المجموع فيما لا يصح في رمضان من الضعيف والموضوع(2)

> «الأيام» أسامة بن محمد الكلدي:

> لا زال إخواني القراء الحديث متواصلاً في بيان ما لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الواردة في فضل رمضان وصيامه وما يتعلق بذلك، فمنها:

5) حديث:«من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» ذكر البخاري معلقاً في صحيحه (4/190- مع الفتح) بصيغة التمريض بدون إسناد، فقال:ويذكر عن أبي هريرة رفعه، فذكره. وقد وصله أصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة في صحيحه (1987) وضعّفه من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/191) بعد ذكر من وصله:«واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافاً كثيراً، فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب، والجهل بحال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة» أه1. فالحديث ضعيف، وذكره العلامة الألباني في (ضعيف الجامع الصغير برقم 5462).

فائدة: الأحاديث المعلقة التي في الصحيحين:

حكمها على التفصيل:

1) ما جاء بصيغة الجزم: كـ «قال» و«ذكر» و«حكى» فهو صحيح إلى من علّقه عنه.

2) ما كان بصيغة التمريض: كـ«قيل» و«ذُكر» و«حُكي» فلا يستفاد منها صحة، بل قد يوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف. وطريق معرفة الصحيح من غيره هو البحث عن إسناد هذا الحديث والحكم عليه بما يليق به (انظر «اختصار علوم الحديث»، ص 32، للحافظ ابن كثير، و«تيسير علوم الحديث»، ص70، للدكتور محمود الطحان ).

6) حديث:«لا تزال أمتي بخير، ما أخروا السحور وعجلوا الفطر» رواه أحمد عن أبي ذر. قال العلامة الألباني في إرواء الغليل (4/32 برقم 917):«منكر بهذا التمام..» وساق إسناده ثم قال:«وهذا سند ضعيف، ابن لهيعة ضعيف، وليس الحديث من رواية أحد العبادلة عنه، وسليمان بن أبي عثمان مجهول» أهـ.

7) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل:«أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. قال العلامة الألباني معلقاً عليه في مقدمة رياض الصالحين (ص10 فائدة رقم 12):«في هذا التحسين نظر، لأن مدار إسناده على قرة بن عبدالرحمن وهو ضعيف لسوء حفظه»أهـ. قلت:ويغني عنهما من الأحاديث الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» وهو في الصحيحين وغيرهما. وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصاري يؤخرون» (صحيح الجامع الصغير برقم 7689) وقوله صلى الله عليه وسلم:«أنا - معشر الأنبياء- أمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» رواه ابن حبان، والضياء بسند صحيح كما في (التعليقات الرضية على الروضة الندية)(2/20) للعلامة الألباني رحمه الله.

8) حديث ابن عباس: كان -صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال:«اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، اللهم تقبل منا، إنك أنت السميع العليم» ذكره الإمام ابن قيم الجوزية في زاد المعاد (2/51) وقال: «ولا يثبت» وبيّن المعلقان على الزاد سبب ذلك فقالا:«في سنده عبدالملك بن هارون بن عنترة ضعفه أحمد والدارقطني، وقال يحيى: كذاب وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث، قال ابن حبان: يضع الحديث» انتهى النقل. وزاد العلامة الألباني في الإرواء (4/36 برقم 919) علة ثانية وهي حال عنترة أبن هارون فإنه مختلف فيه.

قلت: هذا الحديث أحد خمسة أحاديث رويت في الدعاء عند الإفطار لا تصح كلها كما قال الشيخ العلامة بكر بن عبدالله ابوزيد في كتابه الماتع (تصحيح الدعاء) (ص 506-507) ويغني عنها كلها ما رواه أبو داود (2/306) والحاكم (1/422) والبيهقي (4/239) والدار قطني (2/185) وقال:«إسناده حسن» عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر يقول:«ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر أن شاء الله» كما في (صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم 68) والله أعلم.

وبعد، فهذه مجموعة مختارة مما لا يصح عن رسول الله في رمضان، وهي كثيرة ومبثوثة في بطون الكتب، أبان علماؤنا ما فيها من الكذب والوهم الذي وقع فيه بعض الرواة سواء بقصد أم بغير قصد، وحكموا على كل بما يستحق، فأحكامهم في الرواة والأحاديث يجب قبولها لأنها من باب قبول خبر الثقة (وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكاً، أو كذاباً، أو نحو ذلك. فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم لصدقهم وأمانتهم ونصحهم) كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في اختصار علوم الحديث (ص 90) وفي ذلك عمل بقوله تعالى ?{?فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون?}?.

وجملة القول: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يدعوا العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقاً (سواء في الأحكام أو في فضائل الأعمال) وأن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيها ما يغني عن الضعيفة. وفي ذلك منجاة من الوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأننا نعرف بالتجربة، أن الذين يخالفون في هذا قد وقعوا فيما ذكرنا من الكذب، لأنهم يعملون بكل ما هب ودب من الحديث، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله:«كفى بالمرء إثماً كذباً أن يحدث بكل ما سمع» (رواه مسلم في مقدمة صحيحه) وعليه أقول: كفى بالمرء ضلالاً أن يعمل بكل ما سمع» اقتباس من مقدمة (صحيح الجامع الصغير) (1/56) للألباني رحمه الله.. نسأل الله أن يعصم ألسنتنا وأقلامنا من الكذب عليه وعلى رسوله، وأن يوفقنا وسائر إخواننا المسلمين لمعرفة الحق والعمل به والدعوة إليه على بصيرة، آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 13/رمضان 1428هـ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى