الوطن إلى أين؟

> علي الكثيري:

> من الجنون الصارخ، الاحتكام إلى السلاح والرصاص الحي القاتل في مواجهة التظاهرات الاحتجاجية، على ذلك النحو الذي شهدته مدينة المكلا الحالمة المسالمة، مساء السبت الفاتح من سبتمبر الجاري، وكان من نتائجه المأساوية سقوط الشهيد صلاح القحوم مضرجاً بدمائه، وإصابة عدد من المواطنين بجروح مختلفة، فضلاً عن الزج بهذه المدينة الودودة في أتون حالة من التوترات المتفجرة التي عبرت عنها موجات من الاضطراب والفوضى والعنف، وهي حالة راعبة أدمت نهارات المكلا ومساءاتها، وأثخنت النفوس بمزيد من الضغائن والتشظيات.

نعم، كانت هناك بعض الشعارات والتصرفات المدانة التي تخللت تلك التظاهرة وأعقبتها، لكن ذلك لا يبرر ولا يسوغ انجراف القوى الأمنية إلى هاوية سفك الدماء وإزهاق الأرواح، من خلال إطلاق الرصاص الحي باتجاه المواطنين على ذلك النحو المأساوي، إذ إن هناك الكثير من الوسائل الفعالة وغير الدموية التي يمكن اللجوء إليها لمواجهة أي شغب أو تخريب، ذلك أن دماء الناس وأرواحهم ليست مستباحة بأي حال من الأحوال، ثم أن ما صدر عن بعض جنود الأمن تجاه المتظاهرين من ألفاظ غير وطنية وغير وحدوية ومشحونة بروح الاستعلاء والاستقواء، لا تدعو إلا إلى الإدانة والاستهجان، وهي نتاج مزر للتعبئة الخاطئة التي أفرزت أيضاً الشعارات المستنكرة التي رددها بعض المتظاهرين، ولعل في ذلك مكمن الخطر الذي يتهدد الوطن ووحدته، إذ إن مثل هذه التعبئة الخاطئة والمدمرة هي التي تغذي النزعات المقوضة للوحدة في نفوس الناس، خاصة أن هناك الكثير من الممارسات والسياسات التمييزية والإفسادية والتجويعية توفر المناخات اللازمة لإنعاش تلك النزعات وإنماء مختلف التمزقات والتشظيات.

يبقى أن نشير إلى أن ما جرى في مدينة المكلا خلال الأيام العصيبة الدامية الماضية يظهر جدية الأخطار التي تحدق بالوطن- أرضاً وإنساناً ووحدة- وهو أمر يدعو العقلاء على امتداد البلاد إلى ضرورة التحرك الفاعل والعاجل لتلبية مقتضيات الإصلاح الوطني الوحدوي الشامل، ذلك أن ما يتفاقم من توترات متفجرة في أرجاء مختلفة من البلاد، لا يترك أي مجال للتردد والمناورة والعناد، بل يستدعي مبادرة تاريخية خلاقة، وإرادة جريئة فعالة تنتصر لليمن وأبنائها، وتحصن وحدتها بالعدل والتوازن وتبادلية المصالح والمنافع والاندماج والوئام.. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى