> علي هيثم الغريب:

قبل أسبوع كنت هناك في المكان نفسه الذي مر منه إلى كنظارة الشهيد البطل غالب بن راجح لبوزة، كنت هناك مع أحفاد (الذئاب الحمر) نهتف باسم الوحدة والحرية والعدالة.. تقاطر الشباب من كل حدب وصوب حتى المطر انهمر في تلك الليلة الرمضانية المباركة.. وتوقفنا جميعا على جملة من الذكريات.. كيف أخفقت ثورات عديدة قامت في العالم في مقارعة الاستعمار ومنيت بالهزيمة، وكيف تمكنت ثورة 14 اكتوبر العظيمة من عبور تلك المرحلة الصعبة بفضل المآثر البطولية الفريدة للثوار بقيادة الجبهة القومية وجبهة التحرير وحزب الرابطة وكل أبناء الجنوب.. وطوال اربع سنوات تقريبا جرت حرب ضروس دارت رحاها في جبال ردفان وحتى صيرة في عدن.. كانت تلك الثورة حقا معجزة اجترحها ثوار الجنوب، ومن أقصى شرقة جاء البيض والحاج صالح باقيس وعكوش وآلاف الثوار الذين دافعوا عن الأرض الغالية وسجلوا آيات فريدة من الصمود والبطولة والتضحية.

إن استبيان أسباب هذا النصر، الذي تحقق ضد الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، والذي لعب الدور الحاسم في بقاء ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن الحبيب، له أهمية سياسية تفوق التقدير. لقد انتصرت ثورة اكتوبر ودافعت عن نفسها في ظروف خارقة الصعوبة، وواجهت جبروت بريطانيا بشراسة لا نظير لها من حيث القوة والسعة.. بيد أن صعوبة المواجهة مع هذه الدولة العظمى وتوترها البالغ أضفيا على تجربة ثورة اكتوبر المظفرة غنى وتنوعا.. واعترف آخر مندوب سامٍ في الجنوب أنه يستحيل قهر شعب وعت غالبيته مصالحها وهبّت بكل طاقتها للدفاع عن الوطن.. فحين يتبين لعشرات الآلاف من الناس الرازحين تحت وطاة البؤس والعبودية، ويشعرون ان الوقت قد حان لاستعادة الارض، حينذاك فقط يكون بوسعنا ان نرى أية قوة هائلة كامنة لمقاومة الظلم والاضطهاد ينطوي عليها الشعب.

لقد كانت ثورة أكتوبر عملا ديمقراطيا بأسمى معاني الديمقراطية، حيث قام الشعب بسلاطينه ومواطنيه ومثقفيه من أجل إحراز النصر.. وبفضل مؤازرة كل فئات وشرائح المجتمع تم الانتصار على بريطانيا في أعظم ثورة في الوطن العربي وبأقل قدر من إراقة الدماء.. وهكذا صنعنا تاريخنا بأنفسنا وعن وعي تام. وجاء يوم الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م، ولم تذهب سدى التضحيات الجسام التي قدمها أبناء الجنوب ومعهم الشرفاء من أبناء الشمال، والمهم في التاريخ ليس ماذا حصل فيما بعد ولكن الأهم ان أبناء الجنوب استعادوا وطنهم من جديد، ولن يستطيع احد مهما لجأ إلى التزييف ان يشطب هذه الحقيقة من سجل التاريخ.

واليوم ونحن نحتفل بالذكرى الـ 44 للثورة أود ان أخاطب اشبال (الذئاب الحمر) وأقول لهم تمسكوا بالحق ولا تلينوا لباطل، وتنزهوا عن المطامع الذاتية فيما يمس وطنكم ومستقبلكم، وارفضوا المظالم ما استطعتم.. تلك هي مجرد نصائح لتعزيز مسيرتكم المثابرة نحو الحرية والتقدم الاجتماعي. كما لا يفوتنا هنا ان نهيب بالجميع رص الصفوف وتكاتف الجهود من أجل تعزيز مسيرة التصالح والتسامح والتضامن لما من شأنه التمكن من استعادة الوجه المشرق لأهداف ومبادئ ثورة 14 اكتوبر الخالدة بمضامينها الديمقراطية والإنسانية، وأن نحني الهامات لأولئك الذين استرخصوا أنفسهم في سبيل العزة والكرامة وصون الوحدة وعدم انتهاك مبادئها السامية، وبعد غد سنلتقي في ردفان لنحتفل بهذه المناسبة الغالية علينا جميعا.