خطبة الحرب

> محمد علي محسن:

> خطبتا صلاة عيد الفطر هذا العام أخذت حيزاً واسعاً من الاهتمام وتسليط الضوء من الإعلام الرسمي وبالذات القناة الفضائية اليمنية التي أفرطت بكرم لا نظير له في تناولها خطبتي العيد الملقاتين في حضرة الرئيس من قبل الوزير الأسبق للأوقاف الدكتور ناصر الشيباني في مدينة تعز.. خيل لي الخطيب وطريقة إذاعة النبأ لخطبته وكأنه الفاتح للأندلس موسى بن نصير أو القائد لجيوش الفتح طارق بن زياد وشعاره الشهير (البحر من خلفكم والموت من أمامكم) كذلك كان الشيخ وهو ينفخ نفير المعركة المقدسة للحفاظ على الوحدة، فمن منبره أطلق صرخته الشبيهة بصرخة بابا أوربان (هكذا أراد الله) في الحرب الصليبية على الإسلام في الشرق بحجة تحرير هذه الدول وإعادتها لحظيرة المسيحية، حيث رأيناه مستصرخاً الجميع من أجل الجهاد في سبيل الوحدة والوطن والنظام وكأني به يقول (لا خيار ثالث لكم.. فإما الوحدة أو الموت).

توظيف خطير للآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولمصلحة الحاكم ذاته الذي مازلنا ندفع له الثمن باهظاً لإصلاح ما أفسدته حرب صيف 94م التي كان أحد أطرافها، وتم توظيف الفتوى الدينية والخطاب المنبري في هذه الحرب الأهلية أسوأ استغلال رغم مضي أكثر من 13 عاماً على دحر قوى الردة والبغي، ويبدو من سياق خطبة الشيباني أن المعركة المقدسة لم تنته بعد وعلى الشعب الرازح تحت وطأة الفقر والجهل والمرض وغياب العدالة والمواطنة الواحدة تصديق كل ما نطق به من محاذير ومؤامرات تستوجب شرعاً التصدي والمقاومة لها بكل الوسائل والطرق والتضحيات.

شيخنا في ذروة حماسته أغفل شيئاً مهماً هو أن سنوات ما بعد الحرب كشفت زيف وضلال الخطاب الديني، كما أن الممارسات وسوء الأوضاع وفقدان القدرة على إثبات مشروعية الحرب حتى اللحظة كانت جميعها كافية لتعلم الدرس جيداً، فلا الشمال هو ذاك الشمال في حرب 94م ولا الجنوب أيضاً.

خطبة العيد في جامع الصحابي الجليل معاذ بن جبل في الجند أعاد إلى ذاكرتنا فتوى الحرب الظالمة التي مازلنا نعاني تبعاتها حتى اللحظة، إذ كان الدكتور الشيباني للأسف هو بطل الخطبة الحربية التي صارت حديث مناسبة العيد، ولا نظن الناس والتاريخ سيذكرانه بعد الآن من دون خطبته الشهيرة، فيكفي القول هنا أن الشيخ أفرط بكرمه علينا هذه المرة ولدرجة العبث بالآيات والمسميات والمستوجبات الشرعية لقتالنا وإعادتنا لحظيرة الطاعة والولاء للحاكم، لا لشيء أو ذنب اقترفناه في هذه المحافظات الواقعة تحت وطأة حرب ظالمة وفتوى مكفرة وإنما للحقوق المطلبية المشروعة وفي مقدمتها حق الشراكة وإعادة الاعتبار للوحدة السلمية ذاتها التي قتلت عندما تم استباحتها بحرب الفئة الضالة والباغية، وفي الوقت الذي انتفضت هذه المحافظات لمطالبها وحقوقها إذا بخطبة حربية تصف هؤلاء بكفار قريش ويهود بني قريضة وبقوم مسيلمة الكذاب بل وبالمارقين والجاحدين والخونة والعملاء المتآمرين على الوطن ووحدته واستقراره ونظامه، ولو تطلب الأمر التسكع أمام السفارات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى