الوحدة ليست واحدة

> فريد الصحبي:

> في ذكرى ثورة 14 أكتوبر الرابعة والأربعين جاء في خطاب الرئيس أن الدستور وثيقة وطنية مرجعية لكل اليمنيين .. هذا صحيح .. ولكنه في نفس الوقت ليس قرآنا ولا كتابا مقدسا .. فهو قابل للتعديل والتغيير بل والإلغاء .. وكله بالتشاور والحوار والاستفتاء .. وقد بني أساسا كما أشار سيادة الرئيس بلا ضرر ولا ضرار وبلا إكراه ولا إجبار .. فلماذا إذن نمارس اليوم الإكراه والإجبار والضرر والإضرار؟ .. لماذا نمنع الاعتصامات والتظاهرات السلمية؟ .. لماذا الدوشكا والرصاص الحي والمطاطي؟.. لماذا اعتقال أعز المناضلين والثوار الأبرار ورميهم وراء جدارن السجون في يوم عيد الثورة والثوار ويوم عيد الفطر المبارك.. هكذا لا لشيء سوى أنهم استفتوا قلبهم وقالوا رأيهم .. ألسنا مع الاستفتاء وحرية الرأي وحرية القول؟!

الوحدة تمت بصورة من صور الاستفتاء .. مع أنها ما كانت بحاجة إلى استفتاء .. مع ذلك تلمسنا لها استفتاء بحجة ما.. لماذا؟.. لأنها وحدة رسمية .. وحدة نظامين .. وحدة سياسية .. أما الوحدة الشعبية .. الوحدة الاجتماعية .. وحدة الأصل .. وحدة أهل اليمن .. ليست بحاجة إلى استفتاء .. وهذه هي الوحدة التي يصح فيها القول بأنه لا يشكك فيها إلا مريض أو معتوه .. أما الوحدة الرسمية فتلك مسألة فيها نظر!

تحققت الوحدة الرسمية لغرض استقرار حياة الشعب اليمني .. وتحسين معيشته وانتشاله من وهدة الفقر والتخلف والارتقاء به في معارج التطور والدفع به إلى صفوف الشعوب المتقدمة .. بقاء هذه الوحدة أو زوالها مرهون بتحقيق الغرض الذي من أجله تحققت.. ولا علاقة لها بالوحدة الشعبية الراسخة منذ الأزل والباقية إلى الأبد .. والتي كانت حقيقة معاشة بكل عنفوانها وبأروع صورها وتجلياتها ومعانيها في ظل عهد الإمامة (الغابر) والاستعمار (البغيض) .. رغم أنف الجميع .. لأنها وحدة شعب باق وليست وحدة حكام زائلين!

إذن الوحدة الرسمية حدث تاريخي طارئ .. أما الوحدة الشعبية فهي الثابت وهي الأصل .. كما أن الوحدة الرسمية وسيلة وليست غاية .. وسيلة لتحقيق اليمن السعيد.. تحقيق سعادة عموم الشعب اليمني وليس خاصته فقط .. وإذا لم تحقق الوسيلة الغاية المرجوة منها فإن فقراء أهل اليمن لن يعدموا الوسيلة!

أما حكاية المساكن المؤممة في عدن .. التي جاء ذكرها في خطاب السيد الرئيس أعلاه.. فتلك من حكايات ألف ليلة وليلة .. حكاية أغرب من الخيال عندما تغتصب دولة ممتلكات المواطنين من مساكن ومنازل وتقوم بتمليكها لآخرين وكأنها توزع أملاكا من أملاك الدولة!

حتى أملاك الدولة (أراض ومبان ومنشآت) لا يجوز استباحتها بهذا الشكل .. لأنها أصلا ملك لعموم الشعب .. وما الدولة إلا حارس مؤتمن عليها .. أما عندما يبلغ الحال إلى حد اغتصاب الدولة أملاك المواطنين الخاصة فأي حال بعد ذلك يمكن أن يصلح في البلاد وأي أمر يمكن أن يستقيم؟ .. وها قد أصبحنا نرى اليوم أن الاستيلاء على البيوت والمباني والأراضي العامة والخاصة قد غدا بملك اليمين شرعة وعرفا مألوفا حتى وإن كانت الأرض المنهوبة تقاس بالكيلومترات أو هي بمساحة شواطئ وسواحل ومتنفسات وملاعب وجبال وبحار!

إن حق ملاك المساكن المؤممة في عدن يجب أن يعود حجرا حجرا .. أو بتعويض نقدي بسعر الزمان والمكان .. وليس بسعر التراب في الفيافي والقفار .. وليس بالتزييف والخداع واستغفال عقول الناس!

نحن لا نتحدث عن ملاك المساكن المؤممة ممن يمتلكون اليوم فيلات وعمارات وشركات في صنعاء أو الشارقة والخليج، كما جاء في خطاب السيد الرئيس أعلاه .. وإن كان من حقهم المطالبة بحقوقهم .. لكننا هنا نحن نتحدث عن (فقراء ملاك المساكن المؤممة في عدن) .. نعم فقراء .. يمرون من أمام بيوتهم وبيوت آبائهم ويشاهدونها تباع وتشترى بالملايين وهم لا يملكون أكثر من قوت يومهم .. هؤلاء يا سادة هم فقراء ملاك المساكن المؤممة وورثتهم في عدن .. يبلغون الآلاف عداً.. وسواء كانوا فقراء أم أغنياء أم متعففين فإن انتزاع حقهم في أملاكهم لا يقل عن انتزاع حقهم في الحياة .. علما أن أملاكهم هذه إنما هي ثمرة كدح العمر كله .. لم يكسبوها في غمضة عين أو في غفلة من الزمن أو بملك اليمين في غزوة أو غنيمة من غنائم الحرب!

بقيت ملاحظة لا يمكن فصلها عما تقدم .. وهي أن فقراء ملاك المساكن المؤممة وورثتهم في عدن لن يقبلوا أن تعاد مساكنهم المؤممة على انقاض الأسر التي يسكنونها اليوم .. أو أن يلقى بهم في الشارع .. إنهم أهلنا جميعا.. ما يصيبهم يصيبنا.. إنها مسؤولية الدولة وحدها.

على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة.. بالتعويضات العادلة نقدا أو بناء مدن سكنية جديدة بكل المواصفات العصرية الحديثة أو بالاثنين معا!

علما أن مراكمة الأخطاء الجسيمة وابتكار الحلول الوهمية واستغفال عقول الناس والاستهانة بالحقوق الشرعية والإنسانية سينتهي بنا حتما إلى طريق مسدود .. طريق نذهب فيه ولا نعود .. ما لم نبدأ فورا بالمعالجات الصحيحة الصادقة لكل القضايا والأزمات التي تعصف ببلادنا اليوم .. نبدأ فورا .. ولكن من البداية .. من البداية تماما!

E-mail:[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى