العدالة الاجتماعية الاسلامية أساس الوحدة الوطنية

> يحيى عبدالله قحطان:

> لا ريب أن ما نشاهده اليوم من احتقانات واعتصامات واختلالات في هذه المحافظة أو تلك لم يأت من فراغ وإنما جاء بسبب جملة من الأخطاء والسلبيات والصراعات والتراكمات التي ظلت للأسف تنخر في جسد نظامنا منذ عهد التشطير وحتى يومنا هذا دون أن تجد هذه الاختلالات إصلاح ما أفسده الزمان ودون أن يعوض المواطنون وخاصة في المحافظات الجنوبية عن ما لحق بهم من عنت وبؤس وحرمان وإفقار في عهد التشطير. إضافة إلى ذلك أن قضية نهب الأراضي والبسط عليها بطريقة فوضوية، تعتبر من أهم القضايا الشائكة والساخنة التي أدت وتؤدي إلى بروز الاحتقانات والضغائن والاعتصامات والتي يجب الوقوف أمامها بصورة عاجلة وعادلة.

ذلك أن نهب الأراضي العامة والخاصة والبسط عليها بقوة السلاح، يعتبر عدوانا صارخاً على الدستور والقوانين النافذة، وعلى النهج الديمقراطي الشوروي، وخروجاً سافراً عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.. وكل ذلك يؤدي إلى الإضرار بالسلم الاجتماعي والسكينة العامة وتمزيق وشائج النسيج الاجتماعي وأواصر الوحدة الوطنية، وإعاقة النهوض الاقتصادي والاجتماعي والاستثمار والتنمية الشاملة، مذكرين أن أراضي الدولة ثروة للأمة والعبث بها جريمة نكراء يعاقب عليها القانون.. جاء في المادة (19) من الدستور «للأموال والممتلكات العامة حرمة وعلى الدولة وجميع أفراد المجتمع صيانتها وحمايتها، وكل عبث بها أو عدوان عليها يعتبر تخريباً وعدواناً على المجتمع ويعاقب كل من ينتهك حرمتها أو يعبث بها أو يتصرف فيها بدون حق وفقاً للقانون». ولذلك نقترح وضع قانون ينظم ويقنن ويحدد سقفاً لصرف أراضي الدولة. كم أسرة تحتاج إلى بقع سكنية وأراض زراعية؟ وكم ندخر لأجيالنا القادمة؟

وكيف يجب علينا إيجاد المناخات الجاذبة للمستثمرين، وتمكينهم من الأراضي التي منحت لهم ودفعوا بها مئات الملايين وأيضاً وقف الكوابح والعوائق التي تعرقل وتستعدي المستثمرين وتهربهم من اليمن ليعودوا إلى كربتهم وغربتهم.

كما يجب الالتزام بعدالة التوزيع وتحقيق مجتمع الكفاية والعدل ووضع حلول سريعة لظاهرة الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية وكيف نوفر الغذاء الكافي والحياة الكريمة للفقراء وذوي الدخل المحدود الذين كدر عيشهم الغلاء الفاحش.

وينبغي العمل بجدية على إنهاء بقايا آثار فتنة 94 المشؤومة وتحقيق الحريات العامة، وكفالة حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية، وإزالة الفوارق والامتيازات بين طبقات المجتمع وتعزيز روح الأخوة والتآلف والتسامح والتكافل بين أفراد المجتمع اليمني، وإشاعة ثقافة الوسطية والاعتدال، والأمن والإيمان والمحبة والسلام، والوحدة والوفاق ونبذ العنف والغلو والتطرف والتخوين والتحقير والتكفير، والهمز واللمز ضد بعضنا البعض، والكف عن إثارة الفتن والفرقة والنعرات المناطقية والمذهبية والطائفية والتعصبات والمكايدات الحزبية المقيتة والمنتنة.. وفي هذا الصدد يجب أن نعترف أن هناك تحديات ومخاطر يتعرض لها الوطن.. وذلك بسبب السلبيات والمظالم والتراكمات والفساد الموروثة من عهد التشطير أو المستحدثة بعد التوحيد وبسبب أوجه القصور التي تمارسها بعض الأجهزة الإدارية والأمنية، وعدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب.

ومن تلك الظواهر السلبية، الثأر والتقطع والاختطاف ومظاهر حمل السلاح في المدن، وحيازة الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي يتم إعدادها والتزود بها ضد بعضنا البعض، ولنقتل النساء والأطفال والمواطنين الأبرياء والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«من حمل علينا السلاح فليس منا» حيث نجم عن كل ما ذكر تداعيات خطيرة تضر بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وتعيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي.. ومن الخطأ الجسيم الذي نقع فيه التعاطي مع الأحداث والاعتصامات بالفعل ورد الفعل.. هناك للأسف من يحاول صب الزيت على النار ويحاول تزييف وعي المواطنين واستثمار عواطفهم لأغراض سلطوية انفصالية وإثارة الفتن والفرقة والشغب. وهناك بالمقابل من يزرع أدران التشطير في نفوس المواطنين وذلك من خلال الاستمرار بارتكاب المزيد من الأخطاء وهضم حقوق المواطنين والسطو على ممتلكاتهم وأراضيهم، وأيضاً استعمال القوة المفرطة والذي نجم عنه ضحايا للأسف الشديد في صفوف المعتصمين الأبرياء.

وإذا كنا نجزم أن الوحدة من الثوابت وخطوط حمراء لا يمكن المساس بها بأي حال من الأحوال فإننا في الوقت نفسه نؤكد أن حقوق المواطنين من الثوابت وأن دماءهم وأموالهم وأعراضهم وحرياتهم خطوط حمراء لا يمكن التطاول عليها «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

وفي هذا الجانب فإننا نقدر تقديراً عالياً القرار الحكيم الذي أصدره الأخ الرئيس علي عبدالله صالح حفظه الله بشأن إعادة المتقاعدين والمسرحين بعد فتنة 94 المشؤومة إلى أعمالهم وتسوية أوضاعهم ومنحهم الترقيات والحقوق المكتسبة كاملة، وكذلك إعادة الأراضي لأكثر من أربعين ألف أسرة من أعضاء الجمعيات التعاونية السكنية في عدن.. وإلغاء التكلفة المشتركة للكهرباء والتي أثقلت كاهل المواطنين في عدن ومعاملة محافظة عدن كبقية محافظات الجمهورية. وأيضاً إلغاء الإيجار الذي كان معمولاً به لمدة (33) عاماً واعتماد الإيجار السابق (99) عاماً وإصدار التوجيهات الرئاسية لبناء مدن سكنية للأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود والبدء بتعويض الملاك الذين أممت ممتلكاتهم في عهد التشطير.

ونحن على ثقة بأن الأخ رئيس الجمهورية سيعمل جاهداً لتمكين المواطنين والملاك والمستثمرين من أراضيهم ومساكنهم. وفي هذا الصدد يجب أن يعلم الجميع أن كل ما يحدث من مظالم وسلبيات واختلالات في أي من محافظات الجمهورية ليس سببه الوحدة إطلاقاً. فالوحدة أكبر وأقدس من كل ذلك. الوحدة هي الأمن والإيمان والعدل والسلام.

الوحدة براء من كل تلك المظالم والأخطاء براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

إننا نرفض رفضاً قاطعاً المزايدة على الوحدة أو الانتقاص منها وتحميلها أخطاءنا.. فالوحدة أكبر وأعظم من الهمز واللمز ومن كل من يحاول خدش بهائها وتعكير أجوائها. فما كبر شعبنا اليمني وارتفعت هاماته وأصبح كأنه شامة على رؤوس الأشهاد إلا بالوحدة.. فالوحدة هي حياتنا وعزنا وكرامتنا، وهي مصدر خيرنا وأمننا وتقدمنا وازدهارنا.. لقد ترسخت الوحدة في وجدان وضمير ومشاعر شعبنا اليمني حيث تعتبر فريضة دينية قبل أن تكون فريضة وطنية.. لقد وجدت لتبقى لا تراجع عنها ولا انفصام لها. ولا يمكن أن نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.. ولن يسمح شعبنا بأي حال من الأحوال المساس بوحدته أو خدش بهائها وصفائها بالمظالم والفساد والاختلالات.. وسنحافظ عليها كما نحافظ على حدقات أعيننا وفلذات أكبادنا فهي الهبة الإلهية لشعبنا والرحمة المهداة والنعمة المسداة.

لذلك كله ينبغي لجميع الأحزاب سلطة ومعارضة، وللعلماء ومنظمات المجتمع المدني وكل الشرائح الاجتماعية أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية التاريخية والعمل على إزاحة جلابيب غيوم التخاصم والتباغض والشقاق من سماء بلادنا والسمو بشعبنا فوق الجراح وتجاوز المماحكات السياسية والمكايدات الحزبية والنعرات المناطقية والقبلية والمذهبية والطائفية.. وأن يتفق الجميع على كلمة سواء وعلى صيغة وطنية توافقية وذلك لمواجهة التحديات والصعوبات التي يتعرض لها الوطن والعمل كفريق عمل واحد يقوم على قاعدة الوفاق الوطني وعلى الحوار والتصالح والتكامل والتآزر والتكافؤ وبما يرسخ الوحدة الوطنية ويعزز الديمقراطية الشوروية ويحقق العدالة الاجتماعية الإسلامية أساس الوحدة الوطنية.

لماذا لا نتحاور حول البرنامج الانتخابي للأخ الرئيس وحول مبادرته بشأن النظام الرئاسي، والسلطة التشريعية من مجلسي النواب والشورى، والحكم المحلي كامل الصلاحيات، وأي مبادرة أخرى يقدمها أي حزب.. لماذا لا نتحاور بجدية حول ذلك ونثريها بالنقاش والحوار البناء وستكون تلك الرؤي المدخل الرئيس للإصلاحات الشاملة بإذن الله تعالى.

ختاماً نقول للجميع: تحاور ولا تتجادلوا، توافقوا ولا تتصارعوا، تطاوعوا ولا تختلفوا، سددوا وقاربوا، ولا تحاسدوا ولا تباعضوا ولا تنابزوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولخير اليمن ووحدته وأمنه وتقدمه وازدهاره أعواناً.. والله المستعان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى