أسست مؤسسة تبادل وتعاون الحضارات لتكون ردا عمليا على من يقولون بصدام الحضارات

> «الأيام» بشرى العامري:

> منذ هجرته إلى أمريكا كان الحوار من أولى اهتمامات الإمام د. محمد بشار عرفات، داخل وخارج أمريكا والعمل نحو تفاهم بين المسلمين والاديان الاخرى، حيث شارك في عدد من المؤتمرات الدولية كان آخرها مؤتمر (المشاورة الدولية بين العلماء المسلمين عن الدولة والمجتمع في العالم المتحضر)، والذي عقد في اسلام اباد بدعوة من هيئة التعليم العالي في باكستان، وكذلك مؤتمر (تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات من خلال مبادرات ملموسة ومستدامة) الذي عقد في الرباط، بدعوة من منظمتي اليونسكو والايسكوا، وأخيرا مؤتمر الأئمة والخطباء في البحرين (نحو خطاب مرتبط بالأصل متصل بالعصر).

ولد د. عرفات ونشأ في دمشق، حصل على اجازة في اللغة العربية والدراسات الاسلامية من كلية الدعوة الاسلامية عام 87م، اجازة في الشريعة الاسلامية ومن جامعة دمشق، كلية الشريعة عام 88م، دكتوراه في الفلسفة وعلوم الاديان عام 99م من جامعة ترينيتي، تم تعيينه اماما في دمشق من عام 81 إلى 89م حيث دعي إلى الولايات المتحدة الامريكية ليحاضر في عدد من المراكز الاسلامية، ومنذ ذلك الحين يعمل اماما مع كل مساجد ولاية ميريلاند من خلال مجلس الشئون الاسلامية الذي يشغل الآن منصب رئاسته لولاية ميريلاند، كما عمل ايضا اماما للجمعية الاسلامية في مدينة بالتيمور ولاية ميريلاند منذ 89 وحتى 93 وشارك بتأسيس مسجد النور فيها وكان امامه منذ عام 95 حتى عام 97م، كما أسس مؤسسة تبادل وتعاون الحضارات عام 2000م ويشغل الآن منصب رئيس المؤسسة، قام ايضا بتدريس مادة الدراسات الاسلامية في معهد الاديان في جامعة القديسة مريم، جامعة ميريلاند مقاطعة بالتيمور، جامعة جونز هوبكنز كلية غاوتشر, والاديان المقارنة في كلية بوتوماك في واشنطن والآن يدرس في كلية نوتردام في بالتيمور منذ عام 2005م، كذلك شغل منصب الارشاد الديني في جامعة جونز هوبكنز منذ عام 93م وحتى عام 2003م، مستشفى جونز هوبكنز 2003-2000، قسم الشرطة في مدينة بالتيمور منذ عام 98م وحتى 2006م.

وفي لقاء خاص اجرته «الأيام» معه أثناء زيارته الأولى لليمن دار حوار مطول حول حياة المسلمين في أمريكا وأوضاعهم، وتطرق الحوار إلى قضايا كثيرة بدأها بطبيعة زيارته لليمن.

قال د. محمد: «جاءت هذه الزيارة كإحدى الزيارات التي تنظمها وزارة الخارجية من خلال المراكز الثقافية والمكاتب الثقافية في السفارات الامريكية حول العالم، بحيث تأتي بأمة ومفكرين وعلماء من مختلف شرائح المجتع الامريكي ليتواصل مع الشعوب ليتكلموا عن قضايا متعددة، وهذه الزيارات هي من باب التواصل بين الجالية المسلمة في أمريكا والمسلمين في العالم العربي، وأنا دعيت لأجل ذلك لزيارة اليمن والسعودية وكنت مسرورا بذلك حيث دعيت لنتكلم عن قضايا نحن نعيشها اليوم والتفكير الآن في امريكا للمسلمين كيف ينظرون إلى كثير من الامور التي تختلف عن اليمن وعن السعودية، وهناك امور لا تصلح في اليمن وتصلح في امريكا وما لا يصلح في امريكا يصلح في اليمن، ولاجل أن يكون هناك برامج في اليمن تتيح للناس في اليمن أن يسمعوا منا وهذا مهم جدا».

وعن طبيعة عمله في أمريكا كإمام وطبيعة واهداف مؤسسة تبادل وتعاون الحضارات التي أسسها تحدث قائلا:

«كوني اماما في امريكا وجدت أن الانسان لا بد أن يتواصل ويطلع على كثير من الامور التي لم تكن موجودة في الشرق الاوسط، فوجدت أن عمل الامام في امريكا يجب أن يتعدى مفهوم الامام في الشرق الاوسط وهو الإمامة فقط، حيث يجب أن يكون له برامج يتواصل من خلالها مع المجتمع بشكل عام، ومنها المؤسسات الاكاديمية أو المؤسسات الدينية باختلاف انواعها، ولهذا اسست معهد النور للغة العربية والدراسات الاسلامية، وبعد أربع سنوات وجدت أنه من المهم أن يكون هناك مؤسسة تعنى بالحوار والتبادل الثقافي بين الشعب الامريكي على مختلف طبقاته والعالم العربي والاسلامي، فأسست مؤسسة تبادل وتعاون الحضارات لتكون ردا عمليا على من يقولون بصدام الحضارات، لان هذه الفكرة النظرية بدأت تنتشر في امريكا منذ اواخر التسعينات وبشكل كبير، وفي اعتقادي هناك من ينظر إلى احداث ايلول كحلقة من حلقات هذا المسلسل المعني بالصدام دائما، ويكون هناك تشويه للحقيقة ولذا فمن الضروري أن يكون هناك برامج عملية للرد على من يقول بالصدام ومن يؤجج الحروب من خلال هذه البرامج التي تسعى لتسهيل لقاءات بمختلف شرائح المجتمع الامريكي وفئاته مع العالم العربي والاسلامي، بحيث يلتقون مع السياسين والاكاديميين ورجال الدين وطلاب وشباب ومختلف فئات المجتمع، وبدأت هذه المؤسسة رسميا في عام 2001-2000 وبعد احداث ايلول بدأ الناس يشعرون بأهمية هذا التواصل وان يكون هناك تعارف بين الشرق والغرب من اجل أن يكون هناك ثقافة وعلم اكثر بالشعب العربي والمسلم، والعكس ايضا، فكان دافعي قوله تعالى في سورة الحجرات ?{?يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم?}?، وهدف آخر لهذه المؤسسة هو التركيز على ما قدمته الحضارة الاسلامية للغرب سواء من خلال المسلمين في العصور الوسطى في العالم العربي أو ما انتقل إلى اوروبا من خلال قرطبة وصقلية وغيرها، هذا التاريخ الذي للاسف الشديد النشء الجديد والجيل الجديد في امريكا وأوروبا لا يعلم عنه الكثير، فبرنامج هذه المؤسسة هو التركيز على هذه الامور التي هي في وقتنا الحاضر من اهم الضروريات، كذلك لتؤكد على أن الاختلاف بين الثقافات والاديان هو عامل ثراء للبشرية في ظل العولمة والقرية الصغيرة».

وعن أهم البرامج التي نفذتها المؤسسة تحدث قائلا: «قمنا بالتوعية الثقافية والدينية للمؤسسات وطلاب التبادل الثقافي الدولي للوافدين من العالم الاسلامي للدراسة في امريكا لمدة سنة عن طريقة برنامج الـ (YES) تحت مظلة القسم الثقافي في وزارة الخارجية، ومنذ بداية العام 2005 قمت بإلقاء محاضرات وندوات عن (الاسلام في امريكا) من خلال برنامج الزائر الدولي في وزارة الخارجية في 15 دولة شملت افريقيا واوروبا والشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا، ويهدف هذا البرنامج لإقامة جسور التواصل والتعارف بين مسلمي امريكا والعالم الاسلامي ويلقي الضوء على وضع المسلمين في امريكا ونشاطهم ما لهم وما عليهم كجزء لا يتجزأ من المجتمع الامريكي ماضيا وحاضرا».

وعن الحضارة الاسلامية والتعريف بها تحدث قائلا: «لا بد أن يعرف الانسان في اوروبا وامريكا من اين اتت كثير من العلوم، وايضا من اجل المسلمين الذين يعيشون في امريكا واوروبا اليوم والذين عليهم أن يقوموا بالدور الذي قام به المسلمون الاوائل الذين ترجموا علوم اليونان وعلوم الاغريق والهند والرومان إلى اللغة العربية واضافوا إليها وبحثوا فيها، وكان ينظر اليها في العصور الاولى على انها جزء من العلم وللاسف الشديد افي عصور معينة من التاريخ الاسلامي بدأ ينظر إلى العلم على أنه علوم شرعية فقط وحذفت العلوم الكونية لانها ليست من العلم الشرعي، وقصروا العلم الشرعي على القرآن والحديث والفقه والسنة والاصول، وكوني دراسا لهذه الامور أجد اننا نفتقدها ونحن بحاجة إلى أن نضيفها في المنهاج الشرعي، وإذا صح التعبير بالمفهوم القرآني الذي يتعدى الحلال والحرام إلى سنن الله في الكون ومنها أن نعرف كيف نفسر قوله تعالى ?{?كنتم خير أمة أُخرجت للناس?}? فهي ليست في قول «أنا مسلم» فقط، والقرآن دائما يدعو إلى الايمان ولا يدعو إلى الاسلام، فالاسلام في حد الترجمة عقد اللسان بالقول أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولهذا قالت الاعراب آمنا فرد الله عليهم في القرآن:

?{?قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا?}? ونحن اليوم نرى الكثير من المسلمين لكننا بحاجة إلى المؤمنين وأن نتبع طريق الايمان الذي هو طريق العلم والتواصل مع الآخر وطريق ?{?وإنك لعلى خلق عظيم?}? بمعنى أن يتخلق المؤمن باخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم التي كثير منها اليوم نجدها في امريكا من خلال تطبيق المجتمع الامريكي في واقع حياتهم اليومي سواء في صدق المواعيد وفي قيادة السيارات والاحترام للآخر والاخلاق في التجارة، وهذا ما جعل الكثير من المسلمين اليوم يريدون الهجرة إلى الغرب وأيضا لاحترام الحرية الفردية والحرية الجماعية وحقوق الانسان والعيش في جو يقدر انتاج الانسان كانسان بغض النظر عن خلفيته ومن اين جاء، وهذه اسس المجتمع الامريكي اليوم، انا لا اقول عن المجتمع الامريكي انه مجتمع كامل فهناك اخطاء وسلبيات وهناك ايجابيات تجعل الكثير من ابناء المسلمين في العالم العربي والاسلامي يريدون الهجرة إلى امريكا رغم كل ما يحدث من مآس في العراق وافغانستان وأماكن متعددة، ولكن الأمور اليومية للمجتمع الامريكي تشجع الناس على الهجرة إلى امريكا والبقاء فيها وألا يعودوا إلى اوطانهم، ومن اجل هذا ارتأيت أن تكون هذه المؤسسة تؤكد على هذه الامور وتعيدها إلى اصولها بأنها نابعة من كلمة الله التي هي العلم والتطور والغنى وليس الفقر والاحسان إلى الآخرين، وهي اليد العليا التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بـ«خير من اليد السفلى» وما إلى ذلك».

وعن نظرة الغرب اليوم بعد احداث 11سبتمبر إلى المسلمين قال: «منطقة الشرق الاوسط وبلاد الشام كانت بلد التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وعندما اسمع في امريكا الكثير من الناس يقولون إن اسباب احداث ايلول هو أن الشرق لا يوجد لديه ما لدى الغرب، ومنهم من يتساءلون: لماذا يكرهوننا؟.. ولكن الشرق لا يكره الغرب وكثير من ابناء الشرق يحب أن يهاجر إلى الغرب، لكن اذا كان هناك كراهية فهناك كراهية لبعض الافعال المتمثلة ببعض السياسات الخارجية التي من واجبنا نحن أن نتكلم عنها هناك بالحرية التي اعطاها القانون الامريكي للانسان الامريكي، فهي تكفل لكل الاديان أن يتكلموا بكل صراحة وشفافية وأحب أن اقول للعالم العربي والاسلامي إن امريكا ليست كما انتم ترون من الخارج وأنها فقط سياسة خارجية، امريكا من الداخل هي شيء لا تعلمون عنه الكثير وليس كل أهل الكتاب سواء، ففيهم الجيد وفيهم السيئ كما في كل دين، وأريد أن اكون ممن يجهر بالحقيقة في الشرق والغرب بإذن الله ولا بد لنا من معرفة بعضنا البعض عن قرب ولا ندع احدا يشوه هذه الصورة التي امرنا الله بها أن تكون ناصعة».

وعن اوضاع المسلمين في امريكا بعد تلك الاحداث اجاب قائلا:

«اوضاع المسلمين في امريكا دائما بخير، نعم حصلت هناك امور بعد احداث ايلول وحدث اضطراب في العالم كله بسبب ذلك فحينما يقوم هناك بعض الناس الذين يسمون انفسهم بالمسلمين بأعمال تؤذي الآخرين ويقولون انها من عند الله ويذهب ليقتل ويفجر الابرياء، فهذا ليس مما أمر به القرآن الكريم، ولكن الناس في أمريكا الذين فتحوا بلادهم على مدار السنين لاستقبال الوافدين والمهاجرين من العالم الإسلامي والعربي، شيء طبيعي أن يحدث لديهم ردة فعل سلبية فيقولون «هل هذا إسلام؟ هل المسلمون هكذا؟ هل التعاليم النبوية والقرآن تأمر بالقتل؟!».

وأصبح هناك حديث كراهية نسمعه في كثير من المجالات، ولكن هناك أيضا ردة فعل إيجابية أن هؤلاء الأمريكيين الذين يعرفون حقيقة الإسلام وحقيقة المسلمين المقيمين في أمريكا أصبحوا هم الداعين إلى نشاطات وبرامج متعددة من أجل توضيح الحقيقة.

والمسلمون في أمريكا لم يتغير عليهم شيء بعد أحداث أيلول لا من ناحية التجارة ولا من ناحية أخرى، والتعامل لا يزال كما هو وهم في ازدياد دائم ولله الحمد، ولكن تحدث أحيانا أمور بشكل دائم تصدر من بعض الجاهلين في أمريكا، ومن بعض الحاقدين وهذا شيء طبيعي، وصدرت أيضا قوانين جديدة للتأكيد على الأمور الأمنية والتشديد على موضوع الدخول والخروج «من هؤلاء المسلمون المقيمون في أمريكا وما هي انتماءاتهم وتوجهاتهم»، وحدثت هناك دراسات لكل الفئات في امريكا للتمييز بين أهل الخير وأهل الشر.

كذلك كل العالم تغير بعد أحداث أيلول، فمواضيع الهجرة والإقامة والجنسيات أصبحت تتأخر عن ذي قبل، ودائما هناك في المطارات تدقيق أكثر وخاصة اذا كان المسافر من دولة عربية أو اسلامية، لكن الأمور العادية في المجتمع لا تزال كما هي وهناك ازدياد في برامج الإعلام التلفزيونية والصحافة والكتب التي تتحدث عن الإسلام والمسلمين والتاريخ والجغرافيا، وتتحدث عن المجتمعات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى