أمامنا حلم عظيم

> علي صالح محمد:

> ليست المرة الأولى التي أزور فيها الإمارات، ولكنها المرة الثانية التي يستدعي حضوري إليها موقفاً إنسانياً بحتاً حيث كان الأول مع أخي سالم الذي كان يقيم فيها قبل عودته إلى الوطن لمرافقته لإجراء عملية جراحية في لندن، وهذه المرة الثانية مع شقيق الروح فضل النقيب الذي استدعت الأمر مرافقته للعلاج في ألمانيا ليجري عملية القلب المفتوح التي نرجو له من خلالها شفاء قلبه الكبير من علاته، ليستمر عطاؤه المذهل أكثر وأكثر، ويا قلب بدري عليك الهرم فأمامنا حب عظيم لشعبنا وللحروف الخضر، ويا قلب لا تهرم فأمامنا حلم عظيم. المثير أنه في كل مرة أزور فيها هذا البلد أجد فيه ما يدهشني ويدهش كل زائر. وهنا لا أقصد النظام السياسي المميز والوحيد في عموم المنطقة العربية القائم على النظام الفيدرالي الطوعي والسلمي، لكن ما يثير الدهشة مراراً هو ما يراه المرء من تحولات وتطورات جريئة ومتسارعة على أرض الواقع وعلى صعيد تنمية المقومات المادية والبشرية فيها، لتصبح الإمارات في مقدمة الدول العربية والعالمية في هذا المجال وأيضاً في مجال تراجع الفساد فيها حسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية العالمية، وهنا لا غرابة أن رأينا سمو الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي وهو يفاخر بأن يجعل من دبي المدينة الأولى في العالم، ولا غرابة في ذلك راشد رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي وهو يفاخر بأن يجعل من دبي المدينة الأولى في العالم، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا اليوم أن سعر القدم المربعة فيها يباع بـ 12 ألف درهم، بمعنى أن الرمال تحولت قيمتها إلى أغلى من الذهب، قد يقول البعض هذا أمر مبالغ فيه وقد يقول الآخر هذا جنون، ولكنها الحقيقة والمؤكد أن هذا الزعيم القادم من الصحراء كالصاروخ حسب وصف معمر القذافي له، سيجعل من دبي واحة متميزة في الصحراء العربية المجدبة، وهو يسبق الجميع ويتحدى الآخرين بثقة عالية مستنداً في ذلك إلى الحكمة والرؤية الاستراتيجية البعيدة المرتبطة بنظافة الإدارة وطغيان معايير الجودة والأداء ومكافحة الفساد وكلها معايير تتفق والعالمية بل وتتجاوزها في أمور عديدة.

وقبل أيام كنت في جلسة عشاء مع بعض الأعزاء من أساطين المال والأعمال والمتربعين عروش بعض الشركات والبنوك وهم القادمون من مدينة عدن ويافع والهند كنت أسترق السمع إلى حديثهم المتسم بالاندهاش مما يجري وبالتحديد في مجال العقار الذي يعيش طفرة عجيبة في هذا البلد الصحراوي، ومقابل هذا الجنون المتصاعد هناك عقلانية تشغيلية هائلة للاستيعاب المبرمج والمنظم لمتطلبات هذا النمو وهذا الإقبال الذي له بالطبع مترتباته السلبية والإيجابية. وقد لا يصدق القارئ العزيز أنني حين أردت أن أحجز لقضاء يوم أو يومين في أبوظبي قيل لي أن فنادقها كلها محجوزة وبعد تدخل شقيق الروح وهو الراقد في مستشفى خليفة تم الحصول على غرفة بأحد فنادق الدرجة الرابعة لليلة الواحدة. إذن هذا هو حال أبوظبي أيضاً التي تزدهر أرضاً وإنساناً في سباق هادئ ومتكافئ مع أختها دبي لتحققا معاً السبق والريادة في إطار ثنائية الوحدة والتنوع، وبندية عالية هدفها مواطن الإمارات، ليثبتوا للملأ وباقتدار أن الوطن هو الإنسان الذي جعل من الصحراء واحة وارفة عظيمة يستظل بظلها ليس أبناؤها فحسب بل يمتزج فيها العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتتحد فيها كل ألوان الطيف الإنساني في لوحة عظيمة تجمع البشر من كل مكان حد تحول هذا الحضور إلى مشكلة مؤرقة تثير التخوف الواضح من اختلال التركيبة السكانية باتجاه غير محسوب. ولعل مشروع الريادة الذي يتبناه سمو الشيخ محمد بن راشد في إطار رؤيته الاستراتيجية ودأبه الواعي، هو ما يعيد بصمت الحكيم المجد العربي إلى خارطة الحضور الإنساني من بوابة الاقتصاد والمدنية والتعايش الإنساني ليبرهن بوعي (أن التاج ليس هو الذي يزين الملكة بل مكنونات القلب هي التي تزينها).. أي الأفعال التي تحسن مستوى معيشة الناس لتحقق مستوى الرفاه الإنساني وفق معاييره المعروفة من قبل الأمم المتحدة لتشمل إلى جانب السكن والعمل والصحة والتعليم ومعدلات الدخل حقوق المعرفة والثقافة والسفر والتنزه والاستمتاع وحقوق الإنسان، ولنضرب لذلك مثلاً أنه حين يتم إسعاف أي إنسان إلى مستشفى خليفة يستقبل ويعالج مجاناً تحت مسمى (حق الحياة) الذي أوصي به المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه.

وأنا أكتب هذه الانطباعات حدثني العزيز عمر عبدالقادر من عدن ليبلغني بأنه أصيب بصدمة عنيفة بعد أن أوقف من استكمال بناء داره في منطقة العريش بدعوى أنها تقع في موقع مشروع القناة المزمع إنشاؤها بين بحر أبين ومنطقة كالتكس.. يا لهول هذه بعض التصانيف (القاتية) المكلفة، أنا لست ضد أي فكرة طيبة ومثمرة، ولكننا في وضع لم نعوض فيه بعد من أممت مساكنهم أو بسط على أرضهم إثر حرب 1994، فكيف لنا بتعويض من ستجرف القناة مواقعهم وبناياتهم؟

والأمر المهم ما هي الحكمة من وراء ذلك؟ فنحن لم نشغل الميناء ولا المطار بعد فكيف لنا ببناء قنوات تكلف الشيء الفلاني والناس يئنون من صعوبة المعيشة؟

وبسبب من هذه الحكاية قفزت إلى ذهني حكاية أحد الناس الذي كان مقيلاً مع عدد من أصدقائه وقبل أن يصل إلى الساعة السليمانية قفز فجأة إلى وسط المجلس وهو يردد برعب وخوف عبارات الحمد لله والشكر على السلامة، والعرق يتساقط من كل أجزاء جسده، وحين سئل عما جرى له، أجاب وهو في حال لا يحسد عليها بأنه تخيل للحظة أنه داخل بطن جمل فضاق من بقائه فأراد الخروج ولكنه في كل مرة يفشل، إذ إنه حين يهم بالخروج من فم الجمل يطبق الجمل فمه بأسنانه الكبيرة الحادة فخاف أن يكون ضحية هذا الإطباق، فيعود ليحاول الخروج من مؤخرته ولكن بسبب البعر وضيق الفتحة وخوفاً من أن يعصر فيها يقرر العودة إلى بطن الجمل، فضاق به الحال مجدداً فلم يكن منه إلا الانتظار لحين يتجشأ أو يتقعم الجمل وحينها شد حيلة وعزمه، وبقوة انطلاق كبيرة قفز من فم الجمل لحظة التجشؤ والتقعم ليستقر به الحال في وسط المجلس متحمداً متشكراً على سلامة رأسه، وكثير من المشاريع القاتية لا يبعد وضعها كثيراً عن وضع صاحبنا، هذا إذا حسنت النيات وليس لها مآرب أخرى.

أشكال التخليد تختلف صورها من زمن إلى زمن، هناك من بنى مقابر كالأهرامات، وقصوراً كتاج محل، وهناك من بنى سدوداً كسد مأرب في اليمن، والسد العالي في مصر، وهناك من يخلد في ضمائر الناس وفي ذاكرة الشعوب من خلال الكلمة كالشعراء والأدباء والحكماء، وكل يخلد وفقاً لعطائه ودوره المفيد مع أن الخلود الأزلي لله عزوجل.

وإذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسام

عدن كان لؤلؤة بحر العرب والجزيرة وميناء شهيراً في العالم، ودبي اليوم لؤلؤة بحر الخليج العربي والفارسي بل والمنطقة العربية، الإنسان في عدن يحلم اليوم برغيف خبز، والإنسان في دبي يحلم بأمور لو حكيتها لأصبتكم بالإحباط.. هكذا الدنيا فبقاء الحال من المحال، والأكيد أن لكل مجتهد نصيباً.

حكمة: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً ، لأصبح الصخر مثقالاً بدينار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى