أي عسل هذا!!؟

> علي عبدالكريم:

> قدر لا يكون من المناسب والمستحب أن يتناول المثقفون بما عليهم من عبء المسؤولية التاريخية إن ارتضوا الانضواء تحت لواء سلطة الثقافة التي تعبر بموضوعية وتجرد عن الحقيقة التي تخدم قضايا الوطن والناس بعيداً عن إرضاء طرف على حساب أو بغية الحصول على مزايا تعود على الذات على حساب وطن ومواطنين، سلاح الكلمة جهنم وسعير نار إن باعت الكلمة نفسها للشيطان.

إن التحديات التي تشكل اختياراً أمام الضمير الوطني الذي تتربع قمته تلك القوى التي إما أن تصنع الوعي وإعادة إيقاظه نحو السبيل الحق أو أن تبيع وهماً وتنحرف بالوعى عن جادة السبيل الحق إرضاءً لرغبات ذهب معاوية أو خوفاً من بطش سيفه.

تلك كارثة على الوطن ومستقبله حيث يشكل الثقافي تجاوزاً وتغايراً وتنويراً للقراءات السياسية التي ربما تتقيد كثيراً بالانتماء الحزبي أو لقصور البرامج التي لم تتطور منهجاً مع تغيرات واقع له متطلباته تلك التي لا تخرج عن قضايا الحرية والعدل وسيادة القانون.

أسوق هذا الكلام منذ قرأت مقالة الأخ العزيز سيف العسلي عدد «الأيام» 5241 الأربعاء 7 نوفمبر 2007م التي استعان فيها برواية تراثية صاغها عقل محتال مع أن في تراثنا ما هو أكثر حكمة من روايات المحتالين واللصوص التي لا أعتقد بجدوى الاستنجاد بها في قضايا مصيرية يمر بها وطننا وبلادنا وشعبنا.

للثقافة والمثقفين مكانة ودور أكبر بكثير من قضية (حبتي وإلا الديك) نستشهد بها لنقرر واقعاً افتراضياً ندين به طرفاً لنشعر بعد ذلك أننا قد أسهمنا في حل المأزق الخطير الذي يكاد يقسم بلادنا وشعبنا شذر مذر ولن تمنع وتحول دون ذلك إلا مواقف ثقافية متميزة تبحث عن الحقيقة، تبحث عن الأسباب الحقيقية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.

حيث لا يكفي على الإطلاق أن نرمي بشباكنا إلى بحيرة الأزمة دونما تحديد لهدف واضح المعالم ويتضمن بدائل ومقترحات ومعالجات قابلة للتعامل مع الواقع المأزوم كي يكون لنا بصمة وموقف يتعالى عن اللحظة التي يغيب فيها الوعي، يكون لنا موقف بعيد عن استنساخ موقف هذا الطرف أو ذلك، علينا الابتعاد عن سلاح الإدانة المبكر وكأننا نحمل بأقلامنا خاتم الإدانة المبكرة لطرف بعينه وإذا فعلنا ذلك نكون قد قتلنا الحقيقة وأصبناها شر مقتل، وحتى لا يلعب الباحث عن غير الحقيقة دوراً في تزييف الوعي وزيادة في إحداث شرخ أعمق في الوعي المطلوب إيقاظه وحسن توجيهه ومنحه المزيد من الحقائق والوضوح ليدافع بمحض إرادة حرة يمتلكها ويدافع عنها دفاعه عن قضايا وطنه ووحدته ومستقبله ومستقبل أجياله.

في هذه المحنة التي نمر بها نحن أحوج ما نكون للوقوف على أسباب الخلاف الذي تفجر كالبركان في محاولة موضوعية جادة لتحليل وتفكيك عناصر المختلف حوله والذي يشكل أساس الإشكال الذي يشكل جوهر الأزمة وأي محاولة لا تنهج هذا النهج محكوم عليها بالفشل لأنها كما قلنا تساهم في تغييب الوعي وزيادة شرخ الأزمة والوعي.

كما أنها محاولة تحاول القفز فوق الخلافات والاختلافات وتمثل محاولة للهروب منها خوفاً من نتائج تحليلها أو محاولة لعدم مواجتها أو أنها محاولات لا تعترف أساساً بالمشكلة أو بماهية الاختلاف والخلاف والعناصر التي تشكله ونكون بذلك للأسف الشديد كمن يدفن رأسه في الرمال.

الأكثر خطورة وأهمية بالنسبة لدور المثقفين ليس البكاء على الأطلال أو نصرة طرف على آخر ظالماً أو مظلوماً، البحث عن الحقيقة التي تمثل من وجهة نظرنا مبدأ الاعتراف بالآخر والاعتراف بالآخر اعتراف بالحقيقة التي تمثل إقراراً متبادلاً بالحقوق المتساوية اعترافاً مبدئياً بعدم إمكانية الواحد أن يعمم رأيه على الجميع حيث يمثل ذلك قمة الاستبداد والإلغاء للآخر.

صحيح أن تاريخنا العربي للأسف خاصيته الأساس هي الخلاف المستمر منذ سقيفة بنى ساعدة وحتى وقتنا الراهن ولكن باب الاجتهاد لايزال مفتوحاً أمام النخب الثقافية المناضلة كي تلعب دورها التاريخي المتميز المبني على تفهم حقيقي لمقولة سارتر الذي قال يوماً «بأن الآخر هو الجحيم» ذلك لا يعني بأن علينا نسفه أو إلغاءه أو تجاوزه بل علينا الاعتراف به والتعامل الندي معه حيث لا يحق لأي طرف إلغاء الآخر أو أن يطلب إليه التماهي معه ومع طروحاته ففي ذلك قمة الإلغاء والاستبداد.

ما أحوجنا للعقل والحكمة في هذه اللحظات الحرجة نستعين بهما لإعادة قراءة المشهد برمته فالحقيقة ليست دائماً معطى نأخذه ونستعين به من أقرب متجر خردوات أو مخلفات تراث مشكوك في صحتها ودقتها.. الحقيقة نتاج وبناء مجتمعي ولا تبنى الحقيقة من دون الآخر كما يقول الكاتب اللبناني الكبير على حرب ونؤكد على ذلك مستعينين بقوله «لينظر الإنسان إلى نفسه أولاً، ليكشف عن أخطائه وعن معايبه وليتجرد عن أوهامه ولينبذ التعصب والتحزب هذا شرط الوصول إلى الحقيقة بل هو شرط التلاقي مع الآخر».

إذن ليس الإلغاء وليست الفتوى وليست الحرب هي وسيلتنا لنزع فتيل الأزمة ولا أعتقد أن ما أقوله نوع من المثالية في واقع لا يقبل المثاليات.

أقول علينا طرح البدائل ونقد الذات نقداً موضوعياً يفضي إلى طريق الحقيقة دونما أستاذية استعلائية وإنما بطريقة وأسلوب يفضي إلى طريق الحقيقة دونما أستاذية استعلائية وإنما بطريقة وأسلوب يفضي إلى ما معناه أن ما أقوله وأطرحه وأتبناه ليس الصواب كله مع احتمال أن يكون فيما يقوله الآخرون كل الصواب، المهم وجود روح الاستعداد لاحترام الآخر وقبول آرائه وعدم تجاوزها أو إلغائها بل مناقشتها بموضوعية وحيادية كاملة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى