ورقتان للذكرى وثالثة للتاريخ: الطالب الفقير والمدارس الأهلية وفلسطين

> عبدالله الأصنج:

> القضاء العادل - الأولى ..كانت عدن المستعمرة البريطانية منارا ومحطة للعلم والنضال والتعارف بين اهلها وكل من وفد اليها من محيطها اليمني او قدم من خارجها العربي والآسيوي والاوروبي، وفي عدن كان الجميع ينعمون بالرزق الحلال وبالامن والامان والنظام والعدل في ظل سيادة قانون وقضاة لا يجد أهل الفساد والرشوة طريقا سهلا اليهم. فكلمة القاضي في المحكمة الابتدائية والمحكمة العليا والاستئنافية كانت هي القول الفصل لا يغيرها المندوب السامي البريطاني ولا مدير عام الامن والمباحث، بل لا يتدخل في شئون القضاء أي كان من الوجهاء أو الاثرياء ولا السلاطين او المستوزرين. كان قضاء نزيها وعادلا يحترمه ويدافع عنه المواطن والمقيم وكانت أحكامه تنفذها اجهزة أمن ينوب عنها شرطي غير مسلح وسيارة (شبك) تقود المحكوم عليهم بالحبس عند انتهاء دوام المحكمة إلى السجن بهدوء وتخترق بهم طريقا يكتظ بالمارة والسيارات دون خشية من اعتراض عسكور متنفذ. كان القانون عادلا دون لبس في التفسير وسائدا على كل السلطات ومستقلا عن التدخلات، وكان القاضي الهندي أو الانكليزي وفي مرحلة سبقت الاستقلال ببضعة اعوام العدني سلول ومحمود لقمان وصولي وأشرف خان وسعيد حسن صحبي وعوض مبجر يتمتعون بصلاحيات متساوية مع القضاة الانجليز، والقاضي منهم يصدر احكامه ويقضي بين المتخاصمين بحرية ونزاهة وشفافية ولا يستقبل متهما ولا محاميا للخوض في قضية قيد النظر. وكان لقاضي المحكمة في عدن خارج قاعدة محكمته مكانة خاصة ورهبة في نفوس الناس، كيف لا وهو يقضي بين الناس بالعدل والحق ولا سبيل لترويعه وتهديده بالوعيد او بإغرائه برشوة او بنزوة او بترقية إلى درجة اعلى براتب أكبر. والحقيقة كم يتمنى المرء أن تعود به ايام خلت كان القضاء فيها شامخا ومستقلا والقانون سائدا والامن مستتبا دون حاجة لدوريات مواكبة ولعلة الرصاص ومداهمة البيوت الآمنة والبسط غير المشروع على المال العام وأراضي الدولة وتنفيذ اعتقالات لأصحاب الرأي والفكر من حملة اقلام (للكتابة ويافطات للتعبير عن الرأي) وما أكثرهم في ظل الاستقلال والتحرر وسبتمبر واكتوبر والوحدة.

أهل الإحسان - الثانية

في ذات يوم من أيام الماضي التليد اجتمع في عدن المحروسة بأهلها وبالمقيمين فيها من بلاد العرب والمسلمين ودول الكومنولث البريطاني حيث أسسوا مجتمعا متسامحا ومنفتحا ومتكافلا افراداً وجماعات، وعاش فيه العرب والهنود والباكستانيون والقليل من اليهود والصينيين والفرس في وئام وأمان وحقوق متساوية وفق قوانين تنظم وتحكم العيش المشترك.

واتجهت الجاليات نحو العناية والاهتمام بالتعليم لابنائهم والى جانب المدارس الحكومية التي انشأتها الحكومة البريطانية في كريتر والمعلا والتواهي والشيخ عثمان كانت هناك المرسة المحسنية في سلطنة لحج ومدرسة جبل حديد الخاصة بأبناء السلاطين، وفي وقت لاحق تأسست مدارس أهلية وخاصة.

وكان الشيخ الجليل علي محمد عمر بازرعة أول من اسس على نفقته الخاصة مدرسة بازرعة الخيرية للمرحلتين الاعدادية والمتوسطة، وقد التحق بها كثيرون ممن لم تتوفر لهم فرصة دخول المدارس الحكومية وأذكر منهم عبدالله وعلي وابوبكر باذيب وياسين عبدالله فارع وياسين مكي وصالح محمد فضل وعبداللطيف وعمر كتبي ومحمد عبدالوهاب الشودري.

وقام الحاج ياسين راجمنار بتأسيس اول معهد للعلوم التجارية (الاختزال ومسك الحسابات والضرب على الآلة الكاتبة). ونشطت الارسالات التبشيرية المسيحية وأقامت مدارسها في كريتر والتواهي والشيخ عثمان.

وكان لليهود في كريتر مدرسة للبنين وأخرى للبنات. وأنشأ الهندوس مدرسية ثانوية متطورة في بداية الخمسينات. وتحرك الاستاذ أحمد محمد نعمان في أوساط اثرياء تعز الاحرار، وأذكر منهم الحاج هائل والحاج شمسان عون والحاج محمد عثمان ثابت والشيخ الغيور سلام علي ثابت والحاج أحمد عبدالله الدبعي وعز الدين عبدالصمد والشيخ محمد علي المقطري، وشيدوا كلية بلقيس في الشيخ عثمان وتولى إدارة التعليم فيها الاساتذة الرواد حسين علي الحبيشي ومحمد أنعم غالب وعبدالعزيز عبدالغني. وكان الشيخ الجليل محمد بن سالم البيحاني الكدادي قد تمكن من مشروع تعليمي كبير حين جمع الأموال اللازمة من تجار عدن ومن السعودية والكويت والبحرين وأقام المعهد العلمي الذي ضم بين هيئة التدريس فيه نخبة من الاساتذة أذكر منهم محسن العيني وأحمد المروني وأحمد بن أحمد ثابت ورئيس البنك الاسلامي في جدة اليوم الدكتور أحمد محمد علي وآخرين.

وتتالت المبادرات فأقام رجل الخير الكبير عبده حسين أدهل على نفقته الخاصة مدرستين واحدة في الشيخ عثمان تولى إدارتها المناضل ادريس حنبلة، والثانية في فقم. وأقام الحاج حمزة محمد ناصر والدحان ومحمد علي باشراحيل وعبده غانم والاغبري وعمر قاسم المدرسة الاهلية في التواهي التي تولى ادارتها الاستاذ إبراهيم حمزة وخلفه الاستاذ أحمد عبده حمزة. وتلقى التعليم في هذه المدارس التي شيدها المحسنون كثيرون من رجالات الجنوب والشمال جنبا إلى جنب.وكانت مدرسة انجمن الاسلامية للناطقين باللغة الاردية قد اقيمت لتعليم الاطفال المسلمين الهنود في عدن في وقت مبكر حيث تلقوا تعليم القرآن الكريم وأصول اللغة الاردية ومبادئ الحساب.

وكان الشيخ عبدالقادر بارحيم والاستاذ محمد سالم علي عبده والمحسن الكبير أمين قاسم سلطان ومعهم سعيد العكبري قد اسسوا مشروع الدفتر للطالب الفقير، وكانت مبادرة رائدة خففت من معاناة أهالي الطلبة الفقراء في تأمين متطلبات التعليم والدراسة.

أنصار نجدة فلسطين - الثالثة

احتلت قضية فلسطين المقام الاول من تضامن واهتمامات الجماهير في المدن العدنية، واندفع الجمهور الغاضب من جرائم الارهاب الصهيوني في فلسطين إلى إشعال الحرائق في بيوت اليهود في كريتر والشيخ عثمان.

وفي هذه الأثناء بادر التجار العرب في لقاء تاريخي دعا إليه منصب عدن السيد العيدروس ومعه كبار العلماء البيحاني وباحميش والجفري والبطاح وشيخ البهرة نورالدين علم الدين إلى تشكيل لجان جمع تبرعات لفلسطين، وقدم الشيخان علي محمد بازرعة وسعيد بن أحمد بازرعة وأحمد علي يحيى اليافعي ومحمود فكري وعلي اسماعيل تركي وعلي محمد ذيبان وعبده حسين أدهل ومحمد علي المقطري ومحمد عوض باوزير وسعيد عبدالله خليفة واسماعيل خدابخش ومحمد عبدالله المحامي وعلي محمد الجبلي وعلي حسين الوجيه وسالم باعبيد وعلي عبيد الصافي وناخودة وحمزة محمد ناصر ومحمد علي سعد والمحبوب والعراسي والقرشي والحريبي ومحمد حسن خليفة والثور وفقيرة وعلي عبدالله وعمر قاسم العيسائي وخالد عبداللطيف الحمد الكويتي وشفيق السوري وعلوان والشطفة والمحضار وصالح وعبدالله بارحيم وسالمين وعوض باسنيد وأحمد عبدالله الدبعي والشيخ كامل صلاح وباهارون وعبدالقوي خليل والحريري وهائل سعيد وجعفر ميرزا وحسن زوقري وعلي محمد ناصر والجاوي والنيقة وأحمد يوسف خان وحمود الهاشمي وزكو زكريا وآدم علي وعلي إبراهيم نور وعلي امان والقربي وسالم داعر وإحسان الله وسالم الكاف وآخرون أعتذر عن عدم ذكرهم، قدموا اموالا بسخاء. وتكررت مبادرات أهالي عدن لنصرة ضحايا العدوان في حيدر اباد وكشمير في الهند وزنجبار في شرق افريقيا وبورسعيد في مصر.

هذه هي عدن قبل ثورتي سبتمبر 1962م واكتوبر 1967م قلعة نضال وصمود..وكما يعرفها أهلها وكما يسمع ويقرأ عنها العرب وغير العرب في مؤلفات لقمان والأصنج والريحاني وباكثير وبامطرف وشكيب ارسلان وعبدالعزيز الثعالبي ومحمد علي الطاهر والحبيب بورقيبة.

فما هو يا ترى حال عدن اليوم؟ هذا ما سوف نتناوله في أوراق قادمة إن شاء الله.

E-mail: [email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى