إطلالة على عدن (3)

> فضل النقيب:

> حق الله..!! ما أن تقف بك السيارة في (الميدان) بكريتر حتى يندفع نحو الشباك المغلق أو المفتوح- سيان- خليط ممن يطلبون (حق الله) على حد تعبيرهم ?{?وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم?}? ولكنني أشك أنهم يقصدون هذا المعنى الإسلامي السامي، لأنهم لو عرفوا لما ألحفوا حتى ليكاد بعضهم أن يمسكك من خناقك، وفي كل الأحوال فإنهم شيوخاً ونساء وأطفالاً قد غُلبوا على أمرهم، فامتهنوا هذا الإذلال الذي ينبغي أن يطوقنا جميعاً بالأسى والحزن، ففي الأخير هم من أبناء شعبنا، ونحن جميعاً في مركب واحد، من عثر له على كرسي مريح فيه فلينظر إلى من تعلقوا بالأشرعة أو التصقوا بالأجناب المكشوفة، أو أخذوا يجرون نحو اليم يتهددهم الغرق!

دخلت في عراك سخيف لا معنى له مع مُسِن أشهر أمام عيني أنبوب الأوكسجين الذي يستخدمه مرضى الربو وهو يقول: «أنا ما أريد منك فلوس، اشتر لي من الصيدلية واحداً من هذا» وكنت قد اشتريت له العام الماضي واحداً، فقال لي أحد المارة إنه سيعيد بيعه إلى الصيدلية، فهذه ليست سوى وسيلة استعطاف ذكية من باب حفظ ماء الوجه الذي لا ماء فيه:«مالك وما له يا عاقل، لا عنده ربو ولا يحزنون».

قلت له: يا والد بطل الاستهبال، وكل مرة شوف لك حاجة جديدة، «غيِّر الطعم الله يحفظك».. وما أن سمع مني هاتين الجملتين اللتين نطقتهما بود لأنني أعرف أن كل الطرق تؤدي إلى روما في الأخير حتى انفجر فيّ شتماً ولعناً كأنه عبوة من البارود كانت تنتظر الفتيل، حاولت تهدئته دون فائدة، وكان يصيح:«يا فاسدين، يا سرق، يا حرامية، أنتم تنهبون وما حد يكلمكم، ونحنا أمراض وفوق هذا تبخلوا علينا بحق الله».. إلى جهنم وبئس المصير.. إلى جهنم بفضل الشهر الكريم.. أيوه يا ابن النقيب، وقعت وما حد سمى عليك، نظرت إلى كرشي المألومة أكثر من ربوه، وقلت لنفسي: تستاهل يا بوكرش ويستاهل البرد من ضيع دفاه.. عرضت عليه خمسمائة ريال، ولكن بدون فائدة، فقد رماها في وجهي، لأنه كان يستلذ بالشتائم وغير مستعد لبيعها ولو بمليون كما اعتقدت في تلك اللحظة، وقد أثارت الخمسمائة الريال حفيظة وطمع أصحاب (حق الله) الذين راقت لهم المسرحية، وأصبحتُ (فرجة) أمام مقهاية (زكو) والذي ما يشتري يتفرج.. هذا هو الفقر يفعل الأفاعيل، فالرجل الذي كان يطلب بمسكنة قد شعر أن كرامته أهينت ويبدو من سيماه أنه (عزيز قوم ذل) جار عليه الزمان وانطبق فيه قول علي ولد زايد:

«أمسيت من فقر ليلة، سارق وزاني وكذاب».

كان على الناصية بجانب صانع المفاتيح ثلاثة سياح أجانب تسمروا في مكانهم يتفرجون على شعب الله اليماني في الميدان، فما يفترض أنه (جولة) في وسط الميدان قد تحول إلى ديوان للمقيل (دار ما دار)، والمخزنون في غاية السعادة، وأفضلهم يفترش سلخة من (كرتون) أما المداكي فحجار، ولم أر أحداً من أصحاب (حق الله) يطلب من هؤلاء الأجانب صدقة، أتراها بقايا كبرياء دفينة، أم أن ندرة السياح الأجانب قد جعلت منهم شيئاً (للفرجة فقط)؟!

عرفت (الميدان) في طفولتي وهو يعج بالسياح من ذوي العيون الزرق كأنك في (الشانزليزيه).. (قل للزمان ارجع يا زمان) المهم أنني تسحبت إلى عند (أبو الجرايد) الذي يعرفني ولا يعرفني، كأنني شُبِّهت له، بينما تركت أصحاب (حق الله) يتقاتلون على الخمسمائة، وقد جاء إلي صاحبي الذي شتمني عارضاً أنبوب أوكسجين الربو.. لقد نسي من أنا، وأنه كان يشتمني قبل خمس دقائق! قلت له: السماح يا والد، وبُست رأسه، قال لي:«مسامح، بس على أيش.. أنته تعرفني؟!».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى