هو أن هذه الفترة الزمنية الممتدة ما بين عامي 1948م وعامنا الحالي 2007م, وهي فترة طويلة جداً تقدر بحوالي ستين عاماً, سقطت خلالها دول عظمى بكل هيلمانها وجبروتها، وتهاوت فيها نظريات إنسانية عريقة بكل جدلياتها وأسسها الفلسفية العريقة، لم تشفع ولم تسمح للأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم في اليمن) السيد عبدالقادر باجمال.. (موسوعة المؤتمر حد قولهم) أن يستفيد منها بشكل يتماشى مع روح العصر أو حتى مع أبسط قواعد الدين الإسلامي الحنيف! لأنه (أي باجمال) وبعد كل هذه العقود الزمنية الطويلة والتجارب الإنسانية نجده يستعير من مؤسس النظام العنصري في جنوب أفريقيا الدكتور مالان روحه العنصرية البغيضة وعقليته الإنسانية المريضة ليقوم بإسقاطها ميكانيكياً كما هي بكل مساوئها وقبحها على أبناء حضرموت حينما ذكر حرفياً- قبل أيام قليلة مضت- بشأن الاحتجاجات الشعبية هناك: «أن أولئك الذين يتظاهرون في المكلا أغلبيتهم من أصول صومالية، وهم حينما يفعلون ذلك فإنهم يبحثون لهم عن وطن!»

حسنا أيها السيد باجمال.. لو فرضنا جدلاً أن الأغلبية من الذين يتظاهرون في حضرموت هم من أصول (صومالية) حد قولك، ولو تجاوزنا المعنى العنصري لهذا الطرح الذي لا يليق برجل دولة شغل منصب رئيس الوزراء لأطول فترة زمنية في دولة الوحدة.. لو تجاوزنا كل ذلك وطرحنا على سيادتكم السؤال التالي: أليس من حق هؤلاء أن يتظاهروا وفقاً لحقهم الدستوري والقانوني طالما وهم يحملون الهوية اليمنية؟.. أم أن البطاقة الشخصية (اليمنية) لا تخول لحاملها ممارسة حقوقه الدستورية والقانونية إلا إذا كان من أصول عرقية يمنية؟.. ألا تتفق معي أن مثل هذا الطرح هو طرح خطير جداً من جهة، وأنه غير مسئول من جهة أخرى؟ خاصة وأنتم تعلمون تماماً أن جميع بلاد الدنيا لا تفرق بين مواطنيها على أساس (العرق أو الدم أو اللون) بغض النظر عن أصولهم، أو عن بلادهم الأصلية، وعالمياً يعتبر من يقوم بالتفرقة بين المواطنين بحسب (العرق أو اللون) إنساناً متخلفاً ذا أفكار (نازية - عنصرية)، فهل أنتجت لك ثقافتك الواسعة التي نسمع عنها، كل هذا (الخراج العنصري) في آخر الأمر؟

ثم وعلى حد علمي (الأكيد إن شاء الله) أن الغالبية من أبناء حضرموت هاجروا في مراحل مختلفة عبر التاريخ إلى دول أفريقية وإلى دول آسيوية، وفي هذه الدول ومن خلالها نقلوا إلى شعوبها أعرق وأنبل التجارب الإنسانية، وكانوا خير سفراء للدين الإسلامي الحنيف، بل إنهم في آسيا وحدها تمكنوا من إدخال الإسلام إلى عشرات الملايين من البشر دون أن تراق من قبلهم ولا منهم قطرة دم واحدة، وكذلك فعلوا في أفريقيا ومنها الصومال بطبيعة الحال، فما بالنا اليوم وعبركم (شخصياً) وأنتم أحد أبناء حضرموت تتجنون على أبنائها بسبب بشرتهم السمراء واختلاطهم بشعوب الدنيا لتقوموا بنفيهم ومحاولة اقتلاعهم من تاريخهم الحضرمي العريق، والدفع بهم إلى أرض الصومال والجذور الصومالية!.. التي لا تخجل أحداً في أي حال.

ألا تتفق معي أن مثل هذا الطرح يلغي وبشكل واضح وصريح الحق المكتسب جراء حمل الهوية (البطاقة الشخصية) وينقل هذا الحق الدستوري بشكل كامل إلى حق مكتسب من خلال (العرق) فقط؟! فكيف لرئيس وزراء دولة أن ينسف الحق الدستوري والقانوني ويحيله إلى قانون آخر هو قانون (الفصل العنصري)؟ ثم ألا تعتقد أن أحداً من هؤلاء الذين تجنيت على أصولهم الحضرمية بقادر على تقديم طرح عنصري مماثل يتحدث فيه عن وضع (أصحاب الأصول الفارسية) في اليمن..؟!

السيد باجمال.. كان الأجدر بك وبحزبك الحاكم تقديم مبادرات حقيقية قادرة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بفعل (السياسات العنصرية) في الجنوب بدلاً من تعميق الجراح بما ذكرت في شأن (الأصل والفصل).. وما ذكرت عن تسليح (القبائل) ضد الصومال في حضرموت والهنود في عدن! أم أنه الإفلاس بعينه قد سكن واستقر بجواركم؟.. وكان يمكنكم أيضاً كمواطن (حضرمي) أن تقوم بمبادرة لإطلاق سراح المناضل الحضرمي حسن باعوم وزملائه في المكلا وعدن بدلاً من تقمص شخصية الدكتور مالان العنصرية، لأنك إن فعلت ذلك وأصررت عليه لن يكون أمام باعوم إلا شرف لعب دور الأسطورة نيلسون مانديلاً.. والتاريخ وحده بعد ذلك سيخبرك لمن سيكون الشرف، ولمن سيكون الخزي والعار.. والفرق بين مالان ومانديلا هو فرق فلكي بكل تأكيد.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى