الحفاظ على الوحدة بين منطق القوة ومنطق الشراكة!

> عبدالعزيز البغدادي:

> هل آن الأوان كي ندرك أن تغليب العاطفة على العقل في أي عمل سياسي أو مطلبي يعد سبباً رئيساً في خلق دوامة العنف واستمرارها، وأن هذا المنهج يعد كذلك أهم عوامل خلق المناخات الملائمة لبقاء الفعل أو التأثير الخارجي في صنع الأحداث والتحكم فيها وهو العامل الأقوى والغالب والمتحكم، واستمرار الوطني أو الداخلي هو التابع بصورة مذلة أحياناً أي بدون أدنى شروط للتبعية وإن ادعينا عكس هذا!

طبعا أقصد بالعاطفة هنا الجانب السلبي منها وهو جانب الاندفاع بمحفزات حسية احياناً، وأحياناً ناتجة عن سيطرة الوعي الزائف، هذه هي العاطفة التي أقصدها وليس العاطفة ببعدها الانساني التي لا تخلو السياسة من قدر منها ولو ضئيل، لأني لست مع مبدأ الفصل التام بين الأخلاق والسياسة وإن كانت فن الممكن، لأن معنى كونها فن الممكن لا يعني بأي حال أنها فن الكذب والخداع والابتعاد الكامل عن القيم الأخلاقية، وهذه قضية تحتاج إلى قراءة اشمل!

عموماً لا بد من الاعتراف أن الانطلاق السريع نحو إنجاز الوحدة السياسية في اليمن بصورة دراماتيكية متسارعة عام 1990م قد جاء بفعل العوامل الخارجية التي ما تزال المسيرة للعوامل الداخلية وآخذة بزمامها، وهذا يعد سلاحا ذا حدين سلبي وإيجابي، في بعده أو حده الايجابي فإنه قد حقق للعاطفة الوطنية - إن جاز التعبير- حلماً جميلاً وهاماً لو أحسن تطبيق وثائقه!

وفي حده أو بعده السلبي فإنه يجعل هذا المكسب الوطني عرضة لأي هزة ناتجة عن تغليب المصلحة الخارجية التي تقاطعت في لحظة تاريخية معينة مع المصلحة الوطنية فولدت الوحدة، إذ قد تأتي لحظة تكون المصلحة الخارجية مع التجزئة، وقد تكون بطريقة أخرى غير التي كانت قبل الوحدة. فالمصالح كما نعلم في تغير مستمر لأن العالم لا ينظر إلى المواقف السياسية على أنها قطع أثرية يجب المحافظة عليها!

لكن الوضع الطبيعي في أي بلد لديه الحرية النسبية أن تكون النسبة الأعلى في عوامل اتخاذ القرار ملك العامل الداخلي، وهذا يتطلب شراكة وطنية حقيقية، أي ليست دعائية أو شكلية، وهنا فقط يكون القرار الوطني الحر نسبيا قادراً على أن يستفيد من العوامل الخارجية، وأن تكون هي صاحبة القرار في صنع الأحداث الوطنية العظيمة والمحافظة عليها.. والسؤال:إذا كانت الظروف والاوضاع العالمية قد خدمت اليمن وساعدته على إنجاز حلم الوحدة السياسية في 22 مايو 1990 في مدة زمنية قياسية، فهل تستطيع القوى الوطنية خلق الشروط والمناخات الملائمة للمحافظة على هذا المنجز؟!

أنا أعتقد أن اليمنيين لو أرادوا بإمكانهم ذلك بشرط واحد، هذا الشرط هو إدراك خطورة أن يبقى الانفعال هو قائد السياسة، وأن القوة ليست الأداة الملائمة للحفاظ على أي منجز مهما كانت عظمته، وهو شرط كما نلاحظ تنقسم تبعاته ومسؤولياته على طرفي المعادلة الوطنية: السلطة والمعارضة، وأن يدرك الطرفان أنهما ليسا كل الشعب اليمني فهناك قسم كبير من أبناء الشعب لا يزال مهمشاً عن السلطة والمعارضة معا، الامر الذي يجعل مصير الوحدة والحفاظ عليها قضية في غاية التعقيد. وأعتقد أن الخطوات العملية لحلحلة ما يجري تبدأ بإنجاز خطط ايجابية على الطرفين الفاعلين وأولهما طبعاً السلطة التي تمسك بزمام ما يسمى بالشرعية، أرى أن عليها الاعتراف أولاً بأن حرب 1994م كانت جريمة كبرى بحق اليمن الموحد بكل المقاييس، وأن الواجب يقتضي الاسراع الجاد في إلغاء آثارها اعلامياً وثقافياً وسياسياً وإدارياً والتخلي التام عن شرعية العنف واستخدام القوة ضد الطرف المعارض، ومحاولة فهم ماذا يعنيه منطق الشراكة في تحقيق الأهداف المشتركة.

وإذا اقتضى الأمر فلابد من أن تكون هناك هيئة وطنية مستقلة للتحقيق في تلك الحرب وأسبابها وتداعياتها، هذه الهيئة لا تشكلها السلطة أو المعارضة على غرار ما فعلته حين سارعت بتشكيل ما يسمى باللجنة الوطنية للحفاظ على الوحدة الوطنية، لأن ذلك عدا عن كونه يؤدي إلى تراكم الاحتقانات وتزايدها فإنه يعكس عدم الوعي وتجاهلا لخطورة الأوضاع، الأمر الذي يدفع بالنتيجة وعلى المدى البعيد إلى تفجير الأوضاع بصورة غير محسوبة النتائج! وبالمقابل فإن المعارضة الوطنية لابد أن تلعب دوراً فاعلاً وجاداً في خلق التفاف وطني واسع، وتحديد أهدافها بدقة في ضوء التلاحم مع الجماهير، وتطوير عمل أحزاب اللقاء المشترك بما يدفع به نحو دينامية فاعلة، وسرعة في مواكبة التطورات المتسارعة، بحيث تكون لديه مقدرة على أن يكون دوره في الشارع فاعلا أكثر وايجابيا مع التيقظ لأي تصرفات هادفة لاستغلال الظروف المتوترة والمتحفزة للفوضى وجعلها مبررا لاتخاذ قرارات ظاهرها الحفاظ على الأمن والاستقرار وباطنها العذاب وخلق الازمات واستمرارها!

إن طرفي المعادلة الوطنية وبقية القوى خارجهما من المعيب عليهم أخلاقياً وسياسياً أن يبقى العامل أو الظروف الخارجية هي صاحبة القرار في تقرير مصير اليمن، وأن يبقى السباق منصباً حول استمالة الخارج نحو هذا الطرف أو ذلك، ويبقى الوطن بكامله هامشيا في صنع الأحداث وفي تقرير المصير أي مصير؟ وإلى أين؟ وبمن؟ وكيف؟ لا يهم مادام هذا المصير سيتحقق!! لا بأس أن تتقاطع المصالح لكن أعتقد أن من الكياسة أن نعرف ما هي مصلحتنا الحقيقية وأين تكمن وكيف تحققها وأي الوسائل أكثر أمنا ونجاعة وما تكاليفها القريبة والبعيدة.

في يوم الاثنين مساء 30 سبتمبر 2007 بمنتدى صنعاء الثقافي الذي يديره الاستاذ على الحبيشي، وخصص له جزءا من منزله كمقر، حضرت أمسية رمضانية تحدث فيها د. صالح باصرة، وزير التعليم العالي والبحث العلمي. والحقيقة أنني تفاجأت بهذه المقدرة على سرد الموضوع وكان عن عدن منذ تكوينها حتى اليوم، وبلغة سلسة وبسيطة وممتعة أيضاً أعطى الحضور نبذه في غاية الأهمية عن هذه المدينة، التي تتمتع بموقع مفصلي في تاريخ اليمن وجغرافيتها وفي وجدانها أيضا، وأثريت المحاضرة بنقاشات مهمة من الحضور.

من أهم الاستنتاجات المنطقية التي توصلت إليها المحاضرة أن عدن تتجاذبها العوامل الوطنية والاقليمية والدولية، وأن العامل الدولي هو السباق في اكتشاف أهميتها الجغرافية، وأن كيانها بالكامل أي بكامل ملامحه الجغرافية والسكانية والاجتماعية يجعلها مدينة يتداخل فيها العالمي مع الوطني، مما يجعل الحفاظ عليها وجعلها أكثر التصاقا بالوطن والاهتمام الكامل والجاد بها من جميع الجوانب: التخطيط، المعمار، الإدارة، المجتمع هو المدخل لتعميق الصلة الحقيقية بها، وحياة هذه المدينة عبر تاريخها نموذج للوطن اليمني بكامله، نموذج لهذا التداخل بين الوطني والدولي الذي يتطلب من قبل السلطة الحاكمة اليوم أكثر من أي وقت مضى إحساساً بالمسؤولية وجدية في التعامل مع ما يجري وابتعاداً عن المكابرة والاستعلاء والتسلط وإدراكاً من قبل المعارضة بخطورة الوضع!!

وهذا قد يجعل تأثير العامل الخارجي محدود الأثر وفي حدود المقبول والمعقول اسوة بباقي بلاد الخلق، التي تكون فيه المصلحة الوطنية هي الغالب على مصالح الشركات الأجنبية والدول المهيمنة، التي تسعى لجعل مصالحها في الدول المتخلفة فوق كل اعتبار، وتحققها (أي مصالحها) سواء عن طريق وحدة مضمونة النتائج والسياسات أو المتاجرة بالصراع والانفصال والحروب الطائفية، فهي تتاجر بالوحدة وتتاجر بالانفصال وتتاجر بالحرب وتتاجر بالسلم وبكل ما يخطر ولا يخطر على البال، وهذا لا يعنينا أن يكون عيباً أو لا يكون بالنسبة لهم، المهم نحن وعيوبنا ورؤيتنا لمصالحنا!

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب عيب سوانا

وإن جلد الذات ينبغي أن يكون أحد أساليب العلاج لا أن يبقى الداء، وبئس الداء!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى