قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي (2)

> «الأيام» علوي بن سميط:

> أثارت تصريحات لوزير السلطنة المهرية للصحف الحضرمية، وتناقلتها الصحف العدنية والعربية، هيجاناً شعبياً وقبلياً بعد أن ذكر عددا من المناطق بأنها تتبع سلطنته - كثمود وسناو وغيرهما- مما أثار تداعيات في أشكال اجتماعات، مظاهرات، واحتجاجات مثقفين ومقادمة قبائل، ففي السلطنة القعيطية بالعاصمة المكلا وجه (16) شابا ومواطنا نداءً لعقد اجتماع لمناقشة هذا الوضع بعد أن وجهوا بياناً ودعوة إلى أبناء حضرموت جاء فيه: «نرى من الواجب دعوة جميع المواطنين لعقد مؤتمر شعبي لبحث قضايا الساعة وفي مقدمتها المؤامرة التي يراد بها اقتطاع أجزاء من حضرموت» وحدد الستة عشر شابا يوم 16 /12 /61م موعداً لعقد المؤتمر الشعبي بقاعة المكتبة السلطانية، وحضر كثير من الناس تجاوباً، فافتتح الجلسة السيد أحمد سعيد الحضرمي قائلاً: «إن عقد هذا المؤتمر في هذه الفترة هو عرض أحقية هذه البلاد في الجزء الذي يراد اقتطاعه منها، وخدمة هذه الناحية من الوجهة التأريخية وغيرها، إننا أيضاً نعقد المؤتمر الشعبي كرسالة للتعبير عن شجب هذه المؤامره التي تحاك» ثم انتخب الحضور السيد عوض عيسى بامطرف رئيساً لإدارة الجلسة والسيد حيدر العطاس سكرتيراً للجلسة، وفي سياق الطروحات والنقاشات (نستخلص بعد بحثنا وقراءتنا لهذا المؤتمر أو اللقاء) قرر الحضور إبلاغ الجهات المختصة (الحكومية) بأنها ناقشت ذلك الموضوع كثيراً ولكن يتوجب ترك ذلك للناس ومن خلال المؤتمر الذي سيضع حداً لأفكار الاقتطاع الذي قرره في 4 يناير 62م، وأن تطرح المطالب وتنوير المواطنين بالداخل والخارج لما يحاك ضد حضرموت وسلخ أجزاء منها، وقد أقر الحضور تشكيل لجان متعددة على أن تقدم تقاريرها وأبحاثها من وجهات علمية وتاريخية والإلمام بكل التفاصيل. وقال أحمد الحضرمي إن لجنة البحوث من أهم اللجان لأن المؤتمر الكامل القادم يرتكز على ما تقوم به هذه اللجنة بالذات، ويبدو أن التداعي الشعبي جاء على ما يظهر بعد أن لم يظهر رد فعل قوي من سلطات السلطنتين، لذلك فالتداعيات لمقاومة مشروع الاقتطاع سلمياً أخذت به كل المؤسسات المدنية واتفق حضور (المكلا) أنه إذا لم تسمح السلطات بإقامة المؤتمر المزمع في يناير 62م وما سيقدم من وثاق فإنهم سيعدون كتيباً يضم الوثائق سيوزع على الناس.

وفي الاجتماع التمهيدي يوم 16/ 12 /61م انتخبت لجان من الحضور، لجنة إعداد المطالب من السادة: عبدالرحمن عبدالله بكير، أحمد سعيد الحضرمي، وحسين البار. لجنة البحوث انتخبت من السادة: سالم يعقوب باوزير، عبدالله محمد باحويرث، أحمد عوض باوزير، سالم عبدالله بامطرف، علي سالم البيض، عبدالقادر محمد العماري، عوض عيسى بامطرف. لجنة الدعاية من السادة:علوي صالح المفلحي، سالم عوض باوزير، علي صالح الحضرمي، محمد محفوظ باحشوان، علي حسين بلفقيه، خالد أبوبكر بارحيم، حيدر أبوبكر العطاس، عبداللاه باعباد. ولجنة مالية من السادة: محسن محمد الناخبي، عبدالكريم محمد بارحيم، عبدالله علوي الصافي، أبوبكر محمد بامنصور، عوض محمد باصالح.

> في اليوم نفسه الذي انعقد فيه لقاء الشباب والمواطنين وانتخاب لجان بشأن مشروع الاقتطاع (انعقد في المساء)، شهدت المكلا من الصباح إضراباً شاملاً توقفت فيه الحياة شجباً لدعوة ضم أجزاء من حضرموت إلى سلطنة أخرى، فأغلقت المتاجر والمطاعم والبسطات الصغيرة وفعلت ذلك أيضاً مدينة غيل باوزير وزادت على ذلك خروج أهاليها في مظاهرة صاخبة تندد بمشروع الاقتطاع.

وفي اليوم التالي توقفت الحركة الاعتيادية بمدينة الشحر جراء الإضراب العام احتجاجاً على ضم أراض من حضرموت إلى سلطنة أخرى، وشهدت مناطق حضرموت تجاوباً في شبام وسيئون فاندلعت المسيرات في كل مكان، كما وجه (40) من أعيان وشخصيات حضرموت من السلطنتين برقية إلى حاكم عدن العام والمستشار المقيم بحضرموت وإلى السلطان القعيطي والكثيري، ومما جاء فيها: «بهذا نعلن إصرارنا على حقوق وطننا بكل ما نملك من وسائل».

كما أدانت الجمعية الوطنية الحضرمية بعدن - التي أصبح اسمها فيما بعد الجمعية الخيرية الحضرمية بعدن - مثل هذه المشاريع وعبرت في بياناتها ولقاءاتها ونشراتها بالقول: «نستنكر الادعاءات من الذين يدعون بالمطالبة بضم أراض حضرمية، ونؤيد كل ما يقوم به إخواننا للدفاع عن هذه الأرض وسنكون صفاً واحداً لإحباط هذه المؤامرة».. وتواصلت الاحتجاجات في مظاهرات للشباب بالمكلا صامتة تتوقف كل مرة أمام دار المستشارية وأمام قصر السلطان، وكان المتظاهرون يستمعون إلى كلمات من شخصيات تقود هذه المظاهرات تؤكد «أن هذه المؤامرة التي أحيكت ضدنا وضد إخواننا في المهرة هي محاولة فاشلة ترمي لتعميق روح التجزئة بين الأخوة» فيما أدلت قبيلة بني ضنه (تضم قبائل كثيرة العدد على مساحات جغرافية شاسعة في أنحاء حضرموت) بدلوها في هذا الموضوع، إذ أصدر رئيس قبيلة بني ضنه المقدم العبد بن علي بن يماني التميمي رداً شافياًً قاطعاً نشر في صحيفة «الرائد» الحضرمية موضحاً أن الادعاءات التي تفوه بها وزير السلطنة المهرية تفتقد تاريخياً وسياسياً وجغرافياً للمنطق قائلاً: «إننا أقدم من ملك هذه الرقعة من الأرض - يقصد بها الأرض المدعى بها- وبحكم ولائنا لحكومتنا وبحكم المعاهدات التي بيننا وبين حكومتنا القعيطية وضعت يدها على أرض لنا ومنها هذه المناطق من كل جهاتها الطبيعية والجغرافية والاقتصادية تابعة لبني ضنه والتي هي بالتالي حسب الولاء من بني ضنه تابعة للسلطنة القعيطية».. تصاعد الاحتجاجات والتمسك بحق الأرض ورفض الضم والاقتطاع تصادف وزيارة السير تشارلس جونستون، حاكم عدن، إلى المكلا وسيئون في زيارة رسمية للسلطنتين الكثيرية والقعيطية.. التصريح الذي أثاره مسؤول سلطنة مجاورة للسلطنتين الحضرمية أثار الناس وشهد تصاعدا وانتهى بعد مدة ولم يقو أحد على سلخ جزء من حضرموت عندما تراصت الصفوف، ولعل تحرك الناس من قبل هذا الحدث وبعده - في حالات سياسية دعت لتوحيد السلطنتين عبر لقاءات عامة ومؤتمرات في الداخل وتحركات في الخارج - نادت به جمعيات وأندية ومثقفون وقبائل بل وحتى من أركان حكم السلطنتين ومنذ ما قبل الستينات، كل هذه التحركات في موضوع وحدة القعيطي والكثيري أوجدت مشاورات وتقاربا بين السلطنتين بضغط شعبي منذ ما قبل الستينات بالطبع.

> الدعوات الأهلية لوحدة حضرموت لم تكن في الستينات بل هي أقدم بكثير، ولكن التفعيل الرسمي والاقتراب الكبير بين السلطنتين جاء مع تشكيل الاتحاد الفيدرالي بين سلطنات ومشيخات جنوب اليمن، وبالتأكيد معروف لدى الكل أن حضرموت لن تنضم إليه، وشهدت السلطنتان في فبراير 61م تحركات لوفود رسمية بينهما يحمل كل منها مقترحات بقيام الوحدة بين البلدين (حتى قبل هذه الدعوات فإن هناك ملامح متعددة على الواقع لا يشعر بها الحضرمي إذا تواجد في سلطنة غير سلطنته سوى أنه في ارضه)، وللتعجيل بهذا المشروع عادت من جديد وبقوة الدعوات الشعبية لعقد المؤتمرات للدفاع والضغط على الرسميين تفاعل معها مغتربون من ابناء حضرموت، وكمثال من كمّ كثير استعرضت صحيفة «الطليعة» في صدر صفحتها الأولى عدد 16 شعبان 1380هـ برقية إلى الأستاذ أحمد عوض باوزير، رئيس التحرير من الافاضل حسين العطاس وعبدالعزيز بن وبر من المملكة العربية السعودية، وهي برقية تأييد جاء فيها: «نشاطر اقتراحكم ونؤيد عقد مؤتمر عام لبحث قضيتي الوحدة الحضرمية والبترول في موسم الحج القادم بالسعودية.. نضع أنفسنا تحت التصرف.. ارفعوا نداءنا لجميع الحضارم في كل مكان».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى