ما رد الجمهورية الثالثة

> محمد علي محسن:

> «يتوقف مصير كل أمة على شبابها» (غوته).. فإذا ما نظرنا لواقع الشباب في هذا البلد سنجدهم أكثر الفئات الاجتماعية كثافة وأقلها فعالية وتأثيرا ومشاركة في مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، وعلى وجه التحديد جيل الوحدة الذي ما فتئ الخطاب الرسمي يؤكد رهانه عليه باعتباره جيلاً خالياً من عقد الماضي وصراعاته وأحقاده، فشهداء النضال السلمي في حضرموت والضالع وردفان وكذلك الجرحى والمعتقلون في المعظم من جيل الوحدة، الذي نشأ وترعرع في الجمهورية الثالثة (الجمهورية اليمنية)، أما إذا تأملنا في أعمار هؤلاء الفتيان أو عددهم في التظاهرات الاحتجاجية أو ثوراتهم وانفعالاتهم فحتماً سندرك أن الوحدة محفوفة بخطر الشباب، الذين وصفهم رئيس الجمهورية في أكثر من خطاب وشعار بخلوهم من الأحقاد والعقد، وسنقول ألف رحمة وسلام لأجيال الجمهوريتين والنظامين والإمامة والاستعمار.

لست بمقام من يلقي عن كاهله المشكلة ليدرأ تهمة الانفصال وليثبت وحدويته ولو بفعل غير وحدوي صدر من بعض الشباب في لحظات عصيبة، لكنني هنا أطرح القضية كظاهرة جديرة بالاهتمام والمعالجة برزت بقوة في الآونة الأخيرة، حتى لا نجد أنفسنا في المستقبل أمام مشكلة عصية وضخمة تحمل معها بوادر كارثة حقيقية لتجزئة الوطن الواحد ومن جهة هذا الجيل الجديد المولود من رحم الوحدة والديمقراطية والحروب الأهلية والإقليمية والفضاءات المفتوحة والحريات وغيرها من المناخات المشكلة له، وبمضي الوقت تزداد ظهوراً وعنفواناً بين جيل العهد الوحدوي الذي هو الآن في عقده الثالث أو أكثر إذا ما قمنا باحتساب أولئك الذين كانت أعمارهم عشرة أعوام أو أدنى عند إعلان دولة الوحدة في قائمة الجيل الوحدوي.

في إحدى التظاهرات الشعبية العفوية وجدت نفسي أسأل قياديا سابقا في المؤتمر الشعبي - آثر الانحياز لدعاة التغيير بصفة مستقل منذ سنوات - عما يشاهده أو يسمعه من مظاهر احتجاجية لجيل الوحدة الخالي من عقد ورواسب التشطير والصراعات! الإجابة بالطبع كانت قد لفتت انتباهي لما هو أبعد وأخطر من الهتافات أو عنفوان ردة فعل غاضبة، إلى النشأة الوحدوية والقومية والأممية التي ميزت الأجيال السابقة عن جيل الحاضر المفطور في كنف وحدة مشوهة ومخيبة لطموحه وآماله، لذلك ينطبق عليه المثل التركي «شباب بلا أحلام، ربيع بلا زهور» فهؤلاء وفق تعبير صديقي اللدود أحمد السنمي ضحايا مرحلة تاريخية ملأى بالأخطاء السياسية والممارسات اللا وحدوية المهددة للوحدة ذاتها التي مثلت حلماً عظيماً للأجيال الماضية، فحتى في ظل الاستعمار والإمامة كانت الوحدة اليمنية والقومية هدفاً نضالياً حملته تلك الأجيال في فكرها ووجدانها وسلوكها وإن لم يكتب لها النجاح أو طالتها التشوهات والانكسارات مثلما هي حاضرة الآن فإن ثمة شيئا داخل عقول ونفوس الآباء نحو الوحدة يجعلهم مختلفين عن الأبناء وربما الأحفاد الذين من سوء حظهم أنهم أبناء الواقع الوحدوي الزاخر بمشكلات عصرية مثل الفقر والبطالة والفساد والغلاء، ضف لها ممارسات غير وطنية ولا وحدوية أو ديمقراطية وجميعها كانت وراء هذا العنفوان والجموح.

خلاصة الكلام ينبغي التأكيد أن الخطر المحدق بالوحدة ليس من الخارج ولا بتدخلات الدول أو دعمها لمشروعات انفصالية كما هي الأسطوانة المعتادة, بل الخطر الداهم يأتي من الداخل ومن هؤلاء الشباب الذين لا مكان لهم أو متسع للتعبير عن أنفسهم ووجودهم وسط حالة من الإقصاء والتهميش وانعدام الفرص، وجميع هذه الأشياء عطلت بدورها طاقة أكبر وأهم شريحة اجتماعية كانت خلف معجزة التنين الصيني وتسببت بسقوط نظام تشاشيسكو في رومانيا وهدت سور برلين، كما أنها قادت الثورات البرتقالية والمخملية والزنبقية في أوكرانيا وجورجيا وقرغيزيا، ومن دون الشباب لما رأينا أوروبا الشرقية تنهض من جديد أو شاهدنا تظاهرات القاهرة وبيروت وصنعاء وعدن وحضرموت والضالع وأبين وردفان ويافع...إلخ من المناطق والمدن المنتفضة لتوها، ولن تخمد على المدى المنظور ما لم توجد معالجة حكيمة وإرادة فولاذية وقبلهما النية لوقف المارد وهو في طور التشكل قبل فوات الأوان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى