إطلالة على عدن «4»

> فضل النقيب:

> وقفت الأسبوع الماضي عند بائع الجرائد في صندقته الصغيرة «الكشك» المقابل لمقهاية زكو بكريتر التي انكمشت في انتطار عاصفة من التنمية والتطور تزيل الأنقاض التي مازالت تحتفظ بعطر التاريخ ولكن .. إلى متى ؟ أربعون عاماً منذ الاستقلال وقلب العاصمة يراكم الغبار ومظاهر الفقر وآمالاً مشرقة تصعد إلى ذروة جبل «شمسان» قم تهوي على أم رأسها لتنتهي إلى شارع «السيلة» ومنه إلى البحر الذي لم يشبع قط من خيبات فوّهة البركان الأحمق، المدينة - العنقاء التي يحلم الشعراء والعشاق بانبعاثها من رمادها. لم أجرؤ على عبور شارع الحدادين، آخر الشوارع الصغيرة المتفرعة قبل «الميدان» العريض، فهناك دكان الوالد الذي رفض أن يمنحه اسماً لأنه كان مزيجاً من محل تجاري للبيع والشراء، وخلفه مكتب للمحاسبة والمراسلة مع المغتربين وفي الطابق الثاني سكن عائلي ومدخل الثلاثة جميعاً من باب حديدي واحد فإذا أغلق أصبحنا كالمساجين، ولذلك اشترى الوالد سكناً في الخساف خلف مطعم البحر الأحمر، الذي جعل منه مالكه الذواق العم علي العرشي تحفة سياحية مقابل نادي الحسيني الذي أصبح الآن مقراً لحزب التجمع الوحدوي. وقد نسينا أو تناسينا أن نمنح الدكان اسماً، ولذلك أسعد ويسعد إخواني الآن بتسميته «دكان الوالد»، وقد كان يعج بالناس القادمين من ليفربول وشيفيلد وبرمنجهام في بريطانيا ومن الدوحة والكويت والمملكة العربية، ومن إندونسيا وماليزيا.كان المهجر الهندي قد تلاشى، والأميريكي لم يبدأ. ذهبت إلى الركن المقابل عند «أبوالليم والزنجبيل» وكنت قد حدثت ابني علي المرافق لي أن عمه صلاح النقيب ابن خالي يأتي خصيصاًً من المنصورة «ليضرب واحد ليم» على حد تعبيره، ثم يقطع المشوار الطويل عائداًً، ويؤكد لي «يابن عمتي، مزاجي يعتدل - ياسلام سلّم، أنا ما أخزن وهذا قاتي مثلما تقول».. بالنسبة لي وقد قطعت مشواراً أطول من أبوطبي فإن هذا التكلف في تلك الفسحة بين السوق الطويل والميدان هو بمثابة مكافأة نهاية الخدمة، وبالدولار كما حلمت «بلاش» إنما باليورو الأوروبي القوي لا بالريال اليمني مع كل الاحترام :

هذه الكعبة كنا طائفيها

والمصلين صباحاً ومساء

كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها

كيف بالله رجعنا غرباء

من زاويتي الجديدة «تخاوصت» على صاحبي العجوز الذي شتمني وبست رأسه واتضح أنه قد نساني على الفور عندما سألني : أنت من فين تعرفنا يا ابني.. والقصة ومافيها كما شرح لي أحد المرابطين الأزليين في ذلك الركن الاستراتيجي أن نظر العجوز ضعيف ولذلك لا فرق لديه إذا غضب بين زيد وعبيد، المهم أن «يفش» خُلقه، وقد أضاف أنني محظوظ لأن المناخ معتدل، أما أيام «الكاوي» فما فيش يمّه ارحميني، فالجميع يصابون بالسعار حتى لو قلت «السلام عليكم»، ولن تسمع في هذا المثلث غير العرعرة، وكلكم تعرفونها ولا حاجة لنشر غسيلنا على الورق .

ما صدمني بعد كل أدبي الذي حسدت نفسي عليه أنني رأيت الشيبة عيني عينك يؤشر بأصابعه الخمس المفتوحة باتجاه صدغه بتلك الإشارة التي تعني أن عقلي ضارب وملحوس، قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون «رضينا بالهم، والهم مش راضي فينا» .. فوّت ورمضان كريم يابن النقيب .. والرجّال معذور با يقول: على أيش يبوس رأسي .. والله عنده حق.

ألقيت نظرة على «مقهى عثمان» أحد معالم «السوق الطويل» وتذكرت زوجة الحاج عثمان الشجاعة حين جرى تأميم ذلك المقهى الذي لا تزيد مساحته عن 2×3 ياردات وأردوا حرمان أسرتها من مردودات الشاي والخمير الزهيدة وذلك بتمليكه للعمال، فنزلت بنفسها وجلست على «المغل» لقبض الغلة، وقد تعاطف معها أكثر الناس لكأنها تجلس على عرش بلقيس، وليس في مقهى غير ذي زرع رأسماله «5 كتالي» وعشرون فنجاناً .. وقل للزمان ارجع يا زمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى