وثيقة السلطة مع السكر

> عمر حفظ الله الكميم:

> بتلهفه على اللحاق بموسم جني المكاسب الوهمية، وقع الأستاذ عبدالله الأصنج في عدد من التناقضات التي زخر بها مقاله في صحيفة «الأيام» في الثاني من أكتوبر.

تزاحمت تناقضات الأستاذ الأصنج على محورين، أولهما بين فقرات المقال، حيث تدعو فقرة إلى اتجاه معين، ثم تأتي فقرة أخرى في الاتجاه المعاكس، أما محور التناقضات الثاني فهو التعارض الصارخ والفاضح بين ما يطرحه الأصنج في مقاله وبين ما هو معروف عن ممارساته بما لا يتيح له استغفال من لم يعاصروه من جيل الشباب.

ورغم أن المقال استهل بما يشبه تعبئة استمارة طلب وظيفة استشارية، وانتهى برسالة ضمنية موجهة لأطراف محلية وإقليمية ودولية، فإن أهم تناقضات المقال أن كاتبه يدعو في العنوان وصلب المقال إلى اعتماد وثيقة العهد والاتفاق كمخرج لفنتازيا الأزمات، ولكنه في موقع آخر في المقال يقر بأنه استنكف وتأفف وتعلل عن المشاركة في تلك الوثيقة في حينه، واعتبرها والمشاركين في التوقيع عليها وشهودها (سلطة روسية مع السكر) أي أن الأستاذ الأصنج اعتبر تلك الوثيقة مزحة سمجة في 94م، أما الآن فهي بلسم شاف وعصا سحرية لحل الإشكالات كافة. في زخم تناقضات الأصنج نرى أن الأستاذ عبدالله يعلم أموراً كثيرة منها تفاصيل علاقة الرئيس بمستشاريه ومن حوله، كما يعلم الجهات الخارجية والدول التي تدعم الرئيس (ولا أدري كيف تقوم دولة مثل اليابان بتقديم دعم شخصي للرئيس) ويعلم الأصنج كذلك تفاصيل عمل لجان الوساطة بشأن التمرد الرجعي، ولكنه بالمقابل لا يعلم شيئاً البتة عن أسباب ومبررات التصدي للخارجين عن الدستور والثوابت الوطنية في صعدة.

في موضع آخر من المقال يقر الأصنج أن برنامج الأخ الرئيس الانتخابي شكل عقد ولاية ل يجوز القفز عليه، ولكنه يريد القفز إلى الوراء على هذا العقد بالدعوة إلى وثيقة تتعارض مع كل أساسيات العقد المذكور، وبناء على ذلك يعتبر الأستاذ الأصنج أن من أسماهم بأهل الحل والعقد آنذاك وحتى الآن هم أهم وأجدر من أصوات 77 % من الناخبين الذين شكلوا طرف عقد الولاية الذي يتمسك به الأصنج في سطر من مقاله وينقضه في سطر آخر. يتحدث الأستاذ الأصنج عن الفساد والتنفذ، ولا أدري ما هو أكثر فساداً من استبدال شرعية شعبية كاسحة عبر صناديق الانتخابات بحفنة من أهل الحل والعقد يختارهم الأصنج وينعم عليهم بتضمين أسمائهم بنية إشقائهم في تشكيلته الاستشارية ولا يعلم أحد صوتاً أكثر نكراً من نهيق استجداء المظلة الإقليمية والدولية ضمن سيناريو إغواء رخيص على الطراز (الجلبي).

ما سبق يتعلق بتناقضات فقرات المقال، أما محور تناقضات القول والفعل، فهي معروفة لا تنطمس من ذاكرة من عاصروا وتعاملوا مع الأستاذ الأصنج خصوصاً في النصف الأخير من عقد السبعينات، عندما كان حاكماً بأمره يدخل إلى القيادة العامة في صنعاء مصطحباً عدداً من الأشخاص ولا يخرج إلا وقد حصل لهم على قرارات تعيين كوزراء أو وكلاء وزارات على أقل تقدير، أيامها كان الأصنج يعتبر (العسكور) والجهات الأمنية وطنية وشريفة وشرعية لأنها تنفذ رغباته وتقع في وهم أنه الصمام الأحادي التمرير لغربلة وتصنيف الأخوة القادمين من الشطر الجنوبي آنذاك. لو أن رئيس مؤسسة خدمية أو إنتاجية عامة أو مختلطة بلغت به الصفاقة اليوم أن يستدعي (بالأمر) عدة وزراء إلى مكتبه لضجت الصحف أو وسائل الإعلام على مثل هذا التصرف الوقح وعلى ما يتعرض له الوزراء من مهانة ومذلة لينصاعوا لأوامر رئيس مؤسسة يفترض أن يكون حسب التسلسل المؤسسي تابعاً لوزير، أما الأستاذ الأصنج وهو رئيس مؤسسة فقد كان يستدعي بالأمر عدداً من الوزراء إلى مكتبه في إجراء مهين يتعارض مع أبسط مبادئ التعامل والبناء المؤسسي، ولم يخطر على بال أحد الوزراء المعنيين آنذاك الدعوة إلى احتجاجات وتظاهرات واللجوء إلى المظلة الإقليمية والدولية لرفع المهانة والذل عن هيبة وموقع الوزير، ولم يفكر أي صحفي أن يستنكر مثل ذلك الإجراء تحاشياً لما قد يتعرض له من الأذرعة الأمنية والعسكرية للأصنج، فأين هذا السلوك وهذه الممارسة مما ورد في المقال، وهل الوطنية حقاً هي مراهقة سياسية مبكرة.

أكثر ما لفت نظري على الصعيد الوطني والشخصي في مقال الأستاذ الأصنج هو أنه استبدل السلطة الروسية مع السكر بسلطة أخرى ربما بالتوابل هذه المرة يعدها هو شخصياً، ورغم أن مقاديرها المتمثلة في قائمة الأشخاص مقبولة في معظمها إلا أن الاستفسارات تحوم حول طريقة الإعداد وموقع المطبخ ودرجة الحرارة المطلوبة لإنجاز هذه الوصفة غير الرمضانية. ولعل إدراج اسم الأخ محمد باشرين في هذه التشكيلة التفاوضية يمثل أقصى درجات التناقض بين القول والفعل، فإذا كان المقصود هو الأستاذ الفاضل القدير محمد سعيد باشرين (أبوعلي) فلماذا لم يمر هذا الاسم الذهبي على خاطر وناظر الأستاذ الأصنج على مدى ثلاثة عقود لا سيما إبان أوج نفوذ الأصنج وقدرته على التعيين والعزل؟ أليس التناسي الطويل لاسم محمد سعيد باشرين، المناضل النقابي المخضرم والموسوعة المعرفية والثقافية الراقية والنموذج الحي للنزاهة والعفة والتمكن الإداري، من ضمن الممارسات الشيطانية الخرساء؟ فقد كان بإمكان الوطن الاستفادة من أمثال (أبوعلي) إلا أن الفارق الشاسع بين (أبوعلي) والأستاذ الأصنج هو أن الأول لا يملك ولا يسعى إلى خارطة طريق ملتوية للتسلق على مصالح الوطن وأكتاف الآخرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى