فصل جديد لحضرموت

> سالم العبد:

> الشاهد في تاريخ حضرموت الحديث- موازاة وأحياناً- تقدم الوعي بالشأن العام وقضايا المجتمع، قبل أو مع الحراك المجتمعي، وهو يتسم في غالب الأمر بطابعه المدني والمتحضر. ولعلنا بعودة سريعة إلى سنوات الأربعينات ومنتصف عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي نجد أمامنا العديد من الأمثلة التي تؤيد ما نطرحه في هذه العجالة ولنا أن نستشف الكثير من الاعتبارات، ولكننا سنقدم مثالين فقط من هذه الأمثلة ولعلهما يكفيان للتذكير والتنبيه .

في سنوات الحرب العالمية الثانية حدثت مجاعة عظيمة شملت غالبية مدن وادي حضرموت وبواديها وصحرائها كنتيجة لأوضاع الحرب التي أوقفت حركة نقل البضائع والمؤن عبر البحار والموانئ من شرق وجنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا وغيرها من المصادر. ودفعت هذه المجاعة القاسية العشرات بل والمئات من سكان هذه المناطق الحضرمية للنزوح الجماعي إلى مدن ومناطق التجمعات السكانية الممتدة على طول الشريط الساحلي لحضرموت.. المكلا، الشحر، الغيل، الديس، الحامي، قصيعر، الريدة الشرقية ومدن المهرة وبواديها .. ففتحت هذه المدن والمناطق أبواب بيوتها ومتاجرها وحوانيتها ومطاعمها ومقاهيها، وقدم الأهالي لأهاليهم قلوبهم ومؤازرتهم في هذه المحنة العصيبة، قبل المطعم والمشرب والمأوى والكساء والمال، وقالوا دون كلمات، نحن كنا وسنظل إخوة وحضناً ومأوى وسنداً وجداراً متيناً تتكئون عليه، وشدتكم هي شدتنا حتى يزيحها الله أو يخففها !!

وفي السنوات الأولى من الخمسينات نظمت وسطى الغيل حفلها السنوي المميز الذي اشترك فيه المدرسون والطلبة وفيه ألقيت الكلمات وقدمت مسرحية هادفة تمجد في ثورة يوليو المصرية، وتطالب بشدة زوال الاستعمار وتدين وجوده الغاصب في الجنوب العربي .. كل هذا قُدم بالاشتراك بين المدرسين والطلبة أمام المستشار البريطاني ورجالات الدولة القعيطية.. مما جعل الممثل البريطاني يغضب وينسحب من الاحتفال وتبعه رجالات الدولة وهم يتوعدون بالويل والثبور على إدارة المدرسة وطاقمها .. وفعلاً أوقف المدير سالم يعقوب باوزير والمدرسون فيصل بن شملان وفرج بن غانم وغيرهم، بعدها أضربت المدرسة طلاباً ومدرسين .. وبعد أيام قليلة تداعت لهذا الإضراب معظم مدارس حضرموت واديها وساحلها ولحقت بهم قبائل حضرموت ليشكلوا وقفة واحدة موحدة حتى لانت الإدارة الاستشارية البريطانية ومعها المسؤولون عن أوضاع التربية والتعليم .

هذه هي حضرموت، صانعة التاريخ، وعمق الجنوب الاستراتيجي فمرحى لها وهي تغزل فصلاً جديداً من تاريخ رجالها وأرضها يشرفهم وتشرف بهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى