(فاروق) يعيد الاعتبار للفن

> سعيد عولقي:

> لم يكن إنتاج عمل تلفزيوني مثل (مسلسل الملك فاروق) مسألة سهلة في مجتمعنا العربي، الذي تعود فيه الناس على الأخذ بالرأي الجاهز إما أبيض وإما اسود ولا مساحة أو هامش أو تفاهم وحوار وإجراء مزج بين اللونين.. وقد قال كثيرون - ولهم الحق فيما قالوا - إن النظام السياسي الذي جاء بعد فاروق قد حرص على أن يصور له ولعهده كل ما يمكن العثور عليه من مساوئ وإذا وجد فلا بأس فوق ذلك من إضافة المزيد من البهارات والتوابل وأي شيء من شأنه أن يجسد الشيطان في صورة ذلك النظام الذي ساد ثم باد.

هكذا عندنا نحن العرب .. ما إن يسقط الحاكم عن عرشه حتى تتحول نحوه كل أسنة الأقلام والرماح لتجهز على بقيته وعلى ذكراه في عملية تزييف رخيصة للتاريخ لا ينضب وقودها .. هذه (النفسنة) أو محاولة فرض تاريخ المنتصر عطلت دورة الفن وواجبه في تناول التاريخ البعيد والقريب في اعمال فنية تسجل للأمة تراثا من المجد في حياد ونضج سياسي وأدبي لا يترك للعابثين والمطبلين أن يندسوا في كل شيء جميل ليحرفوه عن مساره ويلفقوا له من السير ما يحط من قدره ويدمره، وتأتيك العراقيل من كل حدب وصوب للحيلولة دون إنتاج اعمال جادة مثل هذا من أناس وجهات ليس لها همّ إلا تكميم افواه البشر وربط عيونهم .. وإذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا رميهم في الجب وحاليا زنازين السجون.

إن ما يفطر القلب ألماً هو أن يتعرض كتاب مثل الف ليلة وليلة للرقابة من قبل أجهزة المباحث الثقافية للدولة - سواء في الدول المعممة أو المبرنطة أو المحجبة أو المشجبة - وأن يكون قرارها بعد الرقابة هو المنع .. نعم أي والله المنع!

في أوضاع ثقافية وفنية متردية في زمننا هذا .. كيف يمكننا الاستفادة من الامكانيات التقنية الخرافية المطروحة أمامنا؟ إننا إذا نظرنا إلى مجال واحد هو مجال انتاج الأعمال التلفزيونية الراقية أو على الاقل تلك التي على مستوى من الرقي مرتفع عن الهبوط والرخص .. لرأينا صورة باهرة لحركة التغيير.. فإذا اضفنا إليها معدلات التراكم وتأثيراتها المتبادلة في كل النواحي بقدر كاف من الجد والثقة وشبه اليقين لرأينا أن هناك من المرجعيات الكثير مما يدفعنا إلى التخلف أو على الاقل الوقوف محلك سر .. ونرى كم يجعلنا هذا نفهم صعوبة استطلاع المستقبل لأن الفواصل الرئيسية في الزمن تعني الانتقال من قرن إلى قرن، ناهيك عن أن الانتقال من ألفية إلى ألفية بنفس عقليات اجازة كتاب ألف ليلة وليلة أو منعه من التدوال يبين مدى فداحة الكارثة التي تئن تحت وزرها الثقافة - وفي هذا الزمن يبدو أن التلفزيون والشبكات الكونية هي سيدتها - وأقصد أن الوزر الذي تئن تحته الثقافة هو نفس الوزر الذي تئن تحته محطات التلفزيون وشبكات (النت)، بمعنى أن تلك الثقافة التي نعتز بها وغيرها يمكن أن تكون المحطات التلفزيونية اللي مافيش أكثر منها هي الوعاء المناسب والأقرب إلى النفس .. فيا ليتنا نرى أعمالا فنية على نفس المستوى مثل مسلسل (فاروق) ومسلسل (باب الحارة) ومسلسل (الظاهر بيبرس)...إلخ .. وحتى مسلسل نور الشريف الأخير (الدالي) قدم بمهنية راقية وعلى مستوى رفيع من الإتقان برغم توليفته المتأثرة بالأعمال الهوليودية وأبرزها العمل الخالد (الأب الروحي).

أخيراً .. أقول إن الذي يجب أن نستوعبه هو أن الزمن مسار تشتد الحركة عليه أو تهدأ يتسارع إيقاعه أو يبطئ، لكنه تيار متصل متدفق وهو غير قابل بالطبيعة لأن ينقطع .. وإذا تصورنا أننا أمام جديد لا علاقة له بما سبقه وظننا أن لا علاقة لنا به .. إذن فإننا نحتاج إلى مراجعة قوانين الحياة ذاتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى