رمضانيات

> فضل النقيب:

> رحم الله أبا العتاهية الشاعر - توفي 210هـ - حيث يقول:ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها **فكيف ما انقلبت يوما به انقلبوا **يعظّمون أخا الدنيا فإن وثبت **يوماً عليه بما لا يشتهي وثبوا

ومهما كان حظ الإنسان من الدنيا ضئيلاً فإن هناك من يترصده ويتعقبه ويحسب لـه كأنه مكلّف بمعرفة خباياه، حتى المتسول الذي يفرش منديله على ناصية الشارع وباب الكريم يجد من يدهمه بعينيه كالقدر الذي لا رادّ له ليعرف كم في جيوبه، وقد خمّن مقدم برنامج عربي مشهور تسوّل لمدة نصف ساعة على الهواء، دخل المتسوّل شهريا بحوالي 30 ألف ريال سعودي، أي: مليوناً ونصف مليون ريال يمني، ولنا أن نهبط بالمبلغ إلى النصف، بما يفوق دخل مديري العموم الذين يستمطرون الغيوم. وربما يفسر هذا المردود قضية الاتجار في الأطفال الذين يتم تهريبهم عبر الحدود لاستخدامهم في التكسب من التسول وربما ما هو أشنع من ذلك والعياذ بالله مما يمسخ إنسانية الإنسان ويشيع الفاحشة ويؤسس لفردوس التسول في أرض الفقر الذي قال عند علي بن زايد: «أمسيت من فقر ليلة.. سارق وزاني وكذاب».. وقد كشفت الصحف الأردنية الأسبوع الماضي عن أب يشغّل أبناءه وبناته في التسول، ومن وفرة العائد عيّن لهم حرّاسا لحمايتهم وتهريبهم إذا أحاطت بهم دوريات التفتيش، وقد أحصت الصحف أملاكه من التسول عقارات وفلل وأرصدة بنكية فقدمت بذلك نموذجاً للباحثين عن دخل وفير لا يكلفهم سوى نزع قناع الحياء، وما أهونه على طلاب الدنيا، ولهم في ذلك من الحيل ووسائل الإفساد ما يجعل السائلين هواة في جامعة الفاسدين الذين يرفعون شعار عروة:

ذريني للغنى أسعى فإني

رأيت الناس شرّهم الفقير

ولكن عروة كان فاتكاً يأخذ من فضل أموال الأغنياء بالسيف ولا يقصّر مع الفقراء المتعففين من أهله، ولم تكن همّته تتدنى به إلى التسول، أو تقعد به دون الخروج إلى طرق القوافل قاتلاً أو مقتولاً لكيلا يموت حتف أنفه من الجوع.

قَتل رجل بـ «صفّين» أبا امرأة وابنها وأخاها وعمها، ثم أتت تسأله، فقال لها: ما أظن على ظهر الأرض رجلاً أبغض إليك مني، فقالت بلى. إن الذي ألجأني إليك أبغض إليّ منك وهو الجوع.

وقد شاهدت فيلماً تسجيلياً لأسود جائعة أشرفت على الموت فاجتمعت على أضعفها وأكلته استنقاذاً لحياتها، مكذّبة قول الشاعر:

وليس الذئب يأكل لحم ذئب

ونأكل بعضنا بعضاً عيانا

وهناك حوادث مماثلة لبشر أكلوا قتلاهم في سقوط طائرة على جبال جليد معزولة. ولذلك يقال إن «الجوع كافر»، فإذا لم تنتبه الحكومات إلى مظاهر الجوع وتجلياته فإن الطوفان يقترب منها وهي لا تدري، وكفى بذلك غفلة تصدر عن قلوب ميتة حجّرها الترف.

سمع صبي فقير امرأة في جنازة تقول: يذهبون بك إلى بيت ليس له غطاء ولا وطاء ولا عشاء ولا غداء ولا سراج. فقال الصبي: يا أبت، إنهم يذهبون به إلى بيتنا.

وقال أحمد بن أبي طاهر:

ولا يساوي درهماً واحداً

من ليس في منزله درهم

و.. رمضان كريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى