رسالة إلى الزملاء في المؤتمر الشعبي العام ..لو كنت مكان أحدكم

> د.عيدروس نصر ناصر:

> ما يزال التلاسن الإعلامي بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في اللقاء المشترك يتخذ منحى تصاعدياً ويسير باتجاه يفسد ما يتم الحديث عنه من حوار بين هذه القوى السياسية على طريق البحث عن قواسم مشتركة يمكن أن تقلل من حالة الاحتقان السياسي وتنتقل بالحياة السياسية نحو التفكير الجاد بالطريقة التي يمكن أن تخرج البلاد من الأزمات المتصاعدة التي تندفع البلاد نحوها والتي جاءت بسبب غياب الاستراتيجيات الواضحة ذات المعالم المحددة، التي في ضوئها يمكننا أن نعرف ماذا نريد أن نحقق وإلى أين نبتغي أن نصل بعد عقد أو عقدين من الزمان.

ولست أدري ما الحكمة من الانجرار نحو هاوية التصعيد التي لا يعلم أي منا إلى أين ستقود. ولقد استمعت بقلق شديد قبل يومين إلى خطاب الأخ الرئيس الذي ألقاه في محافظة أبين، وانتابني شعور مختلط من الأسف والقلق والمرارة والندم على هذا المستوى الذي وصلنا إليه من الاندفاع نحو التوغل في أخطاء الماضي، وهي ميراث للنظامين الشموليين في الشطرين، وتضخيمها ومحاولة جر المواطنين إلى استدعاء الأحقاد التي نسوها أو تناسوها، وشخصياً لم أكن أتمنى أن يقوم رئيس الجمهورية بنفسه بهذه المهمة التي لا يمكن تصنيفها إلا في إطار الانسياق نحو المهاترات التي لا تثمر إلا المزيد من الخسائر المعنوية للجميع وأولهم رئيس الجمهورية نفسه.

في هذا السياق يتضح جلياً أن المحيطين بالرئيس لا يجرؤون على نقل الحقيقة إليه كما هي على الأرض، إما تحاشياً لغضبه وإما رغبة في استدرار رضاه، ويأتي ذلك السلوك على حساب المعاناة المرة التي يعيشها الشعب اليمني في كل مكان وأبناء المحافظات الجنوبية على وجه الخصوص.

الرئيس لا يثق في ما تقوله المعارضة، وفي أحسن الأحوال يعتبر رؤية المعارضة عناداً سياسياً إن لم ير فيها تعاطياً مع مؤامرة خارجية كما يصورها له مستشاروه السيئون، وإخوتنا المقربون من الرئيس إما مستفيدون من استمرار سياسة النهب والعبث والعشوائية والفساد وهؤلاء لا يمكن الرهان على كلمة حق تأتي منهم، وإما بعيدون عن صنع القرار وليس بمقدورهم إيصال الحقيقة إلى صانع القرار كما هي على أرض الواقع.

وشخصياً لو كنت مكان أحد من الإخوة الخيرين من أعضاء وقيادات المؤتمر الشعبي العام، وما أكثرهم، وخصوصاً لو كنت مكان أحد من القيادات المؤتمرية الآتية من المحافظات الجنوبية لصارحت الرئيس بما يعيشه أبناء تلك المحافظات من معاناة من جراء السياسات غير الرشيدة التي يمارسها المتنفذون، فلو كنت مكانهم لقلت للرئيس إن المحافظات الجنوبية شهدت تراجعاًً فظيعاً في كل شيء ابتداء بتدني مستوى الخدمات وتدهور مستوى المعيشة وندرة فرص الحصول على عمل، وانتهاء بمستوى حضور الدولة وغياب المواطنة المتساوية وتراجع مكانة النظام والقانون.

لو كنت مكان أحد منهم لقلت للرئيس إن أبناء المحافظات الجنوبية لم تعد تهمهم صراعات الماضي ولم يعودوا يأبهون بمن تصارع مع من؟ ولا من انتصر على من؟ ولا من هُزم من قبل من؟ بعد أن خسروا الأمان والمستقبل وصاروا عاجزين عن توفير أبسط فرص المعيشة الكريمة بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتوالية منذ العام 1994م.

لو كنت في موقع أحد منهم لقدمت المقترحات لصانع القرار وعلى رأسها تسخير القليل جداً مما ينهبه الفاسدون لتحسين مستوى معيشة الناس من خلال فتح أبواب الاستثمارات وتحويل عشرات الصناديق التي يعشعش الفساد في أكثرها إلى أدوات لمنح القروض الميسرة للفقراء للقيام بالاستثمارات الصغيرة، ووقف البيروقراطية والروتين اللذين يؤديان إلى هروب الاستثمارات الكبيرة من البلد. لو كنت محل أحد من هؤلاء لقلت للرئيس إن هروب الاستثمارات من البلد ليس بسبب الاعتصامات والمسيرات بدليل أنه طوال 17 عاماً ظلت الاستثمارات تهرب من البلد قبل حصول المسيرات والاعتصامات، وإن سبب هروب الاستثمارات هو الفساد الضارب أطنابه في كل وزارة وهيئة ومؤسسة، والذي يجعل كل مستثمر يخسر أضعاف رأسماله الأساسي في أي مشروع (مهما صغر حجمه أو كبر) على المرتشين والمتنفذين والشركاء الإجباريين الذين يفرضون شروطهم على كل وافد إلى البلد، وإن سبب هروب المستثمرين هو تفشي سياسة النهب والاستيلاء على الأراضي وما يجري في أراضي اللحوم بدار سعد خير مثال، وغياب التخطيط ونهب الموارد التي يفترض أن تسخر لتوفير البنية التحتية اللازمة للاستثمار، لأن المستثمر يمكن أن يستثمر مع وجود اعتصامات ومسيرات لكنه لا يمكن أن يستثمر في ظل غياب القانون والأمان وعدم توفر الإدارة النزيهة، وهو لا يستثمر والمدينة تضاء بالشمع والفوانيس نصف ساعات الليل والنهار.

وختاماً لو كنت مكان أحد من هؤلاء لحذرته من مستشاري السوء الذين بسبب أمثالهم انهارات دول وسقطت إمبراطوريات وزالت حضارات، وقديماً قال أحد الحكام الحكماء «إنني أخشى ممن يمتدحني مرة واحدة مئات أضعاف خشيتي ممن ينتقدني آلاف المرات» فما بالنا والبعض يقدم المدح (لكي لا نقول النفاق) على مدى عقود متواصلة من الزمن.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى