اليمن إلى أين؟اعتدال المعارضة وتشدد السلطة

> عبدالله الأصنج:

> كان القاضي الزبيري والقاضي أحمد الشامي وعبدالله البردوني وكثيرون من السابقين أو المعاصرين لهم أذكر منهم محمد سعيد جرادة ومحمد عبده غانم وعلي محمد لقمان وعبدالمجيد الأصنج وإسماعيل الوريث ولطفي أمان ومحمد حسن العوبلي وعبدالله عبدالوهاب نعمان وعبدالله هادي سبيت وقاسم بن علي الوزير وصالح عباس وإدريس حنبلة وعلي حمود عفيف وأحمد هاجي ممن جادوا بقصائد تناولت أهم قضايا الشعب والوطن والعروبة والإسلام في مراحلها المختلفة.

لقد وقفت طويلاً عند ما جادت به قريحة الأستاذ الأديب الشاعر المرحوم علي عبدالعزيز نصر وهو من مؤسسي الجمعية اليمنية الكبرى وحزب الشورى واتحاد القوى الشعبية بزعامة الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير حين كانوا يناضلون ضد نظام الحكم الإمامي في صنعاء.

وفي قصيدة عصماء للشاعر علي عبدالعزيز نصر يقول فيها واصفاً أوضاع اليمن في ذلك الوقت:

مأساتنا أن الجريمة تحكم.. وتخط منهاج الحياة وترسم

كان في اليمن إمام غير ثري يسكن مجازاً قصوراً كالحة مثل قصر صالة في تعز وقصر السعادة في صنعاء و(عشة) السخن. ولم يعلم الشعب اليمني وثوار سبتمبر وأكتوبر عن أرصدة فلكية الأرقام أودعها يحيى ومن بعده أحمد حميد الدين يرحمهما الله في بنوك اليمن وأوروبا وآسيا. كما لم يسمع أي من اليمنيين أن قحطان الشعبي وعبدالقوي مكاوي وفيصل عبداللطيف ومحمد علي هيثم وعلي عنتر وفرج بن غانم والرئيس علي ناصر محمد والرئيس إبراهيم محمد الحمدي قد تركوا قصوراً وأراضي وأرصدة في بنوك أوروبا وماليزيا. كما لم تشمل كشوفات هبات صدام حسين من نفط العراق أياً من وزراء ومسؤولين أو تجار جنوبيين حسبما نشر في حينه.

واليوم أمام حالة الغضب الجماهيري المسيطرة على الشعب يحز في نفس من وهبه الله عقلاً سوياً أن يفرض على نفسه حالة صمت أهل القبور وهو يتابع عن بعد أحداث الاعتصامات والاجتماعات الجماهيرية والحشود التي لم يسبق أن شهدت لها عواصم المحافظات اليمنية مثيلاً دون أن يكون له رأي ناصح يخدم المصلحة العامة ويعبر به عن تضامنه مع حراك جماهيري سلمي لأصحاب قضية مشروعة ودعاة لحقوق مواطنة متساوية. فهم الشركاء الأصليون دون غيرهم في الوطن وهم الشركاء والرقباء الشرعيون للثروة والمال العام حماة السيادة وفرسان التصدي للفساد والقهر والسلب والنهب باسم وحدة مفترى عليها. وإذا كان مجرد المرور ضرورة للتذكير بجبال وأودية ردفان وقمم حالمين وجبل جحاف الشامخ شموخ رازح في صعدة ونقم في صنعاء وشمسان في عدن والكور في العوالق بشبوة وجبل العر في يافع وجبال أرض الحموم في حضرموت وسوف يعيد إلى الأذهان صولات وجولات كر وفر بين الشعب ونظامي الإمامة والاستعمار وما تخللها وأعقبها من مواجهات مسلحة بين شطري اليمن. ولا حاجة لأن استطرد.. فالكلام اليوم محرم ويا قوم يا تتكلموا فالعسس في كل مكان من أجل فرملة أي محاولة تعزز مشروع إثراء الديمقراطية والوحدة والقضاء عليها في أجواء الفساد المقيم.

اليمنيون اليوم أمام منعطف سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي في غاية الخطورة. وإذا كان الحوار الجاد بين السلطة والأطراف المعنية في محافظات جنوبية وشمالية يسوده التوتر حيث أجمعت الجماهير على أن خيارها للنجاة هو الاصطفاف وراء قيادات شجاعة حباها الله بقدر كاف من المسؤولية والتعقل، تدير الاعتصامات والتجمعات الجارية بحكمة وعقلانية. وهذه القيادة الشجاعة تدعو إلى حماية السلم الأهلي من العنف والفوضى وإلى معالجة الاختلالات والاختلاسات والفساد بالدعوة إلى الإصلاحات وإلى احترام السلطة لنصوص الدستور والقانون.

وتحظى قيادات المسرحين والعاطلين من منتسبي القوات المسلحة والأمن والإداري المدني بتضامن منقطع النظير من حملة الأقلام الحرة ورجال القانون جنباً إلى جنب تجمعات العمال والشباب والمرأة ورجال قبائل وأحزاب اللقاء المشترك ومحافل عربية وأجنبية معنية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالالتزام بشروط الممارسة الديمقراطية الحرة. فالواقع الجديد في اليمن يستقطب مع كل يوم اهتماماً وتعاطفاً خليجياً وعربياً وأوروبياً.

أن المؤسف والمحزن معاً أن تتجه بعض أجهزة السلطة إلى خيار العنف والتهديد بعد فشل أسلوب الترغيب والإغراء.. والأدهى والأمر أن يشهد المواطنون بأن الأجهزة القمعية كثيراً ما فشلت في محاربة الفساد وفي تنفيذ الأوامر المعلنة المتعلقة بالتعهدات والوعود المتكررة لإصلاح ما أفسده عابثون ومتسلقون. وأن أجهزة الضبط المسؤولة عن تقديم مرتكبي الجرائم الجسيمة تقف هي الأخرى عاجزة ومتقاعسة وعديمة القدرة والرغبة عن الوفاء بمهامها. وهي -أي الأجهزة - تجيد مهام التعدي على الحق العام والخاص، وانتهاك حرمات البيوت وخطف المواطنين وبسط اليد على أراضي وأملاك الغير وإفشال أكثر من مشروع لمستثمرين يمنيين وأجانب. وأخيراً تكتفي بالصمت على ممارسات متنفذين يقتطعون نسبة كبيرة من مستحقات الجنود الذين أمر الرئيس بإعادتهم للخدمة وصرف مرتباتهم.

وأمام كل هذا الانحراف والانفلات دعونا نقول كلمتنا ونتوكل على الله..أن الحاكم والمحكوم أمام مفترق طريق. بينما يشير الخط البياني للحال الراهن إلى صعود للأخطاء والسلبيات وهبوط حاد أو شبه جمود في جانب مؤشر التصحيح والإصلاح.

وإذا كان طريق الخروج من النفق المظلم يبدأ بخطوة فإن إصرار السلطة على المراوحة داخل ظلمة النفق كموقع تدمن عليه لعقود ثلاثة مكتفية بإطلاق بالونات اختبار وتوفير مسكنات لمرض عضال لن يجدي بل سيزيد الموقف تعقيداً وخطورة.

وأمام ما يجري أرى ودون أن أدعي المعرفة التامة والإدراك المتميز:

أولاً: إعلان منح كافة المحافظات صلاحيات إدارية ومالية كاملة. وأن يكون المحافظ في كل محافظة من أبنائها. وبالمثل مدراء الأمن وقادة الوحدات العسكرية والأمنية بأفرعها ومكاتب الوزارات دون استثناء.

ثانياً: تشكيل حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات حقيقية كاملة لا مكان فيها لمتسلق فاسد وجاهل.

ثالثاً: بدء التفاوض بين الرئيس وقادة العسكريين المسرحين في أجواء هادئة وإطلاق سراح كافة المعتقلين من عسكريين ومدنيين وفي مقدمتهم العميد ناصر النوبة ورفاقه المحتجزون في عدن والضالع وأبين وحضرموت وصنعاء وغيرها وصولاً لحل شامل مقبول للجميع.

رابعاً: الكف عن ملاحقة ومحاكمة حملة الأقلام وأصحاب الفكر والرأي الحر.

خامساً: التفاوض حول إنشاء آلية محايدة تضع أنصبة عادلة تخصص من ريع النفط والغاز للنهوض بمشاريع تنمية وخدمات في شبوة ومأرب وحضرموت والمحافظات الأخرى في عموم اليمن.

سادساً: التفاوض لإقرار إنشاء هيئة محايدة بالتوافق مع قادة الأحزاب والشخصيات الوطنية المستقلة للتدقيق في إيرادات النفط والغاز والمواني والجمارك والضرائب وحجم المساعدات الخارجية والقروض والهبات والاستثمارات وجدوى المشاريع قيد التنفيذ والمستقبلية.

سابعاً: الاتفاق على سرعة إعفاء بطانة السوء المتمكنة في مفاصل السلطة وإخضاعها بقوة القانون لإعادة أموال وممتلكات داخل اليمن وخارجه تمكنت من حيازتها بحكم موقعها في النظام ولم تكن تملك حين توليها المراكز العليا التي تحتلها شيئاً. ومحاكمة من يستحق المحاكمة منهم ومن وزراء ومحافظين وضباط.

ولنفهم جيداً ونتقبل الحقيقة بصدر رحب بأن الأزمة القائمة في المحافظات الجنوبية واستمرار الحرب في صعدة وحال التململ والقلق السائد في شرعب وتعز عموماً وفي الحديدة وإب وصنعاء والجوف.. هذه الحالة لو بقيت كما هي سوف تضاعف من تفاقم السوء وتفتح الأبواب لاحتمالات شتى غير سارة. ويبقى الحوار الصريح والملزم بنتائجه المرجوة المرضية دافعاً ومشجعاً للجميع للتمسك بخيار الجنوح إلى السلم والتهدئة وعدم التصعيد والسعي الحثيث للتوافق والتسوية السياسية العادلة. فالشعب اليمني الذي رفض الخضوع للحكم الإمامي في شماله والاحتلال الاستعماري في جنوبه لن يقبل الخضوع لسلطة عسكر القبيلة بعد إخفاق رموز النظام في معالجة قضايا الوطن السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.

E-mail:[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى