آسيا وأوروبا ما زالتا تنزلقان ..الثوران البركاني في «جبل الطير» يثير كابوس «الفالق الأناضولي»

> «الأيام» عن «الحياة»:

>
بدا طبيعياً أن يعيد الانفجار البركاني في جزيرة «جبل الطير» قبالة اليمن في البحر الأحمر أخيراً، التفكير بـ»الفالق الأناضولي» Anatolian Fault الذي يمتد من تركيا إلى إفريقيا.

وسبب ذلك أن «جبل الطير» جزء من مجموعة من الجزر البركانية التي تنتشر بين السودان واليمن في البحر الأحمر الذي يُشكّل جزءاً من ذلك الفالق الهائل.

ويُشير تعبير «الجزر البركانية» إلى أنها تكوّنت من حمّم بركانية ابتردت فتحوّلت صخوراً، على غرار معظم جزر «هاواي» المئة في المحيط الهادئ.

ويزيد في التعقيد الجيولوجي لتلك المنطقة أنها تقع قريبة من «حلقة النار» التي شهدت التسونامي الهائل العام 2004.

وأعطيت ذلك الوصف لأنها تعبّر عن تقاطع صفيحتين تكتونيتين هائلتين، تلك التي تحمل المحيط الهادئ (وهو أكبر مساحة على الأرض) وتلك التي تحمل القارة الآسيوية.

ومن المعلوم أيضاً أن الزلازل والبراكين تتولّد من القوى ذاتها.

ويشير جيف مكنيلي، المدير العلمي لـ «الاتحاد العالمي للطبيعة» إلى أن العلماء اعتقدوا، وحتى وقت قريب، بأن سيل الحُمم البركانية («لافا» Lava) يتألف من صخور ذائبة في قلب الأرض، تشق طريقها صعوداً إلى القشرة الأرضية.

ويُنبّه إلى أن العلماء هجروا هذه النظرية، على رغم أنها مازالت صالحة لتفسير عدد قليل من الانبثاقات البركانية، مثل تلك التي تحصل في هاواي، حيث تُغطي قشرة رقيقة نسبياً من الأرض «النقاط الساخنة» في جوفها.

وكذلك يوضح مكنيلي أن النظرية العلمية السائدة راهناً ترى أن الطاقة التي تُغذي نيران البراكين، كتلك التي تتحرك أحياناً في «حلقة النار» حول المحيط الهادئ، تأتي من تصادم طبقتين من الصفائح التكتونية بطريقة تؤدي إلى انزلاق إحداها تحت الأخرى.

ويوّلد هذا الاحتكاك حرارة هائلة، تذيب الصخور تحته.

فمثلاً، هناك بؤرة ساخنة تحت الصفيحة التكتونية التي تحمل المحيط الهادئ.

تدفع تلك البؤرة الصخور الذائبة إلى الأعلى من خلال شقوق وحفر في القشرة الأرضية، فتتشكّل البراكين.

والمعلوم أن تصادم الصفائح التكتونية يؤدي إلى الزلازل أيضاً.

لذا، تتكاثر البراكين والزلازل في منطقة «حلقة النار»؛ ما يُعطي مثالاً عن القول إن الآلية الجيولوجية التي تصنع البراكين هي ذاتها التي تُحدِث الزلازل.

ينتشر قرابة 500 بركان نشط، أو يحمل النشاط في كوامنه، حول الكرة الأرضية.

ومن الصعب التأكد من العدد الحقيقي، لأن البركان الذي توقف عن النشاط منذ مئات السنين ربما كان خامداً أو...

كامناً بسكون! ومثلاً، ساد الاعتقاد طويلاً بأن البراكين الرئيسة في الولايات المتحدة قد خمدت.

وفي العام 1980، انفجر بركان «ماونت سانت هيلين» في ولاية واشنطن، بعد ان ساد الظن بخموده لأنه لم يصدر أي نشاط طوال 126 سنة.

وبلغ ارتفاع انبثاقه الفجائي تلك حوالى 120 متراً.

وتهدم جزء من الجبل الذي كانه.

ويشبه ذلك ما حدث في مضيق «سوندا» في اندونيسيا، في 27 آب (اغسطس) 1883، عندما اختفت جزيرة «كاراكاتوا» اثر انبثاق صاعق لبركان فيها، قذف عشرين كيلومتراً مكعباً من الصخور والغبار إلى السماء.

وسمعت استراليا صوت انفجاره الفجائي، على بعد 3 آلاف كيلومتر من جنوبها الشرقي، وفي جزر رودريغز، التي تبعد 5 آلاف كيلومتر في جنوبه الغربي.

وأطلق موجة تسونامي وصل ارتفاعها إلى 40 متراً، فضربت سواحل جزر «جاوا» وسومطرة.

وأزالت المياه مدناً ساحلية في الجزيرتين، فقتل قرابة 36 الف شخص.

ولا يُقارن انبثاق «كاراكاتوا» بالاستيقاظ المُفاجئ لبركان يبعد 1200 كيلومتر في جزيرة «سومباوا»، في 11 نيسان (ابريل) 1815.

ففــي ذلك اليـــوم، انفجــــر بركان «تامبورا» ليدخل في أقوى هيجاناته خلال 20 الف سنة.

وقذف بنحو 120 كيلومتراً مكعباً من الصخور والغبار، وانهار الجبل بأكمله، علماً أن ارتفاعه يزيد على 4000 متر.

وقتل 10 آلاف شخص، وعانى 90 ألف شخص المجاعة والأمراض، بعدما أرغموا على النزوح من مواطنهم.

وانتشرت سحابة من غبار ورماد حول العالم، فأغمت الشمس.

وفي العام 1816، أخفقت المحاصيل الزراعية في كثير من البلدان.

ولفترة طويلة، ظل الناس يسمّون تلك السنة «الف وثمانمئة ومت برداً».

في ظل التقاطع بين البراكين والزلازل، بعث البركان اليمني الثائر في «جبل الطير» صورة «الفالق الاناضولي»، في ذاكرة الكثيرين.

ويعتبر البعض ذلك الفالق قنبلة ذرية موقوتة.

يطلق تعبير «الفالق» Fault على شق في عمق قشرة الارض يتيح ان تتحرك الصفائح التكتونية في صورة متقابلة لبعضها بعضاً، ما يولد موجات أفقية وعامودية، تؤدي إلى الزلازل.

وتحدث الزلازل الكبرى عموماً في تلك الفوالق الجيولوجية، التي يعرفها العلماء جيداً، لكنهم يجهلون تماماً متى تنطلق في حركاتها المدمرة.

ويُشار إلى أن آسيا وأوروبا كانتا قارة واحدة «أوراسيا».

ثم انفصلتا.

وما زالتا تنزلقان وتتباعدان.

وفي المقابل، ترتطم صفائحهما كل فترة، خصوصاً عند بداية «الفالق الاناضولي» عند تلاقي القارتين في البحر الأسود.

ويعيش الكثير من الاختصاصيين خوفاً مذهلاً من زلزال كبير يضرب الفالق الاناضولي، من شأنه (إذا انطلقت طاقة كافية) زلزلة الارض بدءاً من سهوب الأناضول، عند مدينة «إزمير»، ومروراً بسهل حوران السوري، فسهل البقاع اللبناني، فوادي الأردن الفاصل بين الأردن وفلسطين، مروراً بقعر البحر الأحمر عند ميناء العقبة، ووصولاً إلى مصر فأثيوبيا وعبوراً إلى منطقة البحيرات الكبرى.

ويُذكر أن بعض العلماء توقع ان تتحرك صفائح هذا الفالق في العام 2000، فتتضرر مدن كبرى مثل عمان وبيروت ومعظم مدن الضفة الغربية وميناء العقبة، بل وربما انهار جزء من السد العالي إذا وصلت الزلزلة إلى مصر! ولم يحدث ذلك؛ لكن كابوس زلزال كهذا مازال مؤرقاً.

وقد أدت ثورة البركان اليمني في «جبل الطير» إلى تجديد حضور ذلك الكابوس الأناضولي في الأذهان.

والأرجح أن التقاطع الجغرافي بين بركان «جبل الطير» و»الفالق الأناضولي» يعطي مبرراً لمثل تلك المخاوف.

إذ يشير الثوران البركاني في اليمن الى أن تلك المنطقة ما زالت مُرشحة لأن تشهد حراكاً قوياً للصفائح التكتونية المتقاطعة فيها، ما يعني أن استقرارها ما زال مُهدّداً!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى