أسئلة غير مريحة للبعض

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

> لماذا تنتج البيئة الاجتماعية العربية عالماً واحداً في الألف، وفي الضفة الأخرى، تنتج المجتمعات المتمدنة 22 عالماً في الألف؟!

وهل صحيح ما توصلت إليه بعض الدراسات الاجتماعية لعلماء الاجتماع العرب وعلى رأسهم د. هشام شرابي، ود. حليم بركات، ود. سعد الدين إبراهيم، ود. علي أسعد وطفة، ويوسف ميخائيل أسعد وغيرهم.. من أن البيئة العربية معيقة للإبداع؟!

ومن المفيد الإشارة إلى نزر من التصنيفات المتعسفة التي تختزل مراحل النمو للإنسان العربي بمرحلتين فقط: مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة، لأنه حسب بسطهم أن الإنسان العربي لا يمر بمرحلة النضج العقلي والانفعالي، ولا يزن الأمور بقسطاس الحكمة والتبصر، فيجمح ويسرف في الجموح وينفق الشطر الأعظم من حياته في السفاسف والتشنجات والصراخ الأرعن، ولا ينظر أبعد من أرنبة أنفه، ويعيش في أحضان المراهقة الفكرية والوجدانية.. أو حسب تعبير د. أحمد عكاشة (رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي):«نعم، ما زلنا نحن العرب نعيش بالفعل مرحلة الطفولة، ما زلنا قابلين للإيحاء، مازلنا- كما قيل- ظاهرة صوتية، الكلام كثير والفعل لا شيء، قراراتنا متسرعة دون تمحيص، صرنا مثل (القرص الفوار) نثور ونتحمس وسرعان ما نخمد».

فالبيئة الاجتماعية الهشة كهشاشة بيت العنكبوت تنبجس منها عقليات بائسة ونفسية متشظية وسلوكيات مريضة.

فلابد من الاهتمام بتربية الناشئة منذ نعومة أظفارهم، حيث تؤكد الدراسات العلمية أن:«البرمجة العقلية للفرد تبدأ من الصغر، و%50 من سلوك الطفل يتشكل في السنوات الخمس الأولى من عمره، و%75 عند اكتماله ثماني سنين، و%95 عند بلوغه الثامنة عشرة».

إن ترك الطفل على سجيته دون تقويم وتهذيب وإرشاد تربوي يترك ثقباً أسود على سلوكه الاجتماعي، ولربما يشكل طاقة خطر على الوئام المدني في مراحل حياته القادمة، وبعد أن يكون قد تشرب بقيم الفهلوة والرياء التي تتقاطع مع السلوك الجمعي.

فتكريس مبدأ التسلط والإملاء والعسف وقمع الأفكار والأحلام، وتقييد عقل الإنسان وعواطفه وآماله بقيود غليظة، كل ذلك يؤدي إلى تراكم الأحاسيس السلبية، والوقوع في مصيدة التبلد الذهني والسيكولوجي.

فلابد من تنمية العقلية الإبداعية المرنة، التي تكون نداً لثقافة الوصاية والتلقين، وتعزز في الوقت عينه الرأسمال الأخلاقي والتنموي.

فالتفكير المتصلب لا يترك فسحة للمرونة والانفتاح والإبداع، ويحبس إشعاعات النور ويقتل مهارات التحليل والتبصر.

ومن أخبث الآفات الاجتماعية عدم الاهتمام بمؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام، المؤسسات الدينية) إلى درجة أن البعض يحولونها إلى ساحة للاحتراب والتطاحن، وفصيل آخر يتفنن في إخراس ملكة التفكير ونزعة الاستقلال.

فالمدرسة مؤسسة تربوية وتعليمية، وهي عنوان للهيبة والوقار وقلعة للأمان النفسي والبدني، عنوان للعلم والحرية والمعرفة والقيم الدينية والأخلاقية، وعنوان لطهارة اليد والعقل والقلب واللسان وقيم الاستنارة، وتترك بصمة عزيزة في عقول ووجدان الأجيال فيتذكرون بعد حين أحلى أيام حياتهم.

«أتذكر ونحن أطفال كنا نقف طوابير قبل أن يسمح لنا بدخول الصفوف في المرحلة الابتدائية، وكان يمر علينا المدرس ليتأكد من عدة أشياء:

هل الأظافر طويلة وقذرة؟ هل الشعر نظيف ومحلوق؟ هل الحذاء نظيف؟ هل في الأسنان بقايا أكل؟ وكانت عملية التفتيش هذه التي تتم يومياً تخلف مجموعة من العادات السليمة الجمالية التي يتدرب عليها كل طفل، فيشب وهو ممتص لها وتصبح جزءًا من كيانه ويزاولها بدون تفتيش. وكانت المدرسة تبدأ بطابور الصباح، وهو لقاء يجمع المدير والمدرسين والتلاميذ والعمال في الساحة وينشد الجميع نشيد الصباح ثم يتجهون على أنغام الموسيقى إلى الصفوف»

(فاروق الجفري)

ثمة معوقات للنمو الإبداعي والمعرفي، وهناك أسئلة غير مريحة للبعض:«علينا أن نسأل: لماذا خلت مجتمعاتنا العربية من المبدعين على مستوى حضارة العصر؟!»

(شوقي جلال)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى