على خلفية رائعة ماركيز الجنرال في متاهته ..عندما تحول الاستقلال إلى نقمة والوحدة إلى لعنة في ملحمة سيمون بولي?ار

> نجيب محمد يابلي:

> من هو سيمون بولي?ار؟«موسوعة بيرس» البريطانية Pears Cyclopaedia 1996/67 عرفته على النحو التالي:«سيمون بولي?ار(1830/1783)م ثوري أمريكي جنوبي، من مواليد كاراكاس فنزويلا. أطلق عليه لقب «المحرر» ويشار إليه اليوم بأنه أعظم أبطال أمريكا اللاتينية. خاض حرباً ضروساً ضد الوجود الإسباني في شمال غرب أمريكا الجنوبية وانتزع استقلالها، مؤسساً بذلك: كولمبيا الكبرى (فنزويلا حالياً) وكولمبيا وبنما والأكوادور والبيرو. مات فقيراً تحت وطأة مرض السل في كولمبيا بعد أن تركت فنزويلا الاتحاد أو الدولة الموحدة للبلدان التي ورد ذكرها سابقاً».

الروائي الكولمبي والعالمي المعروف جابريل جارسيا ماركيز، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب تعرض في رائعته «الجنرال في متاهته» التي ترجمها إلى العربية صالح علماني وناشرها: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، نيقوسيا قبرص، إلى سيرة ومسيرة البطل الوطني والقومي الكبير سيمون بوليفار التي جسدتها الدماء التي روت أرض الوطن والتضحيات الجسام بالمال والروح، وأبدع ماركيز في تصوير الشخوص والأحداث بمهنية ودرامية عاليتين قل أن تجدهما في أدب الروائع.

وجد الجنرال بولي?ار نفسه في متاهة لا يحسد عليها لأن أحلامه في توحيد شعوب أمريكا اللاتينية ارتطمت بحقيقة الموقف على الأرض ولقد تندر الجنرال بولي?ار بنفسه وهو يقول لخادمه الذي حشر كل أمتعته في جعبة عسكرية واحدة:«لم نكن نظن يوماً يا عزيزي خوسيه أن كل هذا المجد سيحشر في حذاء»، وقال وهو يشاهد تداعي الدولة الموحدة:«لم يعد لي وطن أضحي في سبيله»، وقال وهو في خيبة أمل عندما لم يستدعه الكونجرس كالعادة ليعيد الثقة به لحكم البلاد: أنا لم أعد أنا».

انهار الحلم الذي ضحى من أجله الجنرال المسكين والقاعدة الشعبية الواسعة من الشعب الذي وقف وراءه مقاتلاً ومضحياً فقال عند مرأى أرامل جنود الاستقلال:«الأرامل الآن نحن، إننا يتامى الاستقلال ومنبوذوه ومغبونوه». عز عليه أن يرى المشاركين في حرب الاستقلال غارقين في لجيج الفقر والبؤس أو في طريقهم للبحث عن مصادر أياً كانت للبقاء على قيد الحياة مع من يعولون بعد أن تحول الاستقال إلى عبء ثقيل بسبب الطامحين إلى الحكم والاستقلال بمقاطعاتهم والذين نظروا إليه وكأنه غنيمة (فيد) يقتسمونها بالطريقة نفسها التي كان يقوم بها المستعمر. (راجع مجلة «الجيل» - ديسمبر 1990م، ص 92 و93 و94).

عانى الجنرال الفقير بولي?ار كثيراً وصارع مرض السل، وصور ماركيز الهيئة المتداعية التي تحولت إلى ما يشبه الهيكل العظمي وتندر به خصومه سراً وعلناً وعلى الجدران وأطلقوا عليه لقب «لونجانيتو» (نوع من السجق المصنوع من الأمعاء الدقيقة) وانطلقت تلك الأصوات الساخرة والمفرقعات الليلية وهي تودع الجنرال المنهار عند خروجه من بوجوتا وصولاً إلى سان بيدرو اليخاندرينو التي مات فيها في 17 ديسمبر 1830م، والاستثناء في ذلك كانت التحية الأكثر حناناً التي سمعها من امرأة عجوز عرفته مروره مع مرافقيه القليلين كانت:«الله معك أيها الشبح».

بلغت ذورة اليأس عند الجنرال المسكين الذي لم يستوعب المتغيرات عندما قويت شوكة الانفصال وضجة المنادين بها من بلاده التي ولد فيها ولم يعد ينتمي إليها (فنزويلا) فيقول عن نفسه وعمن بقي معه من رفاق السلاح إنهم راحوا يتنقلون من مكان إلى آخر «في بلدان تتبدل أسماؤها وحكوماتها من يوم إلى آخر، حتى لم نعد نعرف في أية لعنة نحن»، «إذ تحولت كل مقاطعة إلى لعنة وصار المنتمي إلى الوحدة منبوذاً لأن ليس له تعصب الآخرين». (مرجع سابق/ «الجيل»)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى