إصلاح القضاء يبدأ من آلية اختيار القاضي.. سيدي رئيس مجلس القضاء الأعلى
> المحامي/ توفيق محمد العمودي:
> سيدي الرئيس.. ما شجعني هذه المرة لأكتب مجددا، هو تواجدكم على قمة هرم السلطة القضائية لثقتي وقناعتي أن ما أكتبه هذه المرة سيجد من يصغي إليه بجدية، ولن يكون مصير مساهمتي هذه، مصير سابقاتها.. وقناعتي الثابتة هذه تولدت وتوطدت سابقاً تجاه شخصكم الكريم تأسيساً على ما لمسته من خلال الجهود المضنية، التي بذلتموها بصدق وإخلاص بهدف تحسين أداء القضاء خلال فترة توليكم رئاسة القضاء في محافظة عدن، وكانت النتائج ملموسة وكبيرة مقارنة بالصلاحيات والإمكانيات المحدودة أمامكم حينها.
سيدي الرئيس.. وبعد هذه المقدمة، التي كان لا بد منها.. وبالعودة إلى الموضوع، فإن ما يشهده وشهده القضاء من جهود ومحاولات عديدة منذ ما يزيد عن عشر سنوات، لإصلاحه وتنقيته من المعوقات والشوائب التي أعاقت وأضعفت أداءه دوره الفيصل (باعتباره السلطة الأهم من بين السلطات الثلاث، باعتباره الركيز الاساسية التي لو صلحت حتماً سيصلح باقي السلطات) ولم تأت بالنتائج المأمولة، وذلك لغياب الاهتمام والمعالجات لمفتاح أي إصلاح للقضاء، ألا وهو الآلية الصحيحة للبحث عن القاضي باعتباره هو الأداة في ترجمة أي معالجات لإصلاح القضاء وتحويلها إلى واقع ملموس.
سيدي الرئيس.. إن أهمية وحيوية هذه المساهمة، تكمن في أنها صادرة عن محام ممارس للمهنة (أي مهنة المحاماة) وذلك لأن المحامين وبالأخص الذين يمارسون المهنة، هم وحدهم في موقع الراصد الحقيقي، وبحكم عملهم يمتلكون القدرة والإمكانية في تشخيص وتحديد مكامن الضعف والقوة لصورة أداء القضاء.. وما يميزهم في ذلك هو التجربة الكبيرة والمتنوعة والخبرة التي تتراكم عندهم، تجعلهم أكثر من غيرهم قدرة ورؤية في المساهمة وتقديم المعالجات التي تصب في الاتجاه الصحيح لأي إصلاح للقضاء.. حيث إن اية معالجات يقدمونها تكون أكثر جدوى لإحداث الإصلاح المنشود.. وهذا الطرح ليس جزافاً، بل مبني على حقيقة أن المحامين، وبحكم طبيعة عملهم، يتعاملون بشكل يومي مع القوانين المختلفة نظرياً وعملياً، ويترافعون أمام قضاة بمختلف القدرات القانونية والمعرفية، وكذا الامكانيات المتفاوتة، التي يمتلكها هذا القاضي أو ذاك من فهم للقوانين وتطبيقها، وكذا مدى تحلي القاضي وانضباطه للسلوكيات والصفات، المطلوب توافرها في شخص القاضي، كما حددها قانون السلطة القضائية المادة(57/د) منه.. وهذه الميزة هي التي تؤهل المحامين للإسهام في طرح المعالجات ذات الجدوى في عملية اصلاح القضاء.
وعليه .. ومما تقدم، وتأسيساً على القاعدة الفقهية أن القضاء هو من يبحث عن القاضي وليس العكس، فإن الركيزة الأساسية لعافية القضاء في كل مكان وزمان، هي اختيار القاضي، ورغم أهمية هذه القاعدة لأي إصلاح، إلا أنه للأسف لم تول لها الأهمية في كافة الدراسات والمعالجات التي تم اتخاذها، وبدون اعتماد هذه الآلية لم ولن تتحول أية معالجات تتخذ إلى واقع ملموس، يجسد العدالة ويعيد مكانة وهيبة القضاء.. إلا أن هذه الآلية وكي تأتي بالنتيجة المرجوة فإنه يجب عند اختيار القاضي إسقاط فكرة أن القضاء هو وظيفة عامة، وأن لا يخضع لنفس المعايير والضوابط التي تحكم غيره من المجالات الأخرى (كما هو قائم اليوم)، لأن الاشتغال في القضاء لو خضع للرغبة كما هو الحال بالنسبة للوظيفة، فإنه لتحقيق هذه الرغبة من المحتم أن الراغب في أن يكون قاضياً سيعمل على أن يسلك جميع الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة (وساطات، محسوبيات.. وغيره) ليكون قاضياً.. فلو تحقق ذلك، فلن يكون قاضياً، لأنه سيكون فاقداً للشروط الواجب توافرها في شخص القاضي، بل على العكس سيشكل تعيينه عبئاً معرقلاً لأي إصلاح في مجال القضاء.. وعليه فإن الآلية الصحيحة التي يلزم اعتمادها لاختيار القاضي، يجب أن تكون بعيدة عن الرغبة إذا أردنا التأسيس لقضاء عادل.. وليتحقق اختيار القاضي الذي من خلاله يتحقق الإصلاح في مجال القضاء، فإننا نرى تشكيل هيئة مختصة (تخضع لمجلس القضاء الأعلى مباشرة) تكون طبيعة عملها ومجال مهامها، بالكيفية التالية:
أولاً: الإشراف والمتابعة والتقييم للطلاب الدارسين في كلية الحقوق وكلية الشريعة، وذلك بعد وضع المعايير التي على أساسها يتم متابعة وتقييم سلوك الطالب وأخلاقه وانضباطه وكذا تحصيله العلمي منذ السنة الأولى لالتحاقه بالكلية حتى سنة تخرجه، وهذا سيمكن الهيئة من الاختيار من بين المتخرجين ممن تتوفر فيهم الشروط والأسس المطلوبة لرفد القضاء بهم كمشروع قضاة في المحاكم.. على أن يتم بعد الاختيار، وقبل منحهم الولاية، إخضاعهم للآتي:
-1 دورات تأهيلية في معهد القضاء الاعلى.
-2 بحكم أن الاشتغال في مجال القضاء مثله مثل غيره من المجالات الآخرى (الطب، الهندسة وغيرهما)، تعد التجربة واكتساب الخبرة مهمين جداً.. وعليه فإن القاضي المعين حديثاً يجب إلحاقه بجانب قاض آخر ذي خبرة (كمقيم متخصص في اختصاص محدد: جنائي، تجاري، أو مدني وغيره) لمدة مثلاً لا تقل عن خمس سنوات، وذلك لاكتساب المعرفة والتجربة العملية والثقة، التي ستساعده على الاندماج النفسي والروحي، وستكسبه أيضاً الشعور الوجداني بقدسية الرسالة التي يؤديها.
-3 يجب - وهذا مهم جداً- عند منح الولاية للقاضي للنظر في القضايا استقلالاً (بعد مرور مدة الخمس السنوات المشار اليها سلفاً) أن لا يكلف مباشرة للنظر في القضايا الجسيمة، بل يكون تكليفه بالنظر في القضايا البسيطة وغير الجسيمة على الأقل لمدة عامين. وذلك لاكتساب الثقة والتجربة، حيث إنه ثبت من خلال التجربة عدم قدرة القاضي المستجد على إدارة القضايا الجسيمة مهما كانت معرفته النظرية، وبالتالي إخفاقه في اتخاذ الحكم الصائب المبني على أسس قانونية صحيحة، نتيجة تقديراته الخاطئة بحكم افتقاره للتجربة.
ثانياً: على الهيئة أن تجعل مجالها أيضاً لاختيار القضاة، هو وسط المحامين، وذلك من خلال متابعة وتقييم أداء المحامين، الذين اكتسبوا الخبرة والتجربة أثناء ممارستهم مهنة المحاماة، والاختيار من بين أوساطهم (كما هو معمول به في كثير من الدول) ممن تتوفر فيهم شروط وصفات القاضي لرفد القضاء بهم من خلال تعيينهم كقضاة كل في المجال المتمكن فيه، والذي يمكن للهيئة استخلاص ذلك من خلال الدراسة والتقييم المسبق لأداء المحامي من واقع ملفات القضايا التي ترافع فيها.
ثالثاً: وكي يؤدي ذلك إلى إصلاح حقيقي على المدى البعيد.. فإنه لا بد من أن لا يتوقف عمل الهيئة عند الاختيار، بل الأهم هو أن يكون من صميم عملها أيضاً المراقبة ومتابعة تقييم عمل وأداء القضاة وفق آلية ناجعة تعتمد التجرد والشفافية، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب وذلك لضمان الهدف المرجو من الإصلاح، وهو تثبيت الدور السامي للقضاء، كضامن للعدالة وأساس تطور المجتمعات.
وختاماً سيدي الرئيس.. أرجو أن أكون قد وفقت في إيصال الفكرة والهدف، قاصداً من وراء ذلك الصالح العام ليس إلا..
والله ولي التوفيق
مترافع أمام المحكمة العليا
سيدي الرئيس.. وبعد هذه المقدمة، التي كان لا بد منها.. وبالعودة إلى الموضوع، فإن ما يشهده وشهده القضاء من جهود ومحاولات عديدة منذ ما يزيد عن عشر سنوات، لإصلاحه وتنقيته من المعوقات والشوائب التي أعاقت وأضعفت أداءه دوره الفيصل (باعتباره السلطة الأهم من بين السلطات الثلاث، باعتباره الركيز الاساسية التي لو صلحت حتماً سيصلح باقي السلطات) ولم تأت بالنتائج المأمولة، وذلك لغياب الاهتمام والمعالجات لمفتاح أي إصلاح للقضاء، ألا وهو الآلية الصحيحة للبحث عن القاضي باعتباره هو الأداة في ترجمة أي معالجات لإصلاح القضاء وتحويلها إلى واقع ملموس.
سيدي الرئيس.. إن أهمية وحيوية هذه المساهمة، تكمن في أنها صادرة عن محام ممارس للمهنة (أي مهنة المحاماة) وذلك لأن المحامين وبالأخص الذين يمارسون المهنة، هم وحدهم في موقع الراصد الحقيقي، وبحكم عملهم يمتلكون القدرة والإمكانية في تشخيص وتحديد مكامن الضعف والقوة لصورة أداء القضاء.. وما يميزهم في ذلك هو التجربة الكبيرة والمتنوعة والخبرة التي تتراكم عندهم، تجعلهم أكثر من غيرهم قدرة ورؤية في المساهمة وتقديم المعالجات التي تصب في الاتجاه الصحيح لأي إصلاح للقضاء.. حيث إن اية معالجات يقدمونها تكون أكثر جدوى لإحداث الإصلاح المنشود.. وهذا الطرح ليس جزافاً، بل مبني على حقيقة أن المحامين، وبحكم طبيعة عملهم، يتعاملون بشكل يومي مع القوانين المختلفة نظرياً وعملياً، ويترافعون أمام قضاة بمختلف القدرات القانونية والمعرفية، وكذا الامكانيات المتفاوتة، التي يمتلكها هذا القاضي أو ذاك من فهم للقوانين وتطبيقها، وكذا مدى تحلي القاضي وانضباطه للسلوكيات والصفات، المطلوب توافرها في شخص القاضي، كما حددها قانون السلطة القضائية المادة(57/د) منه.. وهذه الميزة هي التي تؤهل المحامين للإسهام في طرح المعالجات ذات الجدوى في عملية اصلاح القضاء.
وعليه .. ومما تقدم، وتأسيساً على القاعدة الفقهية أن القضاء هو من يبحث عن القاضي وليس العكس، فإن الركيزة الأساسية لعافية القضاء في كل مكان وزمان، هي اختيار القاضي، ورغم أهمية هذه القاعدة لأي إصلاح، إلا أنه للأسف لم تول لها الأهمية في كافة الدراسات والمعالجات التي تم اتخاذها، وبدون اعتماد هذه الآلية لم ولن تتحول أية معالجات تتخذ إلى واقع ملموس، يجسد العدالة ويعيد مكانة وهيبة القضاء.. إلا أن هذه الآلية وكي تأتي بالنتيجة المرجوة فإنه يجب عند اختيار القاضي إسقاط فكرة أن القضاء هو وظيفة عامة، وأن لا يخضع لنفس المعايير والضوابط التي تحكم غيره من المجالات الأخرى (كما هو قائم اليوم)، لأن الاشتغال في القضاء لو خضع للرغبة كما هو الحال بالنسبة للوظيفة، فإنه لتحقيق هذه الرغبة من المحتم أن الراغب في أن يكون قاضياً سيعمل على أن يسلك جميع الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة (وساطات، محسوبيات.. وغيره) ليكون قاضياً.. فلو تحقق ذلك، فلن يكون قاضياً، لأنه سيكون فاقداً للشروط الواجب توافرها في شخص القاضي، بل على العكس سيشكل تعيينه عبئاً معرقلاً لأي إصلاح في مجال القضاء.. وعليه فإن الآلية الصحيحة التي يلزم اعتمادها لاختيار القاضي، يجب أن تكون بعيدة عن الرغبة إذا أردنا التأسيس لقضاء عادل.. وليتحقق اختيار القاضي الذي من خلاله يتحقق الإصلاح في مجال القضاء، فإننا نرى تشكيل هيئة مختصة (تخضع لمجلس القضاء الأعلى مباشرة) تكون طبيعة عملها ومجال مهامها، بالكيفية التالية:
أولاً: الإشراف والمتابعة والتقييم للطلاب الدارسين في كلية الحقوق وكلية الشريعة، وذلك بعد وضع المعايير التي على أساسها يتم متابعة وتقييم سلوك الطالب وأخلاقه وانضباطه وكذا تحصيله العلمي منذ السنة الأولى لالتحاقه بالكلية حتى سنة تخرجه، وهذا سيمكن الهيئة من الاختيار من بين المتخرجين ممن تتوفر فيهم الشروط والأسس المطلوبة لرفد القضاء بهم كمشروع قضاة في المحاكم.. على أن يتم بعد الاختيار، وقبل منحهم الولاية، إخضاعهم للآتي:
-1 دورات تأهيلية في معهد القضاء الاعلى.
-2 بحكم أن الاشتغال في مجال القضاء مثله مثل غيره من المجالات الآخرى (الطب، الهندسة وغيرهما)، تعد التجربة واكتساب الخبرة مهمين جداً.. وعليه فإن القاضي المعين حديثاً يجب إلحاقه بجانب قاض آخر ذي خبرة (كمقيم متخصص في اختصاص محدد: جنائي، تجاري، أو مدني وغيره) لمدة مثلاً لا تقل عن خمس سنوات، وذلك لاكتساب المعرفة والتجربة العملية والثقة، التي ستساعده على الاندماج النفسي والروحي، وستكسبه أيضاً الشعور الوجداني بقدسية الرسالة التي يؤديها.
-3 يجب - وهذا مهم جداً- عند منح الولاية للقاضي للنظر في القضايا استقلالاً (بعد مرور مدة الخمس السنوات المشار اليها سلفاً) أن لا يكلف مباشرة للنظر في القضايا الجسيمة، بل يكون تكليفه بالنظر في القضايا البسيطة وغير الجسيمة على الأقل لمدة عامين. وذلك لاكتساب الثقة والتجربة، حيث إنه ثبت من خلال التجربة عدم قدرة القاضي المستجد على إدارة القضايا الجسيمة مهما كانت معرفته النظرية، وبالتالي إخفاقه في اتخاذ الحكم الصائب المبني على أسس قانونية صحيحة، نتيجة تقديراته الخاطئة بحكم افتقاره للتجربة.
ثانياً: على الهيئة أن تجعل مجالها أيضاً لاختيار القضاة، هو وسط المحامين، وذلك من خلال متابعة وتقييم أداء المحامين، الذين اكتسبوا الخبرة والتجربة أثناء ممارستهم مهنة المحاماة، والاختيار من بين أوساطهم (كما هو معمول به في كثير من الدول) ممن تتوفر فيهم شروط وصفات القاضي لرفد القضاء بهم من خلال تعيينهم كقضاة كل في المجال المتمكن فيه، والذي يمكن للهيئة استخلاص ذلك من خلال الدراسة والتقييم المسبق لأداء المحامي من واقع ملفات القضايا التي ترافع فيها.
ثالثاً: وكي يؤدي ذلك إلى إصلاح حقيقي على المدى البعيد.. فإنه لا بد من أن لا يتوقف عمل الهيئة عند الاختيار، بل الأهم هو أن يكون من صميم عملها أيضاً المراقبة ومتابعة تقييم عمل وأداء القضاة وفق آلية ناجعة تعتمد التجرد والشفافية، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب وذلك لضمان الهدف المرجو من الإصلاح، وهو تثبيت الدور السامي للقضاء، كضامن للعدالة وأساس تطور المجتمعات.
وختاماً سيدي الرئيس.. أرجو أن أكون قد وفقت في إيصال الفكرة والهدف، قاصداً من وراء ذلك الصالح العام ليس إلا..
والله ولي التوفيق
مترافع أمام المحكمة العليا