إعلام العام 1982م

> د.هشام محسن السقاف:

> بدلاً من التركيز على قضايا الوطن الأساسية في ظل مستجدات الشارع وتململ قطاعات واسعة من الشعب من حالة الفساد والاستحواذ على الأراضي والوظيفة العامة والامتيازات ومن ثم جر الوطن إلى مخنق الأزمات المتلاحقة التي يجيد العيش فيها متنفذون وحرس قديم.. في ظل ذلك يتخلف خطاب الإعلام الرسمي الذي لا يجيد حتى الترويج للأفكار المتقدمة الواردة في مبادرة فخامة الأخ الرئيس بمبتكرات وعناصر الترويج والتقديم العصري الذي في ظاهره الحيادية والمنطق في الطرح وجانياً ربحاً ثميناً قاعدة من المتلقين واسعة تسعى إليه وتتجاوب معه، في حين مايزال غارقاً في أسلوب ومضمون عفى عليه الزمن، وكأننا بصاحب الإعلام المسئول واقف على أطلال ومشارف الحقبة الشمولية وبالتحديد العام 1982م كما وصفه أحد الوزراء.

فالمستهلَك في هذا القطاع- الذي يضم نخباً إعلامية ذات مقدرة عالية ولكنها مهمشة ولاتملك صنع القرار الإعلامي أو مراجعته على الأقل- من المال العام (جزء كبير منه من ضرائب المواطن اليمني) يفوق بكثير جداً الخدمة الإعلامية التي يقدمها هذا القطاع، فلا هو استفاد ولا أفاد، بينما كان بإمكانه أن يخدم منظومة الخطاب السياسي وصناعة القرار بشفافية أكبر وليبرالية أوسع، في ظل المفاهيم التي طرأت على العالم ومناخات الحرية السائدة منذ الحقبة الأخيرة من القرن الفائت، لأن البقاء في العام 1982م وإغلاق الصحف الرسمية (أو القومية كما يقول إخواننا في مصر) على صوت واحد ونفس واحد، وتفريخ بعض المنشورات والأوراق التي تضطلع بأدوار الشاتم والناعق والمهدد، وتقزيم ملكات الإبداع داخل القطاع برمته وخنقها وكبتها لتؤدي دوراً روتينياً محاصراً بالخوف بعيداً عن أجواء الحرية التي تفجر الطاقات، واستهلاك المقدرة الإنسانية في هيكل مالي وإداري لاينصف جهود هذا الفريق المتميز وجعله لاهثاً وجارياً وراء احتياجاته اليومية دون انفتاحه للإبداع في عمله في ظل الشمولية التي تقدم نفسها (ملكية أكثر من الملك) في غير عصرها وبما لا يخدم الملك نفسه!

وأتذكر أن الزميل أحمد الحبيشي وهو صاحب قدرات مهنية عالية قبل أن يستقر رئيساً لتحرير الزميلة «14 أكتوبر» كان يحلم بصحيفة ليبرالية حديثة وعصرية في المضامين قبل الشكل- الورق والألوان- تمولها الدولة، على غرار الصحف الليبرالية الكبرى الصادرة من أرض الضباب أو سواها، والمفتوح صدر صفحاتها للأقلام المتنوعة فكراً وسياسة، دون أن تغفل في طيات ذلك خدمة أهداف ومساعي الممول سواء كان دولاً أم أفراداً أم هيئات.

إن قضايا الإعلام ترتبط مباشرة بالحرية المتاحة وعندما لايستغل حتى ما هو متاح في شروط بلادنا مثلاً، فإن خدمته لن تكون ذات فائدة حتى للذين يأملون منه ذلك، وسوف يتراجع في ظل تقدم الفضاء الإعلامي الآخر من الخارج والداخل، وانفتاحه دون شروط، ومن ثم تبديد الجهد والمال في غير اتجاهه الصحيح ودون فائدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى