يا أحزاب اليمن: تعالوا إلى كلمة سواء

> سيف العسلي:

> مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في بداية عام 2009 فإن حمى المناكفات بين الأحزاب السياسية وخصوصاً الرئيسية منها (المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك) في تصاعد مستمر. فكما أن للحمى فائدة للجسم فإن لحمى الانتخابات فوائد للوطن. فبدون الحمى قد يصاب الجسم بمرض خطير قد يودي بحياته، لكنه قد يستفيد من الحمى لزيادة المناعة أو للسعي للحصول على العلاج المناسب. لكن إذا تجاوزت حمى الجسم 40 درجة فإنها قد تسبب له إعاقات دائمة أو حتى الوفاة.

كذلك فإن حمى الانتخابات من المفترض أن يتنبه فيها الجميع إلى المخاطر التي يواجهها الوطن ليتم العمل على تجنبها قبل استفحالها وفوات الأوان على إيجاد المعالجات المناسبة لها. لكن إذا تجاوزت حمى الانتخابات الحدود المعقولة أي إذا تجاوزت المصالح الوطنية فإنها تضخم المصالح الأنانية مما يؤدي إلى انتشار الكذب والتضليل والتزييف.

من المؤسف أن المؤشرات المتوفرة حتى الآن تشير إلى تجاوز مستويات الحمى الانتخابية كل الخطوط الحمر منذرة بعواقب وخيمة. فالممارسات التي تقوم بها أحزاب اللقاء المشترك ورد فعل المؤتمر الشعبي العام عليها لا تبشر بخير على الإطلاق. إنها بكل تأكيد قد أصبحت مضرة بالمصلحة الوطنية.

فمطالبة أحزاب اللقاء المشترك بإزالة آثار حرب عام 1994 وتصحيح مسار الوحدة وإعادة النظر في النظام السياسي برمته لا يخدم المصلحة الوطنية. إن مثل هذه المطالب تنبع من مصالح أنانية قصيرة الأجل. فالمطالبة بإصلاح مسار الوحدة يعني تهيئة الظروف المناسبة لقيام حرب جديدة أكثر اتساعاً وأطول وزمنا وأكثر تدميراً وأوسع ضرراً، فإذا كانت الحرب في عام 1994م كارثية فإنه لا يمكن تبرير إزالة آثارها بحرب جديدة، ذلك أن الآثار الضارة للحربين ستكون أكثر ضرراً وكارثية.

لا شك أن هذه الآثار الكارثية المؤكدة لا يمكن مقارنتها بأي مكاسب متوهمة.. فإن كان يقصد بإزالة آثار حرب عام 1994م العودة إلى ما قبل الوحدة فإن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في ذلك الوقت لم تكن بكل تأكيد أفضل من الأوضاع الحالية، وإن قصد بذلك العودة إلى التقاسم الذي يعني الاعتراف بأن الحزب الاشتراكي هو الممثل الوحيد لأبناء المحافظات الحنوبية فإن ذلك يتناقض مع الديمقراطية ويعني التضحية بحقوق إخواننا في المحافظات الجنوبية وتسليمهم إلى جلاديهم. ولا شك أن ذلك أمر لن يقبل به أحد من أبناء اليمن ولا حتى غالبية أعضاء قواعد وكوادر الحزب الاشتراكي نفسه. وإن كان ذلك يعني الموافقة على استمرار قواعد الحزب الاشتراكي في تملك الشركات والأراضي والمباني التي أمموها فإن ذلك ظلم واضح لملاكها الأصليين ولن يقبل أي يمني شريف بظلم هؤلاء مرة ثانية.. وإن كان ذلك يعني إقامة السماح بالانفصال فإن ذلك وإن كان غير ممكن من الناحية الفعلية فإنه سيؤدي إلى تشتت اليمن إلى كيانات صغيرة لا يعلم عددها إلا الله. إن ذلك مضر وغير مفيد لأنه سيؤدي إلى تفكك اليمن إلى قطع متناحرة، وستكون النتيجة هي التقاتل وتدمير الذات، الأمر الذي سيترتب عليه إهدار قرن أو نصف قرن من عمر اليمن.

إن المطالبة بتغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني غير مفيد وغير واقعي، فالأنظمة البرلمانية مثلها مثل النظم الرئاسية نجحت في بعض الدول وأخفقت في البعض الآخر، فلا توجد أي ضمانة على نجاح ذلك في اليمن.

إن الدوافع الحقيقة التي تقف وراء هذه المطالب هي حرص أحزاب اللقاء المشترك على الوصول إلى السلطة بأي ثمن كان، فإذا كان من حقهم الوصول إلى السلطة فإن ذلك يجب أن يكون من أجل المصلحة الوطنية وليس من خلال التضحية بها.

لذلك فإننا نناشد أحزاب اللقاء المشترك أن يراعوا المصلحة الوطنية في شعارات يرفعونها وفي أي خطاب سياسي يتبنونه وفي مواقف سياسية يتخذونها. فليتقوا الله في هذا الوطن ويسعوا إلى أن يوفروا عليه العديد من الأزمات المحققة التي يمكن أن يشعلها خطابهم غير المنضبط ومصالحهم المتوهمة.

وفي الوقت نفسه فإننا نناشد المؤتمر الشعبي العام أن لا يتخذ من تصرفات ومطالب اللقاء المشترك ذريعة لتجاهل المطالب المشروعة لجميع المواطنين. فعليه أن يراجع برامجه بموضعية وأن يحدد مواطن الإخفاق ومواطن الإنجازات وأن يستفيد من الدروس والعبر ومن نقد المعارضة وذلك بهدف تصحيح السياسات الخاطئة ومعالجة الآثار الضارة.

لذلك فإننا نقول لجميع الأحزاب اليمنية جميعاً تعالوا إلى كلمة سواء أساسها من وجهة نظرنا التنافس الشريف في حل القضايا الأساسية التي يعانيها اليمن والتي هي في نظرنا على النحو التالي:

أولاً: محاربة الفساد.. من الواضح أن محاربة الفساد قد أصبحت قضية مجمعاً عليها، فالرئيس حفظه الله مافتئ يدعو الجميع إلى مساعدته في محاربة الفساد، والأحزاب السياسية كلها مجمعة على أن هناك قدراً كبيراً من الفساد، والرجل العادي يلعن الفساد ليلا ونهاراً لكن للأسف لا يعمل إلا القليل من أجل محاربته وتحجيمه، وربما يعود ذلك إلى أن البعض يرى فقط فساد غيره ويتغاضى عن فساده.. فبدلاً من الحديث عن القضية الجنوبية ورفع شعار تصحيح مسار الوحدة وشعار النظام البرلماني هو الجل، فلتتوحد جهود الجميع في محاربة غول الفساد. وبدلاً من إشاعة الكراهية بين أفراد الشعب عن طريق إشاعة الأكاذيب حول سيطرة الشماليين على ثروة وممتلكات الجنوبيين فلنتوحد جميعاً في المطالبة بالحقوق المشروعة. وبدلاً من استعداء الشعب ضد الدولة ومؤسساتها فلنتحاور مع الحكومة في تحقيق الإنجازات الكبرى. وبدلا من اتهام كل صاحب مطلب شرعي بأنه انفصالي فلنعترف بالخطأ ونسعى إلى معالجته. فإن على جميع الأحزاب السياسية أن تعترف بما تمارسه من فساد وأن تعمل على التوقف عن ذلك فورا. وفي هذه الحالة يمكن لها أن تتحاور على الطرق الممكنة لتحجيم الفساد والتوحد ضد من يمارسه بغض النظر عن انتمائه الحزبي.

ثانياً: السلطة المحلية.. من مفارقات الأمور أن الرئيس حفظه الله كان أول من أطلق مبادرة توسيع صلاحيات السلطة المحلية من خلال دعوته لتعديل قانون السلطة المحلية بحيث يسمح بانتخاب المحافظين ومديري المديريات، وعلى الرغم من مرور عام على هذه المبادرة فإنها لم تتحول إلى واقع عملي. ولا شك أن الحزب الحاكم يتحمل المسؤولية الكبرى لتباطئه في إنجاز هذه التعديلات، ولا شك كذلك أن أحزاب اللقاء المشترك تتحمل بعض المسؤولية لأنها قد ساهمت في ذلك من خلال تبنيها مشاريع انفصالية أو مشاريع سياسية غير قابلة للتنفيذ بدلاً من تشديد المطالبة بتوسع السلطة المحلية.

ثالثاً: محاربة الفقر.. فعل الرغم من شكوى الجميع من الفقر فإن الأحزاب السياسية لا تبذل ما يكفي من جهود لمحاربته. إن ذلك يتطلب العمل على تحسين البنية التحتية سواء الصلبة منها أو المرنة بهدف تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، فيتمثل النوع الأول في الطرقات والمدارس والمعاهد التقنية والفنية ومراكز البحث، أما النوع الثاني فيتمثل في القوانين واللوائح والسلوكيات التي تهدف إلى حماية الحقوق وتحقيق العدالة.

إن ذلك يتطلب من أحزاب اللقاء المشترك أن تعترف بالإنجازات التي تحققت في مجال النوع الأول، وأن تتعاون مع المؤتمر في إنجاز المطلوب من النوع الثاني. فما أنجزته الحكومة في العديد من القطاعات مثل الطرق الرئيسية والمدارس والجامعات أمر لا ينبغي التقليل من شأنه.

لكن الحكومة تحتاج إلى دعم جميع الأحزاب والقوى السياسية في انجاز ما تبقى من الإصلاحات الصعبة والمهمة. فبدلاً من تجييش الشارع ضد هذه الإصلاحات الضرورية لزيادة الاستثمار فإنه ينبغي توعيته بأهميتها مع الاتفاق مع الحكومة حول المعالجات الضرورية للتخفيف من آثارها وخصوصاً على الفئات الضعيفة. هذه الإصلاحات الضرورية هي إصلاح الخدمة المدنية وإصلاح التعليم وقانون تنظيم السلاح وإصلاح القوانين الضريبية وإصلاح ودعم المشتقات النفطية وغير ذلك من الإصلاحات المؤلمة ولكنها ضرورية لمحاربة الفقر.

إننا نتمنى على الجميع أن يتنافس في تقديم القدوة الحسنة والرؤى الصائبة والمعالجات النافعة لهذه القضايا الهامة، وأن يتخلوا عن إثارة المشاكل وعن التركيز على المصالح الأنانية.. لا شك أن ذلك سيكون مفيداً لهذه الأحزاب ولليمن كله لأنه سيخرج من دائرة الاتهام والاتهام المضاد إلى دائرة الفعل والفعل الأفضل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى