البحث في إمكانية محاكمة باجمال بدعوته إلى تسلح الشارع؟

> د. محمد علي السقاف:

> بسبب انشغالي في الدفاع أنا والزميلين بدر باسنيد وعارف الحالمي عن العميد الركن ناصر النوبة، رئيس مجلس التنسيق لجمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين المعتقل من قبل النيابة العسكرية منذ 2 سبتمبر دون أي مسوغ قانوني حقيقي، لم أتمكن إلا منذ يومين فقط من الاطلاع على مقابلة الأستاذ عبدالقادر باجمال مع صحيفة «الخليج» بتاريخ 16/ 9 والتي أعادت نشرها صحيفة «الأيام» بتاريخ 2007/9/16م.

خطورة التصريحات التي أدلى بها باجمال تكمن في أمرين: قوله عن استعداده لإعادة تسليح الشارع لمواجهة المتآمرين على الوحدة، ويقصد بذلك بشكل أساسي التصدي لموقف المتقاعدين العسكريين والأمنيين وتفاعل أبناء الجنوب مع مطالبهم والشعارات المرفوعة من قبلهم، ولكون هذه التصريحات الأخيرة جاءت من قبل رئيس وزراء سابق وأمين عام الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام حاليا. وقد تخصص باجمال بإطلاق تصريحات خطيرة والقبول بتنفيذ بعض المهام التي لا علاقة لها دائما بمهامه الرسمية، ولكنه يتطوع بتنفيذها كما هو مطلوب منه لكونه ينتمي إلى المحافظات الجنوبية وتحديدا من محافظة حضرموت، فهو وإن تبوأ بعض المناصب الوزارية سابقا في ظل (ج.ي.د.ش) إلا أنه مع قيام الوحدة لم يدخل ضمن أي تشكيلة وزارية في حكومتي المهندس حيدر العطاس، وإذا بقرار جمهوري رقم 26 في 26 مايو 1991م، في عز الحرب الأهلية لصيف عام 1994م، يصدر بتعيينه نائبا لرئيس الوزراء ويدخل في تشكيلة حكومة عبدالعزيز عبدالغني (94/10/6 - 1997/5/14م) ليحتل وزارة التخطيط والتنمية. ونقدم فيما يلي بعض الأمثلة لقبول الرجل القيام بمهام ليست من اختصاصه المباشر أو إطلاق تصريحات ذات حساسية خاصة: المثال الأول، قبوله التوقيع على فكرة التفاهم بين السعودية واليمن في مكة بتاريخ 26 فبراير 1995 وهو بصفته وزيرا للتخطيط والتنمية، ولم توكل هذه المهمة إلى وزير الخارجية حينها الدكتور عبدالكريم الارياني، وقبل باجمال ظهور اسمه في الاتفاقية مع صفته كوزير للتخطيط، بينما في معاهدة الحدود الدولية الموقعة في جدة مع المملكة في 2000/6/12م فكان الأمر يدخل ضمن إطاره الطبيعي بصفته وزيرا للخارجية.

وبصفته أيضاً وزيراً للتخطيط أجرى في مسقط (سلطنة عمان) مقابلة صحفية مع صحيفة «الحياة» اللندنية بتاريخ 16 أبريل 1995م العدد (11743) تحدث فيها كوزير للخارجية (حول مذكرة التفاهم مع السعودية) وكوزير للدفاع حول خفض أعداد القوات المسلحة (في حين كان وزير الدفاع حينها العميد الركن عبدالملك السياني).

وأهمية تصريحات باجمال هنا ذات علاقة مباشرة بما يحدث اليوم في الجنوب في قضية المتقاعدين العسكريين والأمنيين الذين تم تسريحهم جماعياً، ولاحظوا معي هنا أسئلة الصحيفة وإجابة باجمال: «الحياة»: هل كان قراركم بخفض القوات العسكرية مطلباً من خارج أو جزءاً من صفقة إبرام اتفاق مذكرة الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية؟

- إجابة باجمال: «موضوع خفض القوات العسكرية اليمنية هو موضوع داخلي يرتبط بقضية خفض النفقات والمصروفات الحكومية في اليمن، وهو هم سابق لأي محادثات مع الجانب السعودي حول مسألة الحدود، ولا علاقة له بدرجة أساسية بالاتفاق أو الحوار مع الأخوة في المملكة، خفض القوات يعني بالنسبة إلينا خفض النفقات الحكومية وتقليل العجز في الموازنة الذي بلغ رقماً يزيد على 33 مليار ريال يمني..... لهذا كان قرار الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بخفض القوات، لأننا ورثنا جيشين قمنا بدمج كامل لهما، ولما أعدنا تنظيم القوات المسلحة وجدنا أعداداً كبيرة تجاوزت سن التقاعد، وكان يفترض تقاعدها في ظروف سابقة لولا العوامل السياسية وعدم وجود الوحدة الوطنية داخل الجيش التي كانت تحول دون أن يتم هذا العمل، الآن والحمد لله تحققت الوحدة الوطنية داخل الجيش وأعيد ترتيب وضع الجيش ترتيباً وطنياً على أسس موضوعية....».

«الحياة»: ولكن ألا يشكل هذا العدد الكبير الذي تسرحونه من القوات المسلحة خطراً على الاستقرار الأمني في اليمن بسبب موارد اليمن المحدودة التي قد لا تتيح لهؤلاء فرصاً للحصول على أعمال أو وظائف، وألا تخشون أن يؤثر هذا الخفض الملموس على التوازن العسكري بينكم وبين جيرانكم؟

- إجابة باجمال: «هذا الخفض لن يؤثر على وضع التوازن الأمني داخل اليمن نفسها، وبالنسبة إلى جيراننا نحن لا نفكر في موضوع التوازن معهم فيما أننا ذاهبون لحل قضايانا معهم بالطرق الودية والسلمية....».

من الواضح هنا أن التسريحات الجماعية تخص أفراد القوات المسلحة والأمن في الجنوب ولذلك «تطوع» باجمال بالرد عليها، والأهم الإشارة إلى أن ما ذكره صحفي «الحياة» في مسقط تجسده أحداث الـ 6 الأشهر الأخيرة في الجنوب من الخطر على الاستقرار الأمني بسبب تسريح العدد الكبير الذي نفى حينها باجمال إمكان تأثيره على التوازن الأمني داخل اليمن، وتجاهل باجمال التعليق على سؤال الصحفي بأن التسريح قد لا يتيح للمسرحين الحصول على أعمال أو وظائف، فهذا ليس ضمن اهتماماته، والآن يتجرأ بالقول إن «المظلمة ليست واقعة على الجنوب فقط بل واقعة على الشمال أيضاً، وهذا دليل ضعف الجهاز العدلي بصورته العامة».

هذا الموقف والتبرير هو نفس الموقف الرسمي للقيادة التي ألقت المسئولية على (السلطة التنفيذية والسلطة المحلية) «لمعالجة هذه القضايا لأنها من صلب مهامها!» («الثورة» 8/ 8/ 2007م العدد 15610) في حين أن الترقية والإحالة إلى التقاعد للعسكريين والأمنيين تصدر بها قرارات جمهورية على مستوى الأفراد، فكيف والحال على مستوى جماعي، فهو قرار سياسي بامتياز يصدره من يملك اتخاذ ذلك القرار، وحين تظهر اليوم محاولات مثل باجمال وآخرين بأن الظلم الذي أصاب المتقاعدين لا يقتصر على الجنوبيين أود التذكير أن القرار بقانون للعفو العام يخصهم وحدهم، وهذا ما أكدته قيادات عسكرية في الجيش، مثل العقيد محمد علي حميد نائب مدير دائرة شؤون الأفراد بأن المستفيدين هم المتضررون من حرب 1994م الذين ينطبق عليهم قرار العفو، بينما لا ينطبق قرار العفو العام على «أبناء المحافظات الشمالية سابقاً، بل حدد أبناء المحافظات الجنوبية فقط» (صحيفة «26 سبتمبر» بتاريخ 25 /1/ 2007م العدد 1305).

وقوائم الإعادة الآن التي تنشر تباعاً وتضم أعداداً لا بأس بها من خارج المحافظات الجنوبية، بغرض طمس القضية السياسية وأنها ليست جنوبية فقط حتى تأخذ الصفة الحقوقية!

ونشير في الأخير إلى مثال آخر لتصريحات باجمال كرئيس للوزراء لصحيفة «البيان» الإماراتية، الذي نشرته صحيفة «البلاغ» اليمنية العدد (496) حول علاقة اليمن بباب المندب (وهو ضمن حدود اليمن الجنوبي سابقاً). سؤال: كيف ذلك وباب المندب لكم؟ باجمال: «لا.. ليس لنا من قال إنه لنا؟ القانون الدولي يقول إن هذا ممر دولي وليس ممراً يمنياً».

س: هو أرض يمنية.

باجمال: «من قال؟» (لمزيد من التفاصيل راجع مقالنا حوله في «الأيام» (تصريحات غير مسئولة لرئيس وزراء مسئول) بتاريخ 21 /11/ 2002م العدد 3725).

إنها مقدمة مطولة ولكنها ضرورية ومرتبطة بالموضوع.. ندخل الآن في صلب موضوعنا ونقسمه إلى قسمين حول مدى جواز محاكمة باجمال بسبب دعوته إلى تسليح الشارع من جهة، ومن جهة أخرى إبداء بعض التعليقات على بعض النقاط المتناقضة وغير الدقيقة التي وردت في مقابلة باجمال مع صحيفة «الخليج».

أولاً: البحث في إمكانية محاكمة باجمال

يمكن اعتبار ما جاء في مقابلة باجمال لصحيفة «الخليج» نسخة مخففة قليلا عن خطاب 27 ابريل 1994 في ساحة السبعين الذي سبق حرب صيف 1994. في الأولى في ساحة السبعين إعلان الحرب على الجنوب جاء من مجلس رئيس الرئاسة حينها وأمين عام حزب المؤتمر الشعبي، في الحالة الراهنة تقتصر على أمين عام المؤتمر الشعبي العام.. فباجمال حين يقول «إنني سأسلح الناس في مواجهتهم» فهو هنا لا يتحدث بصفته الشخصية كمواطن أو فرد وإنما كأمين عام للمؤتمر الحزب الحاكم، فتسليح الناس معناه أن باجمال يمتلك ذخيرة كبيرة من الأسلحة لتوزيعها على نطاق واسع، والسؤال هنا من أين سيجيء بهذه الأسلحة إن لم تكن من مخازن أسلحة الدولة، المدفوعة قيمتها من الخزانة العامة، التي يشكل ثلاثة أرباعها من موارد النفط في الجنوب، والذي سيعني استعمال موارد الجنوب لقتل أبنائه وليس للدفاع عنه. ومن جانب آخر سيعني ذلك بالضرورة تشكيل مليشيات مسلحة، ستتبع قيادة المؤتمر الشعبي العام ومن يتبنون أيديولوجيته ولا يخضعون إلى قواعد قانون الحرب واتفاقيات جنيف الأربع التي صادقت عليها اليمن وتضع ضوابط وقواعد في سير العمليات الحربية ومحرمات يتوجب عدم تجاوزها في التعامل مع المدنيين والتي تلزم القوات المسلحة التابعة للدول احترامها. وتصريحات باجمال بتسليح الناس مع امتلاك الدولة لجيش (قوات مسلحة وأمن) يعكس أن تصريحه رسمي يدخل ضمن العقيدة العسكرية الرسمية للدولة اليمنية بإشراك المليشيات المسلحة مع القوات الرسمية المسلحة كما حدث في حرب 1994م، وفي حروب صعدة الأربع، مع فارق أساسي ورئيس أنه في حرب 1994م بإشعال الحرب الأهلية، التي يهدف باجمال الآن إلى تكرارها، كان لدى الجنوب جيش مسلح وقوات أمن تخضع لقيادتها السياسية والعسكرية الجنوبية من قيادات الحزب الاشتراكي، والآن الدعوة إلى تسليح «الناس» سيوجه ضد من ؟ فجمعيات المتقاعدين العسكريين أساس نضالها سلمي، لا تمتلك سلاح القوات المسلحة الرسمية، وهم أفراد تم تسريحهم وإحالتهم إلى التقاعد الإجباري. فالتسليح ضد من إن لم يكن للقتل الجماعي في الجنوب بعد التسريح الجماعي؟ وموجه أيضا ضد مبدأ النضال المدني السلمي - الذي اتخدته عنوانا في مقال سابق في «الأيام» - والذي يخيف السلطة السياسية الراهنة .. من هنا لخطورة تصريحات باجمال يجب محاكمته عليها، والسؤال الآن كيف يمكن تقديمه للمحاكمة وأمام أي قضاء؟ هل أمام محكمة خاصة بحكم منصبه السابق كرئيس للوزراء أم أمام القضاء العادي؟

نستبعد هنا موضوع المسئولية السياسية بالتركيز على موضوع المسئولية الجنائية لرئيس الوزراء.

1) الصعوبات:

الدستور اليمني، والقانون رقم (6) لسنة 1995 بشان إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيدية العليا في الدولة، الصادر بتاريخ 21 مارس 1995 حدد إجراءات الاتهام والمحكمة المختصة بمحاكمتهم، وقد أوضح القانون رقم (6) لسنة 1995 أنواع الجرائم، وتفاصيل إجراءات الاتهام والتوقيف بالتمييز بين إجراءات الاتهام الموجه لرئيس الجمهورية أو نائبه وما يتعلق بإجراءات اتهام رئيس الوزراء أو نوابه، أو الوزراء ونوابهم، وكذا ما يتعلق أيضا بالمحاكمة والعقوبات. من دون الدخول في التفاصيل نشير فقط إلى أن دستور الوحدة والدساتير التالية 1994 و 2001 حددت أنواع الجرائم بالنسبة لأعضاء مجلس الرئاسة سابقا، ثم لرئيس الجمهورية لاحقا، ما يتعلق بجرائم الخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد، بينما اكتفت دساتير الجمهورية فيما يتعلق برئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء بالتحقيق معهم والمحاكمة عما يقع منهم من جرائم أثناء تأدية أعمال وظائفهم أو بسببها، ولم تنص صراحة على الجرائم الخاصة بالخيانة العظمى وخرق الدستور، وهو ما عمل القانون رقم (6) لسنة 1995 على إضافتها إليهم مع إضافة جرائم أخرى ليهم (رئيس الوزراء والوزراء...إلخ) مثل الاستيلاء على المال العام والعبث به، وجريمة الاختلاس، واستغلال المنصب والرشوة ...إلخ تلك التي استثناها كجرائم يمكن توجيه التهمة بارتكابها إلى رئيس الجمهورية ونائبه! بالنسبة لإجراءات الاتهام وضع نظام خاص يختلف حسب الجهة المخولة بتوجيه الاتهام فيما إذا كانت التهم موجهة لأعضاء مجلس الرئاسة (سابقا) ورئيس الجمهورية، والجهات المخولة فيما يتعلق برئيس الوزراء والوزراء، بالنسبة للفئة الأولى وفق نصوص الدساتير يتطلب ذلك توجيه التهمة من قبل نصف أعضاء مجلس النواب ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وفيما يخص رئيس الوزراء والوزراء فقرار التحقيق المحاكمة هو من اختصاص رئيس الجمهورية ومجلس النواب، بناء على اقتراح مقدم من خمس أعضائه على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي الأعضاء في المجلس(يختلف هنا قليلا دستور الوحدة عن نصوص دستوري 1994 /2001). وحددت المحكمة العليا كجهة اختصاص للمحاكمة.

وهنا نشير إلى ملحوظتين مهمتين: 1) عدم احترام وتطبيق نصوص دستور الوحدة في توجيه الاتهام ومحاكمة نائب الرئيس علي سالم البيض ورئيس الوزراء حيدر أبوبكر العطاس وآخرين في قائمة الـ16 الشهيرة، ولم يطبق أيضاً عليهم القانون رقم (6) لسنة 1995 (مقالنا في القدس العربي، وأعادت نشره «الأيام» بتاريخ 2000/12/4 العدد 3245).

2) إشكالية في إمكانية تطبيق القانون رقم (39) لسنة 2006 بشأن مكافحة الفساد إذا كان المتهمون في الفساد من شاغلي وظائف السلطة التنفيدية العليا في الدولة، الذين تتطلب إجراءات اتهامهم ومحاكمتهم نصاباً معيناً من موافقة أعضاء مجلس النواب، الذي يحتفظ فيه الحزب الحاكم بالأغلبية المريحة، وهذه ملاحظة هامة أغفلها المعلقون على قانون مكافحة الفساد. بالنسبة لتصريحات باجمال فهي تعتبر ضمن جرائم خرق الدستور ومخالفة القوانين النافذة. ونشير إلى مادتين فقط من الدستور النافذ: المادة 36 التي قضت أن «الدولة هي التي تنشئ القوات المسلحة والشرطة والأمن وأية قوات أخرى وهي ملك الشعب كله ومهمتها حماية الجمهورية وسلامة أراضيها وأمنها ولا يجوز لأي هيئة أو فرد أو جماعة أو تنظيم أو حزب سياسي إنشاء قوات أو تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية لأي غرض كان وتحت أي مسمى...». وتنص المادة 40 من الدستور أيضا على أنه «يحظر تسخير القوات المسلحة والأمن وأية قوات أخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة...». وعلى مستوى انتهاك القوانين نشير إلى القانون رقم 66 لسنة 1991 بشأن الأحزاب، الذي تقضي المادة 8/ الفقرة (سادسا): يحظر على الحزب أو التنظيم السياسي، البند (أ) إقامة تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية أو المساعدة في إقامتها، (ب) استخدام العنف بكل أشكاله أو التهديد به أو التحريض عليه. ونصت المادة 33 الفقرة 3 على «عدم الإخلال بالأمن والنظام العام أو الإقدام على التآمر والعنف والتحريض عليهما» مما يستدعي من رئيس لجنة شئون الأحزاب، الطلب من المحكمة المختصة وفق المادة 34 بحل الحزب وذلك وفق ما جاء في (ثانيا) من المادة 34 إذا ارتكب الحزب أو التنظيم لأي من المحظورات المنصوص عليها في المادة 33 المشار إليها بالإخلال بالأمن والنظام العام أو الإقدام على التآمر والعنف أو التحريض عليهما.

من الواضح أن تصريحات باجمال تمثل خرقا للدستور ومخالفة للقوانين النافذة، ولا يجوز إنهاء الخدمة والإحالة إلى المعاش دون توجيه تهمة خرق الدستور (المادة 29) من القانون رقم 6 لسنة 1995 بشأن اتهام ومحاكمة شاغلي الوظائف التنفيذية العليا. ولكن العمل بموجب هذا القانون يصعب تطبيقه في تقديم باجمال إلى المحاكمة لسببين رئيسيين: توجيه الاتهام وفق الدساتير يتطلب كما رأينا أن تكون إحالته إلى التحقيق أو المحاكمة بناء على قرار من رئيس الجمهورية أو باقتراح من قبل خمس أعضاء مجلس النواب وموافقة ثلثي أعضائه، وهذه الشروط يصعب تحقيقها وتوفيرها، ولكن السبب الفاصل ما نص عليه الدستور أيضا والقانون رقم 6 وقوع جريمة خرق الدستور أثناء تأدية أعمال وظيفته أو بسببها سواء كان في الحكم أو خرج من الحكم .. ما العمل إذن؟ هذا ماسنتعرض له الآن .

2) إمكانية المحاكمة وفق القضاء العادي:

تصريحات باجمال لحسن الحظ أطلقها وهو خارج نطاق ممارسة وظيفته الرسمية كرئيس للوزراء، حيث أدلى بها بصفته أمين عام المؤتمر الشعبي العام، وعليه فإن مسئوليته الجنائية هي من اختصاص القضاء العادي شأنه في ذلك شأن أي فرد من آحاد الناس فجميعهم سواء أمام القانون، فرئيس الوزراء والوزراء هم كغيرهم من المواطنين يخضعون للقوانين الجزائية أمام المحاكم الجزائية إذا كانت الجرائم التي ارتكبوها خارج فترة ممارستهم لوظائفهم الرسمية، وهذا ما ينطبق الآن على باجمال. وعليه فإن على النائب العام - وفق قانون الاجراءات الجزائية رقم 13 لسنة 1994، بالاستناد للمواد (116، 221 ،111) من القانون - أن يقوم بسلطة التحقيق والادعاء وكافة الاختصاصات، فإذا تبين للنيابة العامة بعد التحقيق ان الواقعة تكون جريمة ترجح ادانة باجمال فعليها ان ترفع الدعوى الجزائية الى المحكمة المختصة بنظرها. فالقرار الجمهوري بالقانون بشأن الجرائم والعقوبات رقم 12 لسنة 1994 بخصوص الجرائم المنصوص عليها في المواد 131 الاعتداء على الدستور و132 الفقرة 6: كل من أثار أو شرع في إثارة حرب أهلية فقام بتوزيع السلاح على طائفة من السكان أو دعاها إلى حمله لاستعماله ضد طائفة أخرى، والمادة 135 «كل من دعا أو حرض على عدم تطبيق القوانين النافذة أو الالتزام بها» كقانون الأحزاب السياسية الذي سبق الإشارة إليه، وقانون رقم (40) لسنة 1992م بشأن تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر.. واعتراف باجمال في مقابلته الصحفية بأنه سيسلح الناس برغم أن «الدولة الآن تشتغل ضد حمل السلاح...» ونص المادة 193 التحريض العام والمادة 194 (ثانيا) التحريض المكدر للسلم الاجتماعي العام .. إلخ ذلك من التهم التي تستوجب المحاكمة.

ثانيا: تعليقات سريعة على بعض النقاط الأخرى في المقابلة الصحفية

- قوله إن اليمن لا يزال يبني دولته الأولى: كلام جميل إذا كان القصد من ذلك القول إن وحدة دولتي الشمال والجنوب الدولة الأولى التي تجمعهم، أما إذا قصد من عبارة أن اليمن لا يزال يبني دولته الأولى حسب تعبيره بمعنى عدم نشوء الدولة فبل ذلك فهذا صحيح على مستوى الشمال وليس على مستوى دولة الجنوب التي وحدت تكوينها منذ الاستعمار البريطاني للجنوب، والتعبير السابق يتناقض مع إجابته على السؤال حول وجود أدلة أو مؤشرات إٌلى تدخل العامل الخارجي فيما يحدث بالقول نعم من دون شك، لكن نحن دولة ولسنا مثل المافيا، وبذلك اليمن لم تعد لديها دولة في طور البناء وإنما دولة قائمة بذاتها.

- توحيد أمريكا بالقوة وكذا توحيد بسمارك لألمانيا بالقوة نموذجان لتجارب قرون ماضية.. السؤال هل القرن العشرين ومطلع القرن الحالي عرفت عمليات توحيد بالقوة، أم برفضها كالوحدة المصرية السورية وإقرار مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، باستعادة دول البلقان استقلالها بعد ضمها وإلحاقها بالاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية واستقلالها منه في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، التي شهدت أيضا عودة كل من التشيك والسلوفاك إلى أوضاعهما ما قبل 75 سنة دون إراقة الدماء وتوزيع السلاح، بجانب السماح لإقليم الكيبك في كندا بتنظيم استفتاء دوري يهدف إلى حصوله على الاستقلال دون إجبارهم أن يظلوا بالقوة والدم جزءاً من الفيدرالية الكندية. أليس من الغرابة هنا لرجل يوصف بالحداثة وسعة الثقافة يرى في حل الأزمة الجنوبية والمحافظة على الوطن عبر إراقة الدماء والقوة بدلا من الاعتراف بوجود مشكلة عميقة في وحدة الجنوب مع الشمال بطرح حلول سياسية وليست عسكرية وحدة بالقوة المسلحة، أو التصرف بحس ديمقراطي بطرح استفتاء شعبي على أبناء الجنوب ليقرروا مصيرهم بأنفسهم بتغيير طبيعة دولة الوحدة وتقاسم الثروة والسلطة أو العودة إلى استرداد الجنوب لسيادته، لكن التهديد بتوزيع السلاح والحفاظ على الوحدة بالقوة هذا يتطلب محاكمة باجمال على ذلك، وسيتبين للجميع المساواة أمام القانون بين تلفيق التهم على ناصر النوبة وحبسه وترك من يحرض على العنف وانتهاك الدستور دون محاكمة.. إنه اختبار لمن يدعي بوجود قضاء مستقل ودولة سيادة القانون بمحاكمة أو عدم محاكمة باجمال!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى