نشيد الذئاب الحمر (2)

> «الايام» د. عبده يحيى الدباني:

> ويستمر النشيد ولكن بنغمة جديدة من أجل التنويع في المعنى والمبنى ومن أجل الحركة الديناميكية الداخلية وكسر الرتابة والجمود والتخلف:

ذئابٌ نحن لا زرقٌ ضمائرنا ولا حمرُ

نموت لكي تعيش بلادنا، أطفالنا السمرُ

ونأبى أن تهون جبالنا وترابنا الحرُّ

فإما النصرُ نزهو في مواكبه أو القبر

في هذا المقطع المتصاعد من النشيد يرسم الشاعر من وحي الواقع جوانب القضية والاصرار على الكفاح في سبيلها إلى أن يتحقق النصر أو يموتوا دونها، ولكن الشعب لا يموت كله بل يموت بعضه ليبقى كله حياً عزيزاً، ويموت الشعب كله حين لا يموت بعضه من أجله، يموت وهو حي ولكن حياة فيسلوجية فقط : أكلاً، شرباً، تنفساً بعيداً عن العزة والكرامة والإيمان والحرية والفكر وغيرها من مقومات الحياة الإنسانية الحقيقية، قال تعالى مخاطبا نبيه ?{?لتنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين?}? فالمقصود بالحياة في الآية : حياة الحق والعقل والروح وليس الحياة الفيسولوجية التي تساويها الحياة الحيوانية وقد كان الشاعر الشهيد الزبيري موفقاً حينما قال مؤنبا شعبه:

والشعب لو كان حياً ما استخف به

باغ ولا عاث فيه الظالم النهم

فانظر إلى معنى الحياة في البيت.

وهكذا يمضي الثوار في نشيدهم من فوق جبال ردفان العالية:

حملنا جرح أمتنا نضمده على القمهْ

نسير به، نطير به، نغمسه على النجمهْ

وماذا نحن إن خانت مشاعرنا هدى الأمّهْ

وأغفينا على الأحزان منطرحين في الظلمهْ

هكذا يتصاعد النشيد، ويتسع صداه مثل تصاعد القضية واتساع صداها ومداها، فهؤلاء لا يمثلون أنفسهم ولا ديارهم فقط كما كانوا يفعلون في حروبهم الداخلية القبلية من غير نشيد ولا رؤيا بعيدة، ولكنهم يمثلون الوطن والأمة بما ينطويان عليه من جراح غائرة في السيادة والكرامة والعيش والحرية، فقد اختارهم التاريخ لهذه المهمة فكانوا أهلاً لها وليس هناك ما هو أروع من أن يحمل المرء جرح أمته بالحق ويعيش من أجل تضميده وتطبيبه حتى يتبلسم ويموت أيضاً في سبيل ذلك !

ثم هل كان التاريخ سيحفل بهؤلاء النفر فوق قمم الجبال إن لم يكونوا عضواً فاعلاً وضميراً حياً في جسد الأمة، أو كانوا مستسلمين لحياة الهوان والذل (منطرحين في الظلمة)؟ كلا لن يذكرهم التاريخ ولن تفخر بهم الجغرافيا.

ويستمر النشيد شجياً واضحاً مدوياً :

ذئابٌ نحن حين تضجُّ تحت الغاصب الأرضُ

ملائكة إذا عادت إلى أبنائها الأرضُ

وموت مناضل في درب أمتنا هو الفرضُ

على الأعداء كالعقبان، كالنيران ننقضُّ

هكذا يتحول الذئاب إلى ملائكة، هذه هي أخلاق المناضلين الحقيقيين لا تحركهم نوازعهم الخاصة وأهواؤهم، إنما هم أصحاب قضية يغضبون لها ويرضون لها، قال تعالى يصف المسلمين الأوائل:?{?أشداء على الكفار رحماء بينهم?}?. لقد قرأت يوماً قول أحد المناضلين ما معناه أنهم كانوا يعون ويقدرون أن الجندي الإنجليزي يحب الحياة وأن هناك أسرة تنتظره في بلاده، فليس قتله هو الهدف الأساس، وأنهم كانوا يتحاشون ذلك إلا مضطرين من أجل الضغط على الاستعمار. هذه إذن أخلاق المناضلين .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى