هي «الأيام» وسنرى

> د. هشام محسن السقاف:

> كان الاعتقاد بأن الديمقراطية شأن حقيقي في الحياة اليمنية منذ أن جرى التوافق عليها توأماً للوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، ويومها صدق الناس وهم يخرجون شعثاً غبراً من أنقاض الشمولية والديكتاتورية هنا وهناك أن مسوغات الوحدة وتعبيراتها تخرج بيضاء من غير سوء، على عكس خيبة الأمل التي ألمت حتى النخاع بجيل الثورة، يوم أن رأوا الثورة تعطي كل شي إلا الديمقراطية والحريات والتعددية.

لكن مباهج الديمقراطية وقفت عند إرهاصات لم تتجاوز الصوت الفاقع في عناوين صاخبة تسم المشهد اليمني الموحد بكثير من الحيوية غير الذاهبة إلى تجذير السلوك والمسلك الديمقراطي في الحياة العامة ودمقرطة المؤسسات، وجعل القانون فاصلاً في الشؤون دون أن تتداخل المهام والسلطات، وهو ما لم يحدث، كأنك يا بوزيد ما غزيت.

لقد ظلت الأجهزة القمعية وفية دون خفاء بأصول التربية السابقة وهي وإن تحلت بشيء من الصبر وسعة البال على غير عادتها، فذاك نتاج لطبيعة ما حدث في الكون غداة انقضاء الحرب الباردة في بداية العقد التسعيني من القرن الماضي، بحيث أصبح العالم ليس قرية واحدة- كما كنا نقول- بل شقة واحدة، بفعل انفتاح الفضاءات المختلفة، وبروز الدولي فاعلاً في الإقليمي والوطني، مع مزيد من الرقابة على وضع الحريات وحقوق الإنسان، لكن الطبع يغلب على التطبع والعرق دساس كما نقول، فعدا ما خلفته الحرب الكارثة في عام 1994م على الوحدة والديمقراطية من آثار مدمرة رأينا قبلها وبعدها ضيقاً واضحاً بحرية التعبير والكلمة، يصل في بعض الحالات إلى الاعتداء الذي يتجاوز الأذى الجسماني كما حدث غير مرة مع المفكر العربي الكبير والكاتب المتميز أبوبكر السقاف إلى القتل الذي طال الشخصية الوطنية البارزة الأديب والصحافي الأستاذ عمر الجاوي، وخرج من براثنه سالماً مرتين في صنعاء وعدن (الحسيني بمحافظة لحج) وفي الأولى ذهب ضحيته الأستاذ المهندس حسن الحريبي شهيد الديمقراطية الأول، ناهيك عن سلسلة طويلة من الكتاب والصحفيين والأدباء والصحف ممن طالهم الأذى الذي امتطى في كثير من الأحيان مطية القوانين الجائرة المفصلة على هكذا حالات لكي يظل القمع أصلاً وجذراً ثابتاً مطلياً بماء الذهب أو مغلفاً بسوليفان الديمقراطية، المغنى بها ليل نهار في الإعلام الرسمي الذي لم يتزحزح نهجه وخطابه بل وشخوص الموظف الأول فيه قيد أنملة نحو تحريره على طريق إلغائه، كما فعلت دول هي أقل صخباً وجلبة في الادعاء الديمقراطي كما نفعل، وتجاوزتنا بالفعل على صعيد إلغاء وزارة الإعلام التي هي صورة من صور الشيطان الشمولي إلى حين أن تتغير صورتها جذرياً أو يحرق الشيطان بشهب الديمقراطية.

أما «الأيام» الصحيفة وأهلها فقد ولدت ولادتها الثانية في مشقة وكبد، فعدا أنها أهلية أعاد أهلها سيرتها الأولى من حر مالهم، التزمت الصحيفة نهج الاتزان والمهنية العالية، وسلكت مسلكاً وسطياً دون تفريط بحق المظلومين والمقهورين في كل مكان من الوطن العزيز، وارتفع رصيدها الجماهيري بما لا يضاهيه أو حتى يوازيه رصيد من أرصدة الصحف الأخرى رسمية أم حزبية أم أهلية، وكان المنتظر أن نرفع القبعات لها، فنجاحها نجاح للتجربة الإعلامية بحلوها ومرها في الوطن ككل، لكننا نقلب لها ظهر المجن كلما خطت الصحيفة خطوة في طريق النجاح، ولا يتذكر الرسميون- أو من هم في مستوى المأمورين منهم- أن نهج الاستقامة والحيادية في الصحيفة قد استغله كثير منهم لحشر أنفسهم فيه، لإظهار صورهم وأخبارهم على ملأ أكثر، ولآمريهم أو رؤسائهم لمزيد من التلميع المبتغى حيث يطفح ما هو قاتم من كل الزوايا، فنرى كل هذا العداء السافر للصحيفة وأهلها وبالتالي للملايين من قرائها، وكأن هؤلاء قد فقهوا من درس الديمقراطية الأول، أن تتحول «الأيام» ومن على شاكلتها إلى نسخ لـ «الثورة» و«الجمهورية» و«14أكتوبر» لكي يتشابه الخطاب الإعلامي كما تشابه البقر على بني إسرائيل، ومن ثم نخادع العالم من حولنا أننا قد بلغنا في الديمقراطية مستوى الجوقات في قداس الآحاد بالكنائس المسيحية.

وعندما لا نثمر هكذا بضاعة عنوانها الكساد من أول وهلة، ويكون مراد هؤلاء دونه خرط القتاد بالنسبة لـ «الأيام» وأهلها تزداد الضراوة مستغلة بعض المنشورات البائسة التي تطبعها وزارة الإعلام متجاوزة هذه المرة أفانين الإرهاب الفكري السابق من التهديد بقتل رئيس تحريرها الشخصية الوطنية الكبيرة جداً الأستاذ هشام باشراحيل إلى ما سنراه في المسلسل الممل من محاكمات لاحقة لـ ««الأيام» لتعطيل ما يمكن تعطيله من نجاحها الباهر، وربما لا نستبعد إيقاف هذا الصوت الوطني المدوي والمقروء في أكثر من مائة وخمسين بلداً في العالم، ليبقى فقط الصوت الواحد الذي لا يصدقه حتى أصحابه.

غير أن المرسوم في خطط بعض الذين يسيئون لبلادنا ولما تحقق فيها من هامش الحرية من داخل الأجهزة لا يدرك أن «الأيام» ستظل صوت الحقيقة المحاط بملايين القراء في الداخل الوطني والعالم، ولن يرضى شعبنا أن تكبح تطلعاته نحو آفاق الحرية شهوة الفاسدين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى