> فاروق ناصر علي:

هذه مجرد أبيات شعرية لا تبخش، لا تدحش، لا تؤتر، بل تعطي القارئ الإحساس بالتغيير الجميل وتضفي على السطور التي كبلتها القيود الخاصة بي، نهاية مضيئة:

(إنا حملنا الحزن أعواماً وما طلع الصباح/ والحزن نار تخمد الأيام شهوتها وتوقظها الرياح/ والريح عندك كيف تلجمها؟/ومالك من سلاح/ إلا لقاء الريح والنيران في وطن مباح؟!)

محمود درويش

مقدمة مهمة جداً

هذا الحراك الرائع لحماية مدينة كنت أتمناه منذ زمن، لكن يظل محط اهتمامنا ومحط رغبتنا في المساهمة بالكلمة لمساندته.. لكني هنا أريد القول بصوت عال: يخطئ خطأ فادحاً من يعتقد أن تشويه (عدن) والمحاولات العديدة لطمس تاريخها جاء عفوياً، أي بغير قصد..هو تشويه مقصود مدبر ومرصود منذ زمن، وحين جاءت الفرصة الذهبية بعد (94/7/7م) ظهر الحقد الأسود الدفين واللعين عليها.. وهنا أقتطف من مقال قديم لي في صحيفتنا «الأيام» وهي أكبر وأصدق شاهد على قولي أعلاه، وعلى عشرات المقالات التي كتبت عن هذا الهجوم البربري المغلف بالحب المزيف كالأفعى التي تسقي الظامئ سمها الزعاف.. هذا المقال بعنوان (عدن والتشويه المقصود) بتاريخ 25 ديسمبر 1996م العدد (320):«كلما انشغل الناس بالهم اليومي ودخلوا نفق المتاعب والآلام، انحصر تفكيرهم في مصائب الدهر الواقعة على رؤوسهم، لا أحد سيفكر بشيء سوى همه اليومي.. من هنا كانت البداية الجديدة الهادفة (طمس هوية) مدينة (عدن) والتي تسير تحت مسميات مغرية كالإعمار، إدخال الفن المعماري المتقن والمميز، بناء الأبراج، دفن بحر المدينة، والبحر هو متنفس (عدن) الوحيد، هو شعرها الجميل المنسدل على أكتافها حتى قدميها الحافيتين.

هذا التشويه المتعمد يسير ويتستر بالصمت الرسمي الذي يسدل ضبابه ويخفي كل ما يدور، ولكن يراقب؟ ومن يتابع؟ الناس مازالت تصارع الهم اليومي لا أحد خارج (دوامة الأزمات). الخ هكذا جرى كل شيء.. الخ سيقولون:لا بأس إذ ضاعت الشواطئ لا بأس إذا دفن البحر، لا بأس الإعمار يحتاج لمساحات شاسعة فما فائدة البحر بينما اليمن تزخر بالشواطئ والبحار؟!.. الخ.

إن الصمت الرسمي في (عدن) على هذا التشويه موافقة صريحة ومكشوفة ولو لبست ألف قناع وقناع.. لكن من يكلم من؟! يا أخوتي ستفيقون يوماً ستجدون (ميناء عدن) قد اختفى، ضاع، حلت محله (غابة اسمنتية) أو على أحسن الفروض (ساحة عروض) حينها لا تتعجبوا، لا تندهشوا، لكن تذكروا وتعلموا أن (الصمت) على الباطل لم يشعل فتيلا ولم يذكر التاريخ أنه قد أضاء يوماً قنديلا.. الخ أقول.. لا فائدة ترجى ولا أمل مدينة صامتة منذ زمن طويل صامتة (صمت القبور) تتطلع للسماء وللطيور، تبحث عن (الفرسان) بين الطحالب والصخور».

الدخول إلى قلب المقال المر

كان ذلك مقتطفاً قصيراً جداً من مقالات عديدة كتبتها عن (التشويه المتعمد المرصود والمقصود) لكل مدينة (عدن) + الفيد والنهب والسلب والبسط.. كلها كانت (خطة مترابطة) معدة منذ زمن طويل ولم تكن وليدة (94/7/7) بل كان هذا التاريخ مجرد فاتح الطريق لها.. صحف (الأيام، الطريق، الثوري) ولكن صحيفتنا «الأيام» الشاهد الأول والأكبر أنني كتبت العديد من المقالات لأنبه الصامتين حتى وصلت في أحايين عديدة إلى استعمال كلمات قاسية (حتى أستفزهم) لكن الخطة كانت ألعن من (لعنة التتار على روما) شغلت الناس بالبطالة، بقطع الأرزاق، بالنهب، بارتفاع الأسعار، بالخدمات الصحية المتدهورة، بانقطاع، المياه، بأسعار الكهرباء القاتلة، بانقطاعاتها.. الخ هي حكمة لعينة قلتها مرات ومرات، ولم ينتبه لها إلا البعض وسأعيدها سريعاً لمجرد العودة لمسرح الأحداث «كيف يمكن للعقل التركيز والتدقيق واستيعاب ما يدور، بينما (الهم اليومي) يتساقط عليه وحوله كزخات المطر الذي لا يتوقف لا صيفاً ولا شتاءً؟! هي لعبة خطيرة ولدت من حكمة لعينة تقول:«اصنع أزمة، أخلق أخرى، دع الثالثة تبدو من بعيد، ادخل الناس في دوامة الهم اليومي، وسترى النتائج مذهلة!» وهذا الذي جرى حتى خرجت صرخة الميلاد من صمت القبور.. لكنها مازالت «متاعبنا، مشاكلنا ومصائبنا تفوق قدرة الكثيرين على التركيز والتدقيق لمتابعة ما يدور من حولنا من أمور خطيرة ومريبة» وهنا سأجعلها خاصة بطمس هوية (عدن) حتى لا أدخل أحبائي (هشام وتمام) في مشاكل هم في غنى عنها خاصة كما نقول بالعدني الفصيح (قدهم يدوروا دحشة)!!

بالمناسبة إلى (الجمعية اليمنية للتاريخ) بإمكانهم العودة للعديد من المقالات القديمة سيجدونها مع «الأيام» ويمكنهم بما أنها صادرة منذ زمن بعيد (تحذر، تنذر، تفهم) خطورة محاولات (طمس هوية عدن) أن يعتبروها لو أرادوا من الوثائق التي ستساندهم فيما لو أرادوا محاكمة (أولئك الذين هجموا لقتل تاريخ عدن) ليست مقالاتي فقط، هناك مقالات لزملاء آخرين.. أقول: لو.. أرادوا!!

بمعنى (لو) أرادوا محاكمة دولية خاصة بالحفاظ على تراث هذه المدينة التاريخية، سيكون معهم كل الأدلة بأن (أولئك) برغم المقالات رفضوا، ولديكم الصور القديمة ولديكم الحديثة.. واجعلوها مثل محاكمات (نوتمبورج) ولكن على أساس (قتل التاريخ والهوية).

لديكم العديد من التقارير في الصحف حول ما جرى، والتحقيقات ولديكم الصور القديمة والجديدة، ولديكم المقالات وبحوزتكم كما أعتقد (الصمت والتجاهل) لما قاله غيركم وما قلتموه.. الاستمرار هو القاعدة الأساسية في زعزعة الغطرسة وخلخلة الباطل.. الوعود أبداً لا تضعوها بعين الاعتبار.. قد يقول قائل من بينكم: هل يريد أن يعلمنا عملنا؟! أو هل يريد أن ينضم إلينا؟!

ردي بسيط: عدن ليست ملكاً لكم أو لغيركم وقد دافعنا عنها قبل أن تخلق هذه الجمعية، وأنا وغيري نريد مساندتكم بالكلمة.

هناك كلمة أود توجيهها للأخوة الأعزاء في (حماية البيئة) استمروا في متابعة قضية الشواطئ والبحر.. الخ رغم مشاغلكم العديدة.. حتى لا نفيق يوماً وقد أصبحنا جميعاً في (الربع الخالي.. أو ربع الخراب حيثما غرق عنتر بن شداد) فقط للتذكير مع كل تقديري لكم.