قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي ..عزل مدير مدرسة ومدرسين بحضرموت يثير مظاهرات طلابية تبدأ من غيل باوزير والمكلا ..من غيل باوزير بدأت شرارة الاحتجاجات وأمام تعسفات السلطة بدأت دائرة التضامن تتسع

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
احتفال لجمعية الاخوة بتريم
احتفال لجمعية الاخوة بتريم
يصف بعض كتاب ومؤرخي الحركة الوطنية بحضرموت تنظيمات الشباب والطلبة أن بداياتها بتأسيس اتحاد الطلبة الحضارم (الفكرة 59م والتأسيس 60م) في وقت شهدت حضرموت أحداثا شارك فيها الطلبة منذ ما قبل الستينات، إلا أن تكويناتهم لم تكن على شكل مؤسسي بل تأتي ردود فعل وتفاعلا مع القضايا الداخلية أو ضمن صور التعبير الاخرى التي قادتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وجاء اتحاد الطلبة الحضارم بمثابة إطار عام للطلبة على مستوى السلطنتين آنذاك وافتتح له فروعاً بالخارج وضم طلبة مستقلين وقوميين ورابطيين وتيارات إسلامية .. وسنأتي على ذكر أنشطة ودور اتحاد الطلبة الحضارم في حلقة قادمة.

> يذكر أن جمعية الأخوة والمعاونة بتريم التي تأسست في 1929م عملت على تأسيس إطار يهتم بتلاميذ تريم نشاطه أدبي وثقافي، وفي الاربعينات تأسسات أندية طلابية كالإصلاح في المكلا، الإصلاح في القطن، نادي اليقظة العلمي الأدبي في شبام (وهذا الأخير حصلت على معلومات تأسيسة من خلال نشراته وصحيفته «اليقظة» التي تصدر مخطوطة باليد في شبام، وترأسه سالم أبوبكر التوي.. وتلك المعلومة لم يذكرها للأسف كتاب ومؤرخون من قبل كتبوا عن بدايات نهضة تأسيس الأندية العلمية والثقافية والتعليمية والصحفية) عموما فإن هذه الأندية أو الأطر الطلابية كانت ضمن دائرة تضم ايضاً المدرسين والمشايخ، ولم تكن برامجها مستقلة، ويذكر أن أول محاولة لتأسيس اتحاد للتلاميذ، باسم (اتحاد التلاميذ بالمكلا) عام 1940م بموجب وثائق تأسيس وجلسات ولقاءات ولوائح داخلية واستؤجرت غرفة بأحد منازل المكلا لممارسة الأنشطة، وتقدم طلبة من مختلف أنحاء المكلا للانضمام إليه، وفي كتابه (دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر - ط أولى، 2001 ص 150) يذكر أ.د صالح علي باصرة أن مؤسسي جمعية اتحاد التلاميذ والموقعين على وثيقة التأسيس هم:

«محمد عبدالقادر بافقيه، علي محفوظ بامحفوظ، علي محفوظ حوره- باحشوان، سالم بادواد، عمر بن سهيلان، ناصر سيف بن علي البوعلي، عبدالقادر باحشوان، طاهر بازنبور) ومن بينهم تأسست أو شكلت لجنة رباعية كهيئة إدارية: محمد بافقيه رئيساً، ناصر سيف البوعلي سكرتيراً، عبدالقادر محمد باحشوان مساعداً، طاهر محمد بازنبور متحدثاً وناطقاً باسم الطلبة. إلا أن السلطات القعيطية أغلقت هذا التجمع بأمر كتابي من ناظر المعارف، ومع ازدياد افتتاح المدارس الأهلية والابتدائية والوسطى فالثانويات بعد ذلك ظهرت الكيانات الطلابية وتنامى شعور الطلبة الوطني والقومي، وبدأ التعبير بكل الصور، وجاء احتفال المدرسة الوسطى بغيل باوزير للعام الدراسي 1958م الذي تضمن في فقراته إبداعات للطلاب في المسرح، المقالات الصحفية، إلقاء مختارات شعرية جميعها باتجاه قومي وانعكاس لما يجري بداخل المنطقة حضرموت والوطن العربي متزامناً مع الوحدة المصرية - السورية وحضر الاحتفال آلاف من مواطني حضرموت إضافة إلى أعضاء مجلس السلطنة ووزيرها والمستشار البريطاني (بوستيد).

كلمة بالإنجليزية ينسحب

بعدها المستشار البريطاني

> بدأ الحفل بكلمة المدرسة ألقاها أحد المدرسين (فرج بن غانم رحمة الله عليه) تتابعت بعدها الفقرات من بينها (برنامج الاحتفالات ضم أيضاً ندوة عن حضرموت والبترول) وفي الحفل ألقى الطالب مصطفى عبود من جمعية الادب الانجليزي كلمة بالإنجليزية مما جاء فيها: «بغير ثقتنا في أنفسنا وتضحياتنا وإيماننا بقدرتنا في أن نحقق وحدتنا لا نستطيع أن نبني مستقبلنا الزاهر، لقد ذدنا عن حقوق الإنسان ونشرنا المعرفة وحمينا السلام». ويستطرد الطالب عبود- وهو ما أقتطفه من دراسة للدكتور باصرة نشرت في 88م عنوانها (انتفاضة تلاميذ وطلاب غيل باوزير بحضرموت) في كلمته أيضاً: «إننا نكافح قوى الشر ولكن مع كل شروق للشمس يشرق الأمل في قلوبنا المصممة.. إنها معركة النصر فيها أكيد.. ونحن على استعداد لأن نحارب لننتصر».. وانسحب بعد الكلمة المستشار البريطاني.

بدا أن مسؤولي السلطنة وأجهزتها المخابراتية وضعت هذا الحفل في إطار سياسي تحريضي، فانعقد بعد أيام في المكلا مجلسا (السلطان والدولة) وأقر في الاجتماع المنعقد بمستوى عال عزل مدير المدرسة الوسطى أ. سالم يعقوب باوزير وعدد من المدرسين.

السلطات توقف بن شملان

وبن غانم وآخرين

> بعد إيقاف مدير المدرسة سالم باوزير تضمن إيقاف السلطة أيضاً عددا من المدرسين هم: «فرج سعيد بن غانم، فيصل بن شملان، سالم عبدالعزيز، صالح لرضي» (كما ورد في كتاب حضرموت والاستعمار البريطاني، د. أحمد بن دغر، ط الأولى ص 214).

ثم أغلقت المدرسة الوسطى، ومن هنا توالت الأحداث متسارعة باحتجاجات واستنكارات الطلبة بالمدرسة ومدارس الغيل الأخرى، وخرجت مسيرات الأهالي بالغيل منددة بهذه القرارات وجابت الشوارع رافعة شعارات (نريد مديرنا)، (لا عودة إلا بالمدير)، (يسقط عملاء الاستعمار ) وحاولت السلطات آنذاك ممارسة التضليل بأن هذه الإجراءات اتخذت جراء قيام مجموعة من المدرسين بما أخل بالتعليم بحسب وجهة نظر الحكومة، وأن المدير لم يتشاور في هذا الحفل مع السلطات.

وأمام فعل الحكومة وتمسكها بقراراتها المجحفة ازدادت حركة التأييد لطلبة ومدرسي غيل باوزير، وارتفعت حدة التظاهرات من الناس والطلاب، وتصدت الشرطة بإطلاق النار على التلاميذ وجرح العديد منهمإ فما كان من الطلبة كرد فعل إلا إحراق عدد من السيارات والمباني والحكومية.. من غيل باوزير بدأت شرارة الاحتجاجات، وأمام تعسفات السلطات بدأت دائرة التضامن مع الغيل تتسع.. أهالي الغيل وجهوا رسالة إلى وزير السلطنة بإعادة المدير والمدرسين وافتتاح المدرسة، وتقدم (40) من مقادمة القبائل والمشايخ بمذكرة للسلطات طالبوا فيها بقوة بإعادة الأمور إلى مجاريها فيما اجتمعت قيادة النادي الثقافي بالمكلا ورفعت مذكرة للسلطات، وعمت المسيرات التضامنية ألوية السلطنة حينذاك وتحولت إلى مسيرات مناهضة للتدخل في الشؤون الداخلية واحتجاجاً على إسكات حرية التعبير والتعامل معها بعنف وإجراءات قاسية.

طلبة في مدرسة النهضة بسيئون
طلبة في مدرسة النهضة بسيئون
وشجب عدد من الكتاب الأحرار في عدن، ومنهم عبدالله باذيب، أحمد عوض باوزير، محمد علي الأكوع، في بيان لهم الإجراءات التعسفية وأعلنوا تضامنهم مع طلبة الغيل ومدرسيها، وتفاعل أيضاً وتضامن (طلاب كلية عدن) وأصدروا بيانا تضامنيا مع زملائهم الطلاب في حضرموت، ونشرت المقالات والأخبار وخصصت التغطيات لهذا الحدث بالصحف العدنية والعربية، واتخذت السلطات بعد تصاعد الأمور قرارا بفتح المدرسة في ابريل 1958م بغية تهدئة الأجواء.

وهكذا وبعد فترة هدأت الأمور وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه.. ويسجل المؤرخون أحداث الحركة الطلابية اليمنية عموماً في ثلاث حالات مثلت صورة حسنة وحركة طلابية في المجتمع، وهي انتفاضة طلاب غيل باوزير في 58م، انتفاضة طلاب عدن في فبراير 61م، مظاهرات طلاب تعز وصنعاء 62م.

من الغيل 58م إلى سيئون 64م

> في أغسطس 64م تظاهر طلاب سيئون ضد الأوضاع، ورفعت شعارات متعددة تندد بإجراءات كثيرة وجوبهت المسيرة الطلابية بقمع الأمن لها وجرح كثير من الطلبة واعتقل بعد جرحه الطالب علوي عبدالرحمن السقاف، وتم محاصرة مقر الطلبة (مركز اتحاد الطلاب) .

ولم تتوقف المظاهرات التي انضم إليها مواطنون مناصرون، وتصاعدت عقب اعتقال الطالب الجريح واعتقال متظاهرين في البوليس السياسي بسيئون (حصن الحوارث)- السجن العام في سيئون اليوم- وأصدر طلبة سيئون بيانا توضيحيا للرأي العام في حضرموت حول أحداث مظاهرتهم بختم وتوقيع (الطلاب الأحرار في سيئون) سوف ننشره في الحلقة القادمة بإذن الله، وساند وتضامن مع طلبة سيئون مدن حضرموت عموماً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى