مرة أخرى ليس دفاعاً عن الأصنج

> فريد بركات:

> أثار استغرابي للمرة الثانية أن تتقدم السلطة في بلادنا -أو أنها ستتقدم - بطلب إلى المملكة العربية السعودية وإلى الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) للقبض على الأستاذ عبدالله عبدالمجيد الأصنج، المعارض السياسي اليمني المعروف، ووزير الخارجية والمستشار السياسي السابق لرئيس الجمهورية اليمنية، والمناضل الوطني والقائد النقابي البارز في فترة الخمسينات والستينات، فترة الكفاح التحرري الوطني في الشطر الجنوبي ضد الاستعمار، واستكمال مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، التي لم تنجز مهامها البرجوازية الديمقراطية بعد، لأسباب عدة ليس هنا مجال تفصيلها لاختلاف طبائع موضوعاتها ومهامها المنهجية بعضها عن بعض، وتراجع مدها الوطني وطابعها الثوري الديمقراطي بفعل عوامل محلية ودولية أجهضت مد الثورة الوطنية الديمقراطية في اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي، رغم ما حققته ثورة الرابع عشر من اكتوبر المجيدة من إنجاز ثوري تحرري وطني تمثل في تحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الاجنبي، وانتزاع الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م، بعد تضحيات جسام.

وفي الحقيقة لا المملكة العربية السعودية الشقيقة ولا (الإنتربول) يمكن أن يستجيبا لهذا الطلب الغريب الخالي من التشخيص العياني للأفعال التجريمية في إطارها المرجعي القانوني الشرعي، الذي في ضوئه تتحدد الأفعال والأدلة والاتهامات الموجهة للشخص المطلوب القبض عليه وتسليمه للجهة الطالبة، استناداً إلى الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين. ناهيك عن أن هذا يحدث للمرة الثانية بالأسلوب الغرائبي عينه وبالوسائل البهلوانية عينها!.

وفي ضوء ما تقدم، يبرز السؤال التالي: هل الأستاذ عبدالله عبدالمجيد الأصنج مجرم حتى تطالب الجهات الرسمية في بلادنا بالقبض عليه وتسليمه لها، تنفيذاً لاتفاقيات تسليم المجرمين- التي أشارت إليها هذه الجهات الرسمية- إن وُجدت هذه التسمية النصية بين هذه الأطراف؟!

وفي هذه الحال، ألا يحق لنا جميعاً - في ضوء مصطلح الشفافية المستخدم كثيرا هذه الأيام - أن نتعرف على الجرائم التي اقترفها الأستاذ عبدالله عبدالمجيد الأصنج في حق بلده وأهله ووطنه؟!

إن ما يؤسف له هو أن السلطة في بلادنا (تُفصّل) التهم تفصيلا ضد الآخر المختلف بمزاجية تُحسد عليها، فهذا خائن وذاك انفصالي وهذا مجرم، لمجرد أنه لا يتفق مع طروحات السلطة ومواقفها ورؤاها السياسية، في كثير وقليل من الأمور والقضايا الوطنية المتعلقة بالوطن والمواطن اليمني وحقوقه! وبدلاً من الإقدام بجرأة وصدق وشجاعة على معالجة الأخطاء والاختلالات والشروخ البنائية الهيكلية في الصرح المجتمعي اليمني، التي رافقت قيام دولة الوحدة الوليدة - ولا سيما منذ عام 1994م حتى يومنا هذا - ليتماسك الكيان المجتمعي الجديد، ويتحدث ويتعصرن بالقضاء على هذه الاختلالات والشروخ البنائية، التي شاخت بفعلها دولة الوحدة قبل أوانها، تدفن السلطة في بلادنا رأسها في الرمال كالنعام غير آبهة بالهيكل الذي ينهار من حولها وكأنها هي الفرقة الناجية الوحيدة التي ستحكم الكون وحدها بعد زوال جميع سكانه! والأدهى من هذا كله أنها تصر على قلب الحقائق وتجميل المشهد المأساوي الذي تبدعه ريشتها السريالية خارج المكان وإيقاع الزمان الواقعي المعاصر.

إن التهمة الوحيدة هنا، التي يلتقطها القارئ والمتابع الحصيف، هي تهمة الكتابة التي اقترفها الأستاذ الأصنج عن سابق قصد وترصد. ولو كان موجوداً هنا داخل اليمن لطُبّق عليه حد (اللبج) المنصوص عليه في سِفْر عرف القبيلة على النحو التالي: (من كَتَبَ لُبِجْ)! ولكن لأنه في الخارج فقد حدث تعديل طفيف على هذا النص مؤقتاً، مفاده إلقاء القبض عليه وتسليمه أولاً ومن ثم تطبيق الحد العرفي القبلي عليه (باللبج) بعد الاستلام! لاقترافه جريمة الكتابة المحرمة تحريماً باتاً في إيقونات وشرائع وأعراف القبيلة القادمة من خارج المجتمع والتاريخ البشري.

إذاً.. ما الذي تعنيه حرية التعبير، وحرية الإنسان، ومفردات الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتحرير الإنسان من الخوف، وهي الجمل والمفردات التي تلهج بها السلطة في بلادنا صباحاً ومساء؟! ألا يدل هذا على حالة انفصام سيكولوجي (شيزوفرينيا) تعيشها السلطة في بلادنا؟! فهي من ناحية تصر على أنها نظام سياسي ديمقراطي لا يكمم الأفواه، ولا يمارس إرهاب الدولة ضد مواطنيه، ويسمح بالتعددية السياسية والحزبية والفكرية، وبحق التعبير السياسي والحزبي والفكري والصحافي...إلخ، وهي من ناحية أخرى تلاحق الصحافة والصحافيين والكتاب، والناشطين السياسيين، وتجرجرهم إلى نيابة المطبوعات والمحاكم وتسجنهم وتجرّمهم، كما حدث مؤخراً للأستاذ الأصنج الذي (اقترف جريمة الكتابة!) بمقاله الأخير المنشور في صحيفة «الأيام»، الذي طالب فيه بالعودة إلى وثيقة العهد والاتفاق، والتحاور مع عدد من القيادات السياسية الوطنية الجنوبية، الموجودة في الخارج، كحل سياسي واقعي يحول دون تواصل الاحتقانات وانتشارها في المحافظات الجنوبية والشرقية.

على أنني هنا أربأ بالرئيس علي عبدالله صالح أن ينجر وراء بعض الناصحين من حوله،ممن يزيدون الطين بلة بنصائحهم ومشوراتهم الغرائبية الموتورة، وأنصحه بتواضع جم أن يعمل بجدية بمقولته التي يكررها دائماً، وهي أن علاج أخطاء الديمقراطية لا يكون إلا بمزيد من الديمقراطية، وأن يواجه الأحداث الجارية جميعها في بلادنا سواء ما يتعلق منها باستحقاقات ما أصبح يُعرف اليوم بالمسألة الجنوبية بخاصة، التي يرتبط مدخلها الرئيس بمضوعية إزالة آثار حرب صيف عام 1994 الاهلية، وإجراء مصالحة وطنية يمنية بين أطراف الحرب، المنتصرة والمهزومة، أم بالاستحقاقات الوطنية بعامة، واعتماد مبدأ الحوار الجاد المسؤول منهجا وحيدا لمعالجة كل تلك القضايا الوطنية المختلفة، لإحداث إصلاحات حقيقية في جميع المجالات والمستويات، بنفَس ديمقراطي واقعي عقلاني يقود إلى إعادة بناء ديمقراطي واقعي عقلاني لمجتمع ودولة الوحدة اليمنية، للحفاظ على الوحدة اليمنية بمنظور ديمقراطي واقعي عقلاني مختلف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى