قراءات تاريخية لأعمال عبدالله محيرز

> «الأيام» مصطفى غيلان:

> نظم اتحاد الأدباء والكتاب فرع عدن ندوة حول الأعمال التاريخية للمؤرخ عبدالله محيرز بالتنسيق مع جمعية التاريخ والآثار، يوم الثلاثاء الماضي في مقر الاتحاد بخورمكسر.

افتتح الندوة رئيس الاتحاد بكلمة عبر فيها عن هذا الاحتفاء بالانتاج العلمي، الذي يعد تدشيناً لندوات بالمقاييس والمعايير الدولية تقديرا لشخصية محيرز ولسيرة هذا البلد مكاناً وإنساناً متى ما توفرت الإمكانيات لذلك بالتنسيق مع جمعية الآثار، وقال: «إننا بهذه الفعالية المقامة عندما نحيي هذا الرجل إنما نحيي أنفسنا» مشيرا في ختام كلمته إلى أن هذه الليلة الفكرية يديرها الدكتور هشام السقاف، رئيس جمعية التاريخ والآثار بعدن.

وأدار الدكتور هشام الندوة، وكان أول المتحدثين شائف عبد سعيد، رئيس قسم التاريخ في كلية التربية، وقال في مستهل حديثه: «كان عبدالله محيرز يميل إلى جمع المدونات وأشكال التوثيق، واهتم بتحقيق المخطوطات» مشيرا إلى أنه قد زامله وتعرف عليه منذ عام 1962 وهو استاذ رياضيات عمل في الدبلوماسية، لكنه اشتهر بإصداراته في التاريخ عن مدينة عدن، وأبدى استغرابه من عدم اهتمام منظمات المجتمع المدني بالتواريخ التي لها دلالات رمزية تعبر عن امتداد الفعل والتطور، مشيرا إلى أن الأفضل لو كان خطط لهذه الندوة في تاريخ 11/ 9 يوم وفاة محيرز من عام 1991م، مبيناً نزعته الوطنية وكيفية رد هذا المؤرخ على المتقولين الذين لا يرون في التاريخ إلا مجرد توثيق للحدث لا صلة له بوحدة الإنسان اليمني في الارض التي تسودها الممارسات والأنشطة في هذا المكان الحميم وعاء الزمن.

وتطرق إلى كتاب الصهاريج لمحيرز الذي طبع حسب علمه في عام 1963، والذي فيه «رد على مثل هذه التقولات التي لا ترد الواقعة والحدث إلى ما أنتجه، وإقراره الفضل بوحدة المكان والإنسان في اليمن في السياق التاريخي، وفي كتابه صيرة تتبع بناءها بإسناد لتاريخ المعمار، فهو يسند ما تقرر عنده من أثر أو يتوقف في غياب النقل، لأنه في نظره للثقافة المادية والروحية الضابط فيها النقل». وواصل حديثه: «الصهاريج هي محابس للماء في الجبل، ولها قدم، وربما أظهر الشاهد والأثر منذ القرن الـ19 ما هو قطعي، وأكد على زمن هذا الفعل لهذا المحابس التي تحجز تموينات لمسارب وادي الخساف مثل مسارب البادري التي لها روافد من مصبات الجبل في محاذاة جبل حديد، وكل صهريج عبارة عن معبر مائي يتسرب في مصبات ومعابر لوادي الزعفران، ولكن في تقديره أن الإنجليز أرادوا طمس هذه الآثار التي تعد تعيينات ومجسدات مادية للحضارة ولمفهوم الثقافة بإزالة القبطان هنس هذه العلامات والأحرف والترقيم لهذه الإنشاءات الهندسية الحامية للمدينة ولها محابس مائية حتى لا يفيض منسوب الماء بإزاحته، والذي غالباً ما يكون جريانه يحمل الطمي والحجارة، والصهاريج أوعية ومحاصر يحتبس فيها الماء ويقر في السدود السبعة في الطويلة»، وأعرب د. شائف عن استيائه مما لحق بالصهاريج من تهالك بفعل عدم الصيانة والترميم لهذا المعلم الحضاري، متطرقاً إلى انسحاب منظمة u.n.d.p من المقاولة الإعمارية لإعادة ترميم وتأهيل هذا الأثر الهندسي الذي يدلل على تفوق أبناء سبأ علي كل الشعوب في فن العمارة كما قال سبحانه وتعالى ?{?لقد كان لسبأ في مسكنهم آيه?}?.

وتابع د. شائف: «محيرز أوضح بل وأظهر محاولة الإنجليز في عام 1863 لشق قناة عبر الجبل تغذي الآبار وتجاور هذه القناة والمصبات الصهريجية القاعدة البريطانية، مستعرضاً أهمية امتدادات الصهاريج إلى البرزخ، ونفع هذه البرازخ، والحفر من روافدها المائية لتصل إلى غايتها وإلى عدن وما أحدث فيها، وعن دولة بني زريع وما شيدته إبان تلك الفترة وعن السدود التي كانت لها مصبات إلى الخليج الأمامي، وحتى الدولة الرسولية قال: كانت توجد أخاديد ومسارب في اتجاه التلال تصل إلى القطيع، مثل المنحدر الرسوبي في اتجاه الميناء .. وهذا الطرح مجرد إيحاء ومتابعة لما كتب عن الصهاريج».

معيداً إلى الأذهان سؤال محيرز: هل البغدة هي باب عدن أم باب حقات أم باب عدن الذي شُيد معلقاً وفي تغليق في اتجاه خورمكسر، والذي شكل مصدات ودفاعات ضد قوات نوران شاة، وكذلك العقبة التي تتقابل مع الكنيسة وفي مستوى النظر.

وفي ختام حديثه استعرض بعض الخرائط التي رسمها محيرز لمدينة عدن والمصبات المائية، وتطرق إلى جهود الدكتور سلطان ناجي الذي أفرد تواريخ عن مدائن عدن، وهذا ما اصطلح عليه في نظره بالتاريخ المحلي مثل بئر أحمد، والبريقة، هذه البئر التي هي بالفعل التموينات المائية للبريقة عند محيرز، الذي - كما قال د. شائف عنه- يعد رجل التنوع لما له من تآليف في التاريخ وتحقيق المخطوطات والفلك وفي تاريخ اللغة الإنجليزية.

وعقب ذلك تقدم الأخ د. قاسم المحبشي، رئيس قسم الفلسفة في كلية التربية بورقة أعدها لهذه الندوة بعنوان (الوعي التاريخي عند عبدالله محيرز)، وأشار في التمهيد «تحاول هذه المداخلة أن تميل قليلاً عن الهدف المرسوم لهذه الندوة أو الأمسية الثقافية المكرسة للاحتفاء بعلم من أعلام هذه المدينة التاريخية عدن، الاستاذ عبدالله محيرز الرياضي والأديب والدبلوماسي والإداري والفلكي في الذكرى السادسة عشرة لوفاته» مشيراً إلى انه في ورقته سيستعرض المحاور التالية: لمحة عن حياة هذا المؤرخ الانسان، الوعي التاريخي عنده، الكتابة التاريخية، نظرة نقدية تقييمية.

وقال: «ولد عبدالله أحمد محيرز في 3 أغسطس عام 1931م مدينة عدن من أسرة عمالية مثقفة، إذ كان والده يعمل صفافاً للحروف في المطبعة، وكان أحد أعمامه يملك مكتبة ضخمة، في هذه البيئة المشبعة بالحس الثقافي نشأ وترعرع، وتحفز للانكباب على التعليم والتفوق أثناء دراسته الأساسية، ويروى عنه أنه كان في مقتبل العمر يصطحب معه مسرحيات شكسبير في سنوات الدراسة أثناء نزهاته وخلواته في ساحل أبو الوادي، وكان يحفظها باللغة الإنجليزية ويباري زملاءه في فن الإلقاء والعرض المسرحي» مفيداً أنه «تشرب في التلقي من نظام التعليم الحديث ومناهج التعليم العربي الإسلامي لذا فهو زاوج بين ثقافتين حيث درس الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة الإنجليزية والأدب الانجليزي والتاريخ الإنجليزي ونبغ في تحصيله العلمي منذ 1949م، وكان هذا التفوق مفتاحه الخاص للحصول على البعثة الدراسية إلى بريطانيا فكسر بابتعاثه للخارج قاعدة الابتعاث، الذي كان حكراً على أبناء الاسر الارستقراطية».

وتابع قائلا: «وقبل المنحة الدراسية تفتحت موهبته الادبية، حيث كتب القصائد والقصص القصيرة وتمنى في مقالاته في جريدة «النهضة» أن يتقن فن التشكيل، وكان شغوفاً بعلم الفلك واطلع على الكتب العربية والأجنبية في هذا العلم وبالغ في الأمر واشترى منظاراً فلكياً وظل يلاحق النجوم والكواكب في السماء وسجل اسمه في عدد من الجمعيات الفلكية في أوروبا، ولا شك أن لهذه النشأة العلمية أثرا ووفرت له فرصا للعمل في النشاطات المختلفة، إذ مارس الكتابة الصحفية فعمل محرراً في مجلة «المستقبل» مع عبدالله باذيبثم استاذاً للرياضيات في كلية عدن، ثم نائباً لعميد الكلية في أواسط الستينات، وبعد ذلك موجهاً تعليمياً في اتحاد الجنوب العربي، وعميداً بعد الاستقلال، كما عمل مديراً للعلاقات الخارجية والدولية منذ عام 1967م مع صديقه ورفيق دربه محمد عبدالله بافقيه، وزير التربية آنذاك، بعد عمادته لكلية الشعب بمديرية الشعب حتى نوفمبر 1967م، وجمعهما العمل المشترك وعشقهما للتاريخ وحب الآثار والنقوش، وكان لهما الفضل في تقديم مشروع إنشاء كلية التربية إلى منظمة اليونسكو، وبعد عام من العمل في وزارة التربية انتدبه وزير الخارجية الاستاذ سيف الضالعي للعمل مفوضاً في السفارة بباريس من 1968م حتى 1974، وعمل فيما بعد مندوباً في اليونيسكو، وأثناء وجوده في أوروبا اهتم بجمع وتصوير عدد كبيرمن الكتب والمخطوطات والنقوش اليمنية في المتحف البريطاني وفي المكتبة الوطنية في باريس وألمانيا وإيطاليا واسبانيا وتركيا وهولندا وروسيا وغيرها من البلدان، وحين عاد بعد سنوات من عمله الدبلوماسي كانت معظم وثائق المركز اليمني للأبحاث في حقائبه الخاصة، وقد جمع حوالي 800 مخطوطة ووثيقة، وبعد عودته كلفه الرئيس سالم ربيع علي بإدارة مركز الدراسات والابحاث عام 1975 كشخصية اعتبارية ومركز مستقل مالياً وإدارياً، واختار مبنى الكنيسة البروتستانتية المطلة على صيرة موقعا لهذا المركز الوليد، وأوكل له إدارته بعقلية الباحث والإداري، وحقق نتائج رائعة للمعرفة والعلم والعمل المؤسسي الثقافي، ومن المفترض ارتباطه باسمه، ولقي تقديرا بتعيينه عام 1990م نائباً لرئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، ومنحه وسام المؤرخ العربي من قبل اتحاد المؤرخين العرب عام 1992م، ولحبه للمكان وامتداداته سافر في مطلع حياته إلى باكستان والتقى هناك بالشاعر محمد محمود الزبيري والزعيم التونسي الحبيب بورقيبة وعدد من المناضلين السوريين وعمل مترجماً في إحدى السفارات، وفي عام 1967 رحل إلى أسمره».

وواصل الدكتور المحبشي: «وإذا ما أردنا النظر إلى حياته في أطرها الحضارية والثقافية والمدنية يمكن القول إنه عاش في حقبة تاريخية تعج بالاضطرابات والازمات، فقد ولد في مدينة بحرية أخضعها الإنجليز لسيطرتهم عام 1839م ومضى على استعمارها قرابة 91 عاما، وحينما بلغ عامه السادس عشر شهد العالم أحداث الحرب العالمية الثانية، التي تعد عدن إحدى نقاطها الساخنة، وفي سنوات شبابه الأولى بدأت تتبلور بدايات الوعي والتحرر والفكر القومي، وبدأت بريطانيا الاهتمام بأوضاع المحميات -بعد خسارتها لعدد كبير من القواعد والمواقع الاستعمارية، وخاصة في منطقة الاقصى في اعوم 56 و55 - مثل الشروع في المساعي لتوحيد المحميات بين عامي -1945 1956، ومنذ بداية الخمسينات أخذت تتشكل الجمعيات والأحزاب والمنظمات، ومنها الجمعية العدنية في عام 1950 ورابطة أبناء الجنوب عام 1950م، وفي 11 فبراير 1959 أعلن رسمياً عن قيام إمارات الجنوب العربي، وفي بداية الستينات تزايدت حركة الغليان السياسي والثورات التحررية والحركات القومية وقيام ثورة سبتمبر 1952 وبداية حركة التحرير في الجنوب وحصول عدن على الاستقلال الناجز غير المشروط في عام 1967م، لهذا لا بد من التمييز بين التاريخ والوعي التاريخي، فالتاريخ في أبسط معانيه يعني التقليد الفطري لدى كل إنسان في حرصه على معرفة ماضيه وتذكره، أما الوعي التاريخي فهو يعني التفكير في التاريخ من حيث هو فعل الإنسان».

ثم سرد ما في ورقته بالتناول لأعمال محيرز، التي تنوعت بين الدراسات والانترجرافية، ولكنه اشتهر بثلاثيته التاريخية:

-1 صهاريج عدن، الصادر عن المركز اليمني للأبحاث الثقافية في حوالي 97 صفحة.

-2 العقبة، 1990 عن وزارة الثقافة في 120 صفحة.

-3 صيرة، 1991م عن دار جامعة عدن للطباعة في 110 صفحات.

وثلاث مقالات نشرت في مجلة «المنارة» الصادرة عن فرع الاتحاد، وقصة ومقال عن منار عدن مئة عام على تأسيسه، ودراسة أنتوجرافية عن الشيخ عثمان، كما قام بتحقيق رسالتين عن دخول البندق إلى اليمن ونشرها في كتاب بعنوان (الآداب المحققة في معتبرات البندقة)، مع مقدمة طويلة لتاريخ البندق لتاريخ البندق في اليمن.

وأورد في سياق ورقته: «حينما نحاول إخضاع نصوص محيرز للنقد التاريخي لا بد من الاخذ بما جرى عليه هذا التقسيم المفصل للتاريخ الحولي حسب السنين، مثل كتاب الطبري وتاريخ الرسل، والتاريخ حسب الموضوعات مثل ابي حنيفة الدينوري والاخبار الطوال، والتاريخ حسب الطبقات مثل طبقات الشعراء لابن المعتز، والتاريخ حسب النسب والتاريخ العالمي عند المسعودي ومروج الذهب ومعادن الجوهر لأحمد بن مسكويه، وتجارب الأمم لابن الأثير والكامل في التاريخ، ولابن خلدون كتاب العبر والتاريخ المحلي، وهذا النوع في الكتابة وليد الشعور بالقومية، وقد عبر أبو الحسين السلامي في كتابه (ولاة خرسان) عن واجب صاحب المعرفة العلم بأخبار أرضه».

وأظهر في هذه القراءة حكماً بعدم منهجية محيرز في كتابة التاريخ، على الرغم من تطوره منهجياً في كتابه (صيرة).

وأخيرا أكتفي بهذا القدر من المتابعة لمداخلة الدكتور قاسم المحبشي، وأعتذر عن المتابعة لحديث الأستاذ المؤرخ أحمد صالح رابضة، أحد أبرز المشاركين في هذه الأمسية الثقافية حتى لا أنتقص من حقه في المتابعة ونظراً للضغط على الصحيفة في شهر رمضان الفضيل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى