قطوف من ديمقراطية حضرموت في القرن الماضي(4): باعباد يؤسس المؤتمر الشعبي في الستينات واتحاد أنصار حقوق الشعب في التسعينات ..عقب تظاهرة سيئون خالد بن هامل في المكلا يستشهد تضامنا مع طلبة الوادي

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
قصر السلطان الكثيري في الثلاثينات
قصر السلطان الكثيري في الثلاثينات
كما ذكرنا في الحلقة الماضية عن مظاهرة طلاب سيئون شهر 8 /64م واعتقال عدد من الطلبة وإطلاق سراحهم بعد فترة في اليوم نفسه وإصابات خطيرة لطالب، أصدر الطلبة بيانا توضيحيا عن مظاهرتهم ومطالبهم جاء فيه:«للغموض الذي ساد حقيقة المظاهرات التي أقيمت في سيئون والحقائق التي طمست رأينا أن نصدر هذا البيان لنوضح للرأي العام حقيقة تلك المظاهرات ونوضح مواقف الطلاب..

أولاً: قبل قيام المظاهرات بيومين كون الأمير محسن بن محمد الكثيري رئيس الحزب الوطني كما يزعم البعض بالرغم من أن هذا الحزب غير موجود، كون لجنة من ثلاثة أعضاء هم: عبدالقادر الصبان، أحمد بن صافي، محمود صقران، لتنظيم مسيرة صباح يوم السبت 22 /8 وقرروا أن تنطلق مظاهرتهم من مدرسة النهضة وقاموا بدعوة بعض الهيئات للاشتراك في هذه المظاهرة وقد قدموا الدعوة لنا نحن الطلبة ولكن بما أننا قررنا سابقاً (نحن الطلبة) الخروج في مظاهرة احتجاجاً على وضع العراقيل من السلطات لدخول الاساتذة المصريين وتنطلق من مركز اتحاد الطلاب الحضارم بسيئون فقد رحبنا بمنظمي المظاهرة التي كونها الأمير بأن ينظموا الينا». ويقول الطلبة في بيانهم إن عددا من الهيئات وافقت على الانضمام إلى مظاهرتهم التي سبق أن حددوها: «ووافق على الانضمام الينا نادي الأحقاف، الأهلي، الهلال، وحدة القرن، ثم عمال الورشة.

وفي صباح يوم السبن الموافق 22 /8/ 64م يوم المظاهرات كان جنود وضباط القوات المسلحة الكثيرية يجوبون الشوارع بسياراتهم مدججين بالسلاح» وبدأ التجمع من الطلبة والهيئات التي أعلنت انضمامها لمظاهرة الطلبة ورفعت شعارات تطالب بدخول الاساتذة المصريين إلى حضرموت، وتنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة بشأن الجنوب، وبجلاء الاستعمار فهجم أفراد البوليس والقوات المسلحة ومزقوا اللافتات. ويستطرد البيان: «واجهوا الطلاب بفوهات البنادق وإطلاق الرصاص، واستخدموا القوة مما أدى إلى جرح عشرين طالباً وأربعة آخرين بجروح خطيرة. وأصيب الطالب عبدالكريم بن مهدي بجرح خطير ونقل إلى المستشفى، واعتقل الطالب علوي عبدالرحمن السقاف وضربه ضربات قاسية وفي المعتقل لقي اصنافاً من ألوان العذاب». وكان طلبة سيئون يردون على بيان الحكومة الذي اتهم الطلبة بإثارة الفوضى وأن مظاهرتهم جاءت بنتائج سيئة، وأعلن الطلبة أن المظاهرات ستتواصل ما لم يطلق سراح المعتقلين ومعالجة الجرحى، وأعلن الطلبة الاضراب عن الدراسة يوم الأحد 23/ 8.

وقال الطلاب الاحرار في سيئون بحسب تذييل بيانهم بذلك - هم من اتحاد الطلبة الحضارم- مختتمين بيانهم الذي وزع في ألوية السلطنة ونشرته الصحف بالمكلا: «نستنكر تصرفات البوليس في سيئون ونطالب بالتحقيق والتعويض وبإطلاق الحريات العامة».

> بالطبع لم تكن تلك المظاهرة الأولى والاخيرة للطلبة، بل كانت أكثر كثافة بالحضور وتضامن واشتراك فعاليات مجتمع أخرى قادها ونظمها الطلبة، وكان أن انتهت باعتقالات وجرحى، ففي عام 1966م نظمت في سيئون تظاهرة طلابية تنديداً واحتجاجا على زيارة المندوب السامي البريطاني لحضرموت (السلطنتين) وجرح العديد من الطلبة وكذا من المتظاهرين انظموا لهم من هيئات مدينة، وأحرقت فيها عدد من الإطارات تعبيراً واحتجاجاً على هذه الزيارة. وبعد يومين شهدت مدينة المكلا مظاهرة احتجاجية على أسلوب القمع الذي جوبهت به مظاهرة طلبة سيئون وتدافع الناس ونظمت في 12 /9/ 66م مسيرة المكلا الشهيرة وأصيب فيها أكثر من (50) طالبا وتلميذا وقدم الطلبة باسمهم شهيداً لحرية الرأي والتعبير الطالب خالد بن هامل، من أبناء مدينة المكلا.

واعتبر المراقبون أن هذه التظاهرات جزء من النشاط المنظم لاتحاد الطلبة الحضارم وحركة طلابية احتجاجية واصلت نهج انتفاضة طلبة غيل باوزير، الذين استفزتهم إجراءات مسؤولي السلطنة القعيطية بمعاقبة مدير ومدرسي المدرسة الوسطى حينذاك ومواجهة الاحتجاجات بالقمع، وفي 66م ايضاً في نفس الشهر (سبتمبر) خرج طلبة شبان للتنديد بما وقع للطلبة في سيئون والمكلا.

> عمر سالم باعباد من رجالات حضرموت الداعين للإصلاح والمدافعين عن حقوق الشعب منذ شبابه، واشتهر رحمة الله عليه بنقده اللاذع والمجاهرة برأيه، وهو الأمر الذي أدى به في الستينات إلى المعتقلات في سيئون، كما أنه من المتنورين ومن دعاة الوحدة بين دولتي حضرموت آنذاك ومن أشهر سجناء الرأي، من مواليد مدينة الغرفة غرب سيئون 1915م وبدأ دراسته الأولية فيها وأكمل تعليمه العالي آنذاك في عدن وبدأ نشاطه التنويري والتوعوي بالعمل نهاية الثلاثينات بتوعية الشباب ومحو الأمية في الغرفة وكان أبرز مؤسسي العمل التعاوني فيها، واغترب في الحبشة وهناك عمل ولمدة ثلاث سنوات وحتى 46م سكرتيراً للجالية العربية بأديس أبابا وكان في هجرته متابعا للأوضاع بل لم يكتف بالمتابعة فكان يخاطب السلطات في سيئون بإجراء اصلاحات لأحوال الناس، وتوصل عمر سالم باعباد (غفر الله له) إلى أن الأهمية في رص صفوف الناس بأن تكون هناك أهداف لتسيير الحياة السياسية والاقتصادية، واستقر في بلدته، ولأنه كثير الاطلاع نهم في القراءة لديه ملكات التحليل وقراءة الأوضاع، استطاع أن يؤسس لأول مرة حزبا سياسيا في وقت لم تطلق الحريات الكاملة في السلطنتين، وعندما أقول لأول مرة لأنه يقوم على نظام داخلي أو دستور.

عندما تسلّمته منه رحمة الله عليه في 1991م بعد الوحدة اليمنية ظهر لي بأنه نظام داخلي وتحليل لوضع آني وأشبه بدراسة لانتشال الأوضاع في الستينات حينها أجاب علي عندما قلت له دراسة بالقول: «إن أي إصلاح سياسي يبنى بقيادة تنظيم عليه دراسة الماضي والحاضر والمستقبل».

فكر الاستاذ باعباد بأن الناس وخصوصاً النخبة لا بد أن تؤطر ضمن تنظيم (حزب) فبدأ أولا بوضع الميثاق الوطني للجبهة الوطنية وكانت عصارة فكره وتجاربه وأسمى ذلك التنظيم «المؤتمر الشعبي» ويضم دستوره أوالميثاق الوطني (30) صفحة، ويعتبر المؤتمر مظلة لمختلف التباينات الفكرية التي تتفق على قاسم مشترك للإصلاح وبمنهجية، ومعظم الذين حضروا التأسيس أعيان ومثقفون منهم: عبدالقادر محمد الصبان، سعيد ناصر عبدالعزيز، عبدالرحمن هاشم الحبشي، محمد سالم باجري، عمر دومان، جعفر محمد السقاف، أحمد عبدالقادر باكثير، علي عبدالله التوي، عمر عبود الدقيل وآخرون، وأعلن المؤتمر الشعبي في 25 /4 /1963م ومن أهم أهدافه: التحرر من الاستعمار، اطلاق الحريات السياسية والمدنية بالسلطنة. ونظم باعباد ندوات وأمسيات ومحاضرات في مناطق مختلفة في الالوية والقرى الكثيرية، وتعرض مرات عديدة للزجر والمنع وأحياناً مضايقة السلطات للناس الذين يتجاوبون مع دعواته، حتى أن البعض ممن ساندوه مع التأسيس الناس جمدوا أنشطتهم. ولم يكتف المرحوم باعباد بنشاطه في إطار السلطنة الكثيرية بل استطاع أن يجري لقاءات مع المستنيرين في مناطق قعيطية.. ميثاق المؤتمر الشعبي (23) باباً أو مادة عامة، وآخرها القسم (وضع الميثاق وكتبه بنفسه الأستاذ عمر سالم وطبع بالقاهرة) وجاء في القسم الذي يلتزم به العضو ونصه: «أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً وفياً أميناً على مبادئ الميثاق الشعبي وأهداف الدستور الوطني ومقررات التنظيم الحزبي، وأن أقوم بأداء واجباتي بصورة مشجعة، وأن أعمل جاهداً في سبيل تحقيق تلك المبادئ والأهداف والمقررات، وأن أضع طاقاتي المادية والمعنوية في مصلحة الخدمة العامة وأن أكون مطيعاً ومنفذاً للتعليمات التي تصدر إلي من التنظيمات الموجهة لنشاطي الذاتي تجاه المسؤولية العامة اعتباراً مني أن تلك التنظيمات تمثل إرادتي البناءة ذاتياً.. والله على ما أقول شهيد» (من الميثاق الشعبي ص 30).

واتخذ من منزله مقراً لهذه الحركة السياسية، ولعل مدينة الغرفة بإعلان باعباد حركته أو تنظيمه تستذكر الماضي، فقبل أكثر من ربع قرن شهدت الغرفة ايضاً حركة ثورية لابن عبدات انتهت بعد صدام عسكري، والحركة السياسية في الستينات لباعباد كان مصيره فيها الاعتقال والمحاكمة بعد أن شعرت السلطات بتلقي دعوته وانتشارها بين مناطق السلطنة الكثيرية وانتقاده العلني في المظاهرات والندوات لما تقدم عليه السلطات من ارهاب مواطنيها ،وبعد اعتقاله ومحاصرة منزله قد المدعي العام بالسلطنة التهمة أمام المحكمة بسيئون اتهم فيها باعباد بالتشهير بالحكومة وأنها أطلقت النار على مواطنيها، وقال المدعي العام في صحيفة الاتهام: «إن عمر سالم باعباد قال إن مسؤولية رجال الأمن هي المحافظة على أرواح المواطنين وليس تقتيل المواطنين، وإرساله برقيات وبيانات بأن رجال الأمن أطلقوا الرصاص على المتظاهرين واعتقال عدد منهم» ومحاولة لإسكات رأي باعباد قبل اعتقاله أصدرت الحكومة الكثيرية قراراً بعد إقامة أي مظاهرات إلا بموافقة عظمة السلطان أو مجلس الدولة، إلا أن الشعور الوطني لم يثن عمر باعباد أن يصدر بياناته للمشاركة في المظاهرة خصوصاً وأن مؤتمرا للجامعة العربية ينعقد في سبتمبر 64م في الاسكندرية لمناقشة قضية الجنوب.

لم تخف التهديدات باعباد، بل قال في التحقيقات أمام البوليس والادعاء والحاكم المدني: «لا يحق لمجلس الدولة أو كائن من كان أن يصدر قرارات بمنع المظاهرات أو إصدار البيانات، وإن قرارات المنع تعسفية وجائرة». وسبق له أن أرسل مذكرات إلى الى السلطان بشأن إصلاح الاوضاع وعدم منع حق التظاهر والتعبير وإلغاء الأوامر التي صدرت من عظمتكم (مخاطباً السلطان) بشأن قرارات المنع. المهم جرت محاكمة صورية للسياسي باعباد وصدر حكم بسجنه لمدة سنة كاملة.. ويسرد باعباد في كتابه (حضرموت والأحداث) تفاصيل المحاكمة والوضع العام آنذاك.. التضامن مع الذي رفع صوته بالحق غير خائف من السجن المرحوم عمر سالم باعباد عم حضرموت، وكتبت الصحف وجاء في مقال بعنوان (شحنات من النقمة) للأستاذ المؤرخ الفقيد سعيد عوض باوزير («الطليعة» 29/ 10/ 64م:

«في سبتمبر الماضي اعتقلت السلطات في سيئون الاستاذ عمر سالم باعباد ثم حكمت عليه بالسجن عاماً كاملا بتهمة الدعوة إلى قيادة مظاهرة سلمية تأييداً لعرض قضية الجنوب على مؤتمر القمة العربية الثاني المنعقد في الاسكندرية....إلخ المقال».

أفرج عنه ليواصل نضاله ويعبر بطرقه الحضارية السلمية ثم يعتقل مرة أخرى في مدينته الغرفة، ونددت نشرة صحيفة (الوعي) الصادرة عن نادي التعاون بشبام حضرموت العدد الثاني/ السنة الثانية 65م بما يتعرض له الاستاذ عمر سالم باعباد حيث جاء في ص3:

«إننا نرى ونضحك من تصرفات (الاشاوس من قوات السلطنة الكثيرية) وهي تلقي القبض على الاستاذ والمواطن الحر عمر سالم باعباد متجنية عليه مستبدة ومعقدة بنفسها، وحوكم بتلفيق وكذب فكانت النتيجة أن الشعب تضامن فتراجع المسؤولون في السلطنة وأفرج عن المناضل باعباد، ودارت «الأيام» ودعا الأخ الباعباد إلى مؤتمر ووجه الدعوة إلى شخصيات حضرمية إصلاحية مسالمة إلا أن السلطات منعت الاجتماع وفرق المجتمعون واعتقل عساكر السلطنة الاستاذ باعباد في مجلس بلدية الغرفة» (الوعي عدد (2) السنة (2) عام 65م).

وبقيت القوات محاصرة الغرفة وباعباد معتقل، فيما استطاع (70) مواطنا ممن لبوا دعوة باعباد أن يجتمعوا بمسجد علي بالغرفة ووقع هؤلاء - وهم من مناطق مختلفة من وادي حضرموت بمناطقه القعيطية والكثيرية- على محضر نوقشت فيه أوضاع المنطقة، وقرروا رفع مذكرات استنكار للسلطنة على فعل قواتها الاستفزازي مؤكدين وقوفهم مع باعباد كما جاء في محضر جلستهم: «نؤكد وقوفنا إلى جانب المناضل عمر سالم باعباد على أمل اللقاء به مرة أخرى رغم القمع والتهديد».

> واصل الفقيد عمر سالم باعباد مشوار حياته الزاخر بالتنوير والتوعية السياسية، فبعد الوحدة مباشرة عاد إلى أرض الوطن، بعد ثلاثين عاماً من تأسيسه المؤتمر الشعبي إبان حكم السلطنات والإنجليز (المحميات البريطانية) وأنشأ تجمعا جديدا بمسمى (الاتحاد العام لأنصار حقوق الشعب) في نوفمبر 1991م، ودعا باعباد إلى منزله بمدينة الغرفة عددا من الشخصيات من تاربة وشبام وسيئون ومدودة وتريم والغرفة والحوطة ووادي بن علي وشحوح، وتم الاجتماع بمنزله، ومن شبام أصبح من مؤسسي الاتحاد العام لانصار الحقوق كل من (سالم عبداللاه بن سميط، طيب علي التوي، الفقيد محمد محفوظ بلفقيه، وكاتب هذه السطور علوي عبدالله بن سميط) وشرح المغفور له هذه الحركة، وتمت أول فعالية بتنظيم مهرجان في سيئون وعقدت نحو ثلاثة اجتماعات من بينها اجتماع بمنزل بمدينة سيئون، وطالبت باستعادة الحقوق المنهوبة قبل الوحدة وتوسيع الحركة السياسية الديمقراطية بعدها، وانضم للفقيد في حركته العديد من المواطنين من مختلف التوجهات السياسية، وكلفت لجنة من المؤسسين بوضع برامج لها (تحملت مسؤولية الجانب الإعلامي فيها) وأقر الحضور أن يكون الاستاذ عمر باعباد رئيساً، والمؤرخ جعفر محمد السقاف سكرتيراً (راجع «الأيام» عدد 20 نوفمبر 1991م).

ولم يستمر اتحاد أنصار حقوق الشعب طويلاً، وانقطع عمله السياسي عقب عام من تأسيسه بتشكيل فروع الاحزاب المختلفة بوادي حضرموت عقب العام الأول من الوحدة اليمنية وكان رحمه الله قد وثق الجلسة الأولى للمؤسسين وما دار في الجلسة.. في الحلقة القادمة نستعرض نماذج من رجال اعتقلوا أو حوكموا في حضرموت جراء آرائهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى