أيها الفاسدون.. اتقوا الله في أطفالكم!

> د.عبده يحيى الدباني:

> ونحن نعيش أيام هذا الشهر المبارك ولياليه الزكية، نجد أنه من الواجب علينا أن نوجه خطاباً مفتوحاً إلى جملة من أشرنا إليهم في العنوان، ويعز علينا وصفهم بهذه الصفة لأننا في مقام وعظ ونصيحة وزجر، ولكنهم أنفسهم لم يجدوا بأساً من هذه الصفة التي لصقت بهم حتى لقد استمرأوها واعتادوا عليها، ولكننا مع هذا لن نشن عليهم هجوماً كاسحاً ليس لأننا ندلّلهم كما تفعل السلطة معهم ولكن بحق هذا الشهر الكريم وبحق الدين النصيحة أملاً في التأثير فيهم لعلهم يخرجون أو يفكرون في الخروج مما هم فيه من عبث وترف وغفلة ونهب للمال العام ورشوة وكسب غير مشروع وصفقات مشبوهة وأكل للحرام وابتزاز للناس وخيانة للواجب وغير ذلك من ألوان الفساد الذي أمسى مرضاً مستشرياً يدب في جسد هذا البلد البائس الذي يترنح ويكاد ينهار. إننا إذ ننصحهم ونوصيهم فإننا كذلك ننصح أنفسنا ونوصيها فليس العاقل من يزكّي نفسه أو يبرّؤها من أي فساد أو سوء لاسيما أن الفساد في بلادنا أمسى له سلطان قاهر على الناس فنجد كثيراً من الناس يُفسدون أو يتعاملون مع الفساد وهم مضطرون إلى ذلك اضطراراً ومدفوعون إليه دفعاً بقوة الفساد ثم بقوة المادة ولكن هذا لا يشفع لهم أمام القانون وأمام الله تعالى. أجل إنه خطاب مفتوح يأمل أن يلاقي قلوباً مفتوحة، فلا نريد من ورائه إلا وجهه تعالى بعيداً عن أي مناكفة سياسية أو موقف طبقي مضاد مع أنهما من الحقوق المكفولة. إننا لا نحسد هؤلاء المعنيين ولكننا نشفق عليهم مما هم فيه من سلوك محرم يشكل خطراً كبيراً على حقوق الشعب والوطن حاضراً ومستقبلاً ونريدهم أن يقلعوا عنه حتى يتجنبوا خزي الدنيا وعذاب الآخرة وحتى لا تتعطل الحياة الطبيعية الاجتماعية العامة بسبب هذا السلوك المنحرف الشاذ، لقد توعد الله تعالى أولئك الذين يعيثون فساداً في الأرض، مثلما أهلك أمماً بسبب سلوك مترفيها (فاسديها). فبالله عليكم كيف تسمحوا لأنفسكم أن تطعموا أطفالكم من المال الحرام صباح مساء؟؟ وتسكنوهم في منازل بنيت من المال الحرام أو سطوتم عليها سطواً؟ وكذلك تغدقون عليهم بالهدايا والملابس واللعب والجوائز وغير ذلك من المال الحرام؟ هل أنتم بذلك تحبونهم وتعزونهم؟ كلا فإنما تطعمونهم وتسقونهم وتسكنونهم وتلبسونهم وتهدونهم ناراً ستحرقهم وتحرقكم عاجلاً وآجلاً في الدنيا والآخرة، إن الأطفال المشردين والشحاذين والفقراء والمساكين أحسن حالاً من أطفالكم وآباؤهم المساكين أحسن حالاً منكم في التقويم الأخير مع أنكم أنتم سبب تعاسة وشقاء هؤلاء الآباء وأطفالهم، فحيثما تكون نعمة زائدة فهناك حق ضائع، لأنكم بهذا السلوك المريض أفسدتم التوازن الاقتصادي في المجتمع وزعزعتم أركان العدل الاجتماعي فهل تعقلون وتقلعون وترجعون؟ إننا لكم من الناصحين، فإن غفلت الدولة عنكم أو تواطأت معكم وشجعتكم على ذلك أو كنتم وإياها بعضكم من بعض فإن الله تعالى ليس غافلاً عن فسادكم، فلا تأمنوا مكر الله، وأن أصحاب الحق لكم بالمرصاد، والتاريخ لن يرحم من سعى في خراب الأوطان والشعوب فأين تذهبون؟؟ ثم ماذا تفعلون بصلاتكم وصيامكم وأنتم غارقون وأهليكم في المال الحرام؟ فهل تصومون ثم تفطرون بحبات تمر من المال الحرام؟ كيف لكم أن تتصدقوا والله لن يقبل منكم أن تتصدقوا بالحرام؟ وكيف تدعونه سبحانه؟ وأنى يستجاب لكم وأنتم تأكلون من المال الحرام؟ صحيحٌ إنه لا يثقل كواهلكم ثمن الدقيق والرز وفاتورة الكهرباء والمياه وحتى ثمن السمك واللحم وغير ذلكم ولكن هذه ليست نعمة بل هي نقمة حين يكون كل ذلك من المال الحرام.

لعل هناك ثقافة سائدة في (بعض المناطق) أن أموال الدولة وممتلكاتها تعد حلالاً لمن سطا عليها أو نال منها بغير وجه حق أو لمن أؤتمن عليها على اعتبار أن الدولة (أم) ولا بأس من أكل أموالها على أي حال، فنعود بالله من هذه الثقافة المدمرة ومن هذا (الفقه) الذي سنّه الشيطان لأًصحابه. كلا فإن من سرق المال العام أو سطا عليه فإنما سرق وسطا على عشرات الملايين من الناس وكلهم في ذلك غرماؤه أمام القانون وأمام الله، وأمام التاريخ.

وعموماً فالدنيا حقيرة وقصيرة ولا تساوي شيئاً، فإذا كان حلالها نفسه سيغدو حساباً دقيقاً مرهقاً ومحرجاً، فما بالنا بحرامها إنه عذاب طويل فلسعة واحدة منه تنسي المرء حياته كلها مهما كانت سارة، ولكن الإنسان جهول وغفول وعجول.

فيا ترى هل نجعل من هذا الشهر المبارك محطة لمحاسبة النفوس وتقويم سلوكها وإلجام نوازعها الشريرة، حتى نقلع عن الفساد بكل صوره ونتوب إلى الله، ولا نعطّل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونعيد الحقوق إلى أصحابها! فعسى ربنا أن يرحمنا ويغفر لنا ويعتقنا من النار، ففي حين يغيب الفساد لا خوف إذن على البلاد والعباد، وفي خضم هذا كله وقبله وبعده فلابد من وجود الدولة القوية العادلة التي تنهض بواجبها التاريخي في رعاية مصالح الأمة في دينهم ودنياهم، فالله تعالى يقيم بالسلطان ما لا يقيمه بالقرآن، كما قال الخليفة عثمان بن عفاف رضي الله عنه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى