يوصيكم الله (9)

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> في الآية 31 من سورة مريم (عليها السلام) وصيتان هما (الوصية بالصلاة) و(الوصية بالزكاة) ?{?وأوصاني بالصلاة والزكاة?}? وقد تحدثنا -في السابق- حديثا مختصرا مختزلا موجزا عن الصلاة.. كان أهم ما فيه استعراض بعض مؤلفات تحدثت عنها، نظرا لضيق المقام والمجال .

أما الزكاة فهي تدل على النماء والكثرة والبركة والصلاح والطهارة كما جاء في المعجم الوسيط 1/ 398 وفي لسان العرب لابن منظور. ولقد استخدم القرآن (الزكاة) وحت عليها ودعا إليها منذ أوائل العهد المكي كما في الآية 156 من سورة الأعراف، والآيتين 31و55 من سورة مريم، والآية 72 من سورة الأنبياء، والآية 4و5 سورة (المؤمنون)، والآية 3 من سورة النمل، والآية 39 من الروم، والأية 3 من لقمان، والآية 7 من فصلت ، وقد اكتفيت بذكر أرقام الآيات وأسماء السور لأن الحيز ضيق ويمكن للقارئ العزيز أن يراجع المصحف الشريف بنفسه ..إن الزكاة ?{?حق معلوم?}? فرضه الحق جل وعلا وجوباً على الأغنياء الواجدين ليعطوها للأصناف الثمانية التي حددها القرآن في الآية 60 من سورة التوبة، وهذا دليل على عناية الاسلام بهذه الشرائح الاجتماعية التي يجب حفظ حقوقها، والدفاع عنها وتبني همومها بإعطائها من ?{?مال الله?}? الذي جعل الاغنياء ?{?مستخلفين فيه?}? على حد التعبير القرآني. ثم جاءت السنة النبوية لتفصل ما أجمله القرآن فجاء في حديث معاذ بن جبل الاصبحي (رضي الله عنه) في الصحيحين لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له : «وأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم اموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».

ولست في مجال الحديث الفقهي الصرف عن الزكاة فإن لذلك علماءه الراسخين فيه، ولا يفوتني أن أذكر القارئ بالموسوعة الرائعة (فقه الزكاة) للدكتور يوسف القرضاوي التي تقع في مجلدين كبيرين تجاوزت صفحاتهما 1300 صفحة، جمع فأوعى فيها ما يتعلق بالأحكام والآداب والأسرار والآراء والاجتهادات وأقوال ائمة جميع المذاهب الاسلامية المعتبرة فجزاه الله خيرا على ما قدم وأسأل الله ان يشفيه من مرضه وأن يمد في عمره وينفع بعلمه. إن للزكاة أهدافا ومقاصد وغايات وآثارا عظيمة على الفرد المسلم والمجتمع الاسلامي، وقد عبرالقرآن عن ذلك بكلمتين هما «الطهارة-التزكية» في الآية 103من سورة التوبة ?{?خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها?}? فالزكاة تطهر المزكي من الشح والبخل والأنوية والأثرة والعجب بالمال، وتدرب المسلمين على البذل والسخاء والإنفاق والعطاء، وإن من صفات الله -تبارك وتعالى- أنه جواد كريم يحب إفاضة الخير والإحسان دون نفع يعود عليه فهو ?{?الغني?}? ويحب لعباده كذلك أن يتصفوا بهذه الصفات العالية النبيلة، وهذا كله يعمل على تقوية أواصر المحبة وتعزيز وشائج التقارب والتواد بين المسلمين ويلغي ما كان يسمى (الصراع الطبقي) ويساهم في تحريك الموارد الاقتصادية وتوزيع الثروة ومحاربة كنز الأموال وتمركزها في أيدي فئات قليلة قد يدفعها الجشع والطمع والأنانية (الأصح: الأنوية) والأثرة إلى الطغيان والاستكبار والمتاجرة بالمحرمات واستغلال الطبقات الفقيرة والمحرومة، كما أن لها دورا في محاربة ظاهرة التسول التي تعتبر وصمة عار وشنار وإهانة في مجتمع المسلمين الذين يقول نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم «اليد العليا خير من اليد السفلى» هذا الاسلام الذي حارب الفقر كما حارب الإسراف والغنى الفاحش الطاغي المستغل الظالم الذي لا يبالي أخذ المال من حرام أم من حلال، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ألم يقل امير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب «لو كان الفقر رجلا لقتلته» وقال «ما افتقر فقير إلا بما مُتع به غني» ألم يذكر التاريخ ان الزكاة في عهد الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كانت تفيض وتزيد ولا تجد من يأخذها؟ ألم يقل نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم «وهل ترزقون وتنصرون إلا بفقرائكم وضعفائكم»؟! فيا معشر الأغنياء ويا أهل الأموال ويا أصحاب الثروة ?{?لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله?}?.

اللهم إنا نعوذ بك من البخل بالمال، ومن سوء الحال، ومن شر المنقلب والمآل، ومن قلة البركة في الأهل والعيال.. آمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى