راهن الوطن لا يحتمل التهريج والتطبيل

> علي الجبولي:

> تأتي الاحتفالات بأعياد الثورة اليمنية لهذا العام في ظل متغيرات وطنية أكثر قتامة، بأت معها راهن الوطن لا يحتمل مزيداً من خطب التضليل، ولا الأغاني الصاخبة بالتطبيل، فالاعياد الوطنية ليست مناسبات لأناشيد ترقيص العواطف، ولا هي مواسم لقذف المعارضين بالتهم السقيمة، بل هي مستحقات من التنمية الحقيقية والتخطيط والأمن والأمان للإنسان. ولكن طيلة 45 عاما من الشعارات والوعود الفضفاضة، لا الأهداف الستة لثورة سبتمبر تحققت، ولا طموحات الاستقلال رأت النور، ولا جذور الوحدة ترسخت على مدى 17 عاماً من خطب التهريج.

منذ انتخابات سبتمبر 2006م والوطن لم يتقدم خطوة واحدة نحو دولة النظام والقانون المنشودة، بل أثخن جسده بأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة وجدّ خطيرة أجبرت الشارع الشعبي على غليان تحول فيه المواطن العادي إلى معارض أكثر من المعارضة الحزبية، التي اقتصر جل مطالبها على تصحيح آلية الانتخابات. بل برزت أزمات جديدة أخطر وأعقد تنذر بإغراق الوطن في مستنقعات النهب والبطالة والانفلات والاحتراب القبلي، في حين يواصل الفساد تعطيل حركة التنمية بكل قوة لن يجدي معها تعيين أجهزة شكلية تحت مسمى (هيئات) لمكافحة الفساد.

لا يقف الأمر عند هذا بل تسارع بروز أزمات جديدة ومخيفة خلال عام مضى. نظام يدعي الديمقراطية لا يتورع عن تجريد حملات عسكرية تزهق مئات المدنيين والعسكريين في صعدة، وقمع وقتل المعتصمين المطالبين بالحقوق في عدن وحضرموت والضالع، وقمع الصحف والصحفيين والزج بمئات المعارضين وأصحاب الرأي في السجون.. ليصل الأمر إلى التهديد بتوزيع سلاح الاقتتال الأهلي.

تردي أوضاع الوطن إلى منحدر كهذا يكشف أن الحكم لم يغادر شرنقة عقدة حماية أمن الوطن وثوابته من المؤامرة الخارجية، التي تأصلت في ذهنه حتى غدا من الصعب التخلص منها في قريب منظور، مع أن الجميع يدرك أنه ليس في الافق عدو خارجي يهدد الوطن، ولكن ثمة تورما داخليا باللا استقرار وأزمات داخلية قديمة جديدة تبدد موارد شعب منهك بالفساد والجوع والمرض والظمأ. هناك مشاكل داخلية تقود إلى مشكلات طويلة ومتعددة تهدد بتقويض استقرار الوطن وتبديد موارده بعيداً عن أولويات التنمية.

تلك المشكلات يسهل معالجتها إذا ما توفرت الارادة السياسية الصادقة وحفزت ملفات مهمة في أجندة الازمة لكشف كنهها الآن وليس بعد تفاقمها وفوات أوانها، كما حدث لملفات المبعدين والمتقاعدين قسراً من القطاعين العسكري والمدني. ولا تأتي المعالجة بالشعارات والخطب وطقوس الزار، ولا بالرشى وتوزيع وظائف عامة لدافعي الرشوة والمقربين والمحسوبين، ومناصب لمن لا يفقهون ابسط مبادئ إدارتها، ولكن بالإقلاع عن الاستعلاء ولغة التهديد والتخوين وبإدارة تتسم بالشفافية وكفاءة التخطيط.

لقد ضاقت سبل العيش حتى بأطفال الوطن الذين يهربون إلى أسواق النخاسة خارج حدوده، ويئن أبناؤه من الفساد والفقر والبطالة، في حين يغرقه حكامه مع كل مناسبة وطنية ببذخ الخطب وهبات الإفساد وشراء الذمم والموالي، وبالمقابل يرفضون شفافية المال العام ومحاسبة الفاسدين. من ثنايا هذه الحالة السديمية تتبدى في عمق أعماق بؤس الوطن مافيا الفساد والمترفين تنهب موارده وأراضيه بنهم مريب لم تسلم منه حتى اعتمادات مشاريع الخدمات التي يتصدق بها المانحون. كل هذا يغذيه ويحميه تعطل القوانين ومبادئ تكافؤ الفرصة وتهميش الكفاءات المؤهلة وتهديد بتوزيع السلاح الموزع أصلاً لقتل كل من يصرخ مطالباً بفرصة عمل مستحقة أو بحق مسلوب أو يتوسل بوقف غلاء لقمة العيش. إن التهم السقيمة التي أدمن الحكم على قذفها في وجه كل من يتجاسر بنصحه لإنقاذ الوطن لم تعد اليوم سوى مثار سخرية وازدراء الداخل والخارج معا. فهل يفيء الحكم إلى رشده ويشرع في إصلاح مسار وحدة الوطن وإصلاح أوضاعه قبل أن يتردى إلى منحدر لن ينفع معه الندم؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى