عمر الجاوي والمشروع الثقافي الوطني (1)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> في عدد مجلة «الحكمة» لشهري مارس وأبريل من عام 1994م كتب الأديب والمناضل الراحل عمر الجاوي مقالاً افتتاحياً بعنوان (قبل تمادي الحدث) في ظروف تشبه كثيراً ما تمر بها البلاد اليوم من أزمة مع بعض الفروق التي هي نتيجة طبيعية لاختلاف كل مرحلة عن الأخرى، (هذا الحدث) الذي كتب الجاوي محذّراً من أن يتمادى، فإنه قد تمادى ولايزال على تماديه وقد دفع الشعب والوطن ثمناً باهظاً من جراء هذا التمادي ولا يزالان، لقد قرأت هذا المقال الافتتاحي مرة بعد مرة على سهولته ووضوحه حتى لا أقع في خطل الفهم والتفسير والتأويل لما طرحه هذا العلم الكبير في تاريخ اليمن المعاصر مناضلاً ومفكراً ونقابياً في مقالته آنفة الذكر، وبوجه عام فإن ما طرحه جدير بالتأمل والاعتبار والاستلهام على المستوى الوطني عموماً وعلى مستوى اتحاد الأدباء والكتاب ومجلة «الحكمة» بوجه خاص.

وجه الجاوي في البدء دعوة صادقة إلى أن تعود مجلة «الحكمة» إلى سابق عهدها «لأنها وحدها القادرة في زمن المحن على شق طريق الأمل الممهور بوضوح الرؤية واستقامة الهدف» وها نحن اليوم أشد حاجة إلى عودة «الحكمة» إلى سابق عهدها في رسالتها الوطنية الثقافية غير المنحازة وقد مثل ذلك في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في قيادته وأعضائه.

يعترف الكاتب المناضل أن الأدباء والكتاب الأوائل عندما رفعوا شعار الوحدة اليمنية لم يكن لديهم مشروع لهذه الوحدة وهذا يستوجب النقد الذاتي أولاً والاجتهاد في سبيل تحقيق هذا المشروع ثانياً، لقد كان ذلك الرعيل يرى في الوحدة أمراً مطلقاً حتى من دون مشروع لأن التشطير حينذاك فرض عليهم هذه الرؤية، فنشدوا الوحدة حتى ولو بقيادة الشيطان، لأنهم رأوا فيها إنقاذاً للوطن، ولكن في هذه الرؤية بعض التقصير، فمهما كانت الوحدة ذات أهمية تاريخية، فإنها نسبية لا مطلقة وهي وسيلة إلى غاية أو غايات.

يثير الكاتب في هذا المقال التاريخي العلاقة بين المثقف والسياسي في قضية تحقيق الوحدة اليمنية فهو يجيز للأديب أو الكاتب في حب الوطن أن يدخل لتحقيق الوحدة متجاوزاً التقاليد الحزبية والشروط ولا يجيز للحكام أن يستغلوا هذا الحب و الاندفاع نحو الوحدة كمنجز تاريخي فيخضعوها لمصالحهم السياسية الضيقة من خلال التقاسم والانفراد ولا يعني دخول الأدباء والكتاب في الأحزاب السياسية أنهم تخلوا عن خصوصيتهم ورؤيتهم وهويتهم المعهودة.

يرى الكاتب أن ثورة 26 سبتمبر قامت من غير مشروع لأن هدفها إسقاط الملكية ولأن قادتها الأشاوس لم يدركوا معنى السلطة، فقد ذهبوا لإنهاء الإمامة وتركوا في صنعاء ما هو أخطر وأشد هولاً من الإمامة نفسها مما سهل الانقلاب على الثورة . بينما كانت الثورة في الجنوب تتبنى مشروعاً وطنياً ولكنه لم يقنع الطليعة المثقفة، فأعلنت رفضها للدولتين ولأي مشروع انفصالي لأن هذه الطليعة معنية بإنقاذ وحدة التراب، فتحققت الوحدة وفق هذا الطموح ولكن من غير مشروع!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى