الدولة المدنية ضالة الباكستانيين ومن في حكمهم

> أبوبكر السقاف:

> أعاد الديكتاتور الباكستاني مشرف قضية الديمقراطية أي مدنية الحكم والنظام السياسي إلى مربعها الأول بصورة سافرة مبرأة من الديكور الديمقراطي وذلك بإعلانه بالأمس أحكام الطوارئ العامة وتعليق الدستور وإقالة رئيس المحكمة العليا?افتخار شودري وبعض الأعضاء، كل ذلك بحجة أن أحزاب الإسلام السياسي تحول بين الدولة ومحاربة الإرهاب، وهي في جوهرها وذرائعيتها «حجة» أمريكية بامتياز، جعلتها الأمبريالية الأمريكية قميص عثمان لشن الحروب على دول مستقلة وتهدف بوساطتها إلى تحقيق سيطرة عالمية على مصادر الطاقة في العالم وتنفيذ استراتيجية السيطرة الدولية حتى تتحكم في اقتصادات الأقطاب الصاعدة.

إن مشرف لا يحارب الإسلاميين بل كل الأحزاب السياسية، وهذه شيمة حكم عسكري فردي وتسلطي، وليس مصادفة أنه خصم حاقد على مؤسسة القضاء واستبق بانقلابه الثاني حكم القضاء بعدم دستورية جمعه بين رئاسة الجمهورية وقيادة القوات المسلحة، وقد أصبح القضاء موئل العدالة والأمل في الباكستان بعد أن أظهر كبير القضاة والمحامون أنهم هيئة متماسكة.

يؤكد مشرف أن من يصل إلى السلطة بانقلاب لا يحتفظ به إلا بوساطته، وهذه قاعدة الاستثناء النادر لها يؤكدها.

تميز رد الفعل الأمريكي على انقلاب مشرف الثاني برفض الجمع بين الرئاستين، فهو يريد نظاماً لا يفتح الباب أمام الجماعات الإسلامية ويستمر حليفاً لأمريكا، ومن هنا إصراره على أن يتخلى عن منصبه العسكري قبل القسم الدستوري، وكأنها واثقة من فوزه في الانتخابات القادمة، وفي اليمن ومصر تمثيلاً لا حصراً لا تصر أمريكا على هذا المبدأ الديمقراطي المؤسس للحكم المدني لأنها ترى أن التمسك به قد يؤدي إلى وصول ممثلي الإسلام السياسي إلى الحكم، فالهدف وإن تعددت الوسائل واحد، كما أن معارضة الأحزاب العلمانية الكبيرة في باكستان لا تسمح بعدم أخذهما في الحسبان، فالسيدة الشجاعة بي نظير بوتو والسيد نواز شريف يمثلان أقدم حزبين في البلاد، وكانت بوتو السباقة في إعلان أنها لا تستطيع أن تقبل برئيس في زي عسكري وتفجير موكبها الذي تتهم ممثلي الإسلام السياسي والمخابرات العسكرية بإعداده ألغى أي إمكان لصفقة بينها ومشرف.

إن رفض أمريكا الجمع بين الرئاستين لتحقيق مدنية السياسة أي ديمقراطيتها لتقوم على مبدأ الحق لا القوة العمياء لا يصدر عن إيمان صادق به، فهي لا تشترطه في اليمن أو مصر مثلاً، فالبراجماتية السياسية تثبت الأولوية للمصالح التي تلخصها كلمتا الاستقرار والنفط لا الديمقراطية، فهذه هم شعبي في باكستان وغيرها وتوظفها أمريكا والصهيونية كذريعة لإعادة استعمار البلدان التي تحررت كما هي الحال في العراق وأفغانستان. وتدمير العراق دولة ومجتمعاً يقدم أبشع صورة من صور عودة الاستعمار في صورته الكولونيالية الأولى.

إن الحكم العسكري في الباكستان هو القيد الأكبر على مدنيتها وتقدمها، فبعد فترة رئاسة محمد علي جناح انداحت موجة الحكم العسكري وكانت فترة الحكم المدني استراحة بين عسكريين دمويين على رأس الدولة والجيش في الوقت نفسه، ولذا لم تعرف البلاد إلا فترات مدنية قصيرة تعود بعدها إلى قنص القوة وفقدت الاستقرار السياسي ومعه مزايا تراكم الخبرة المدنية السياسية وترسيخ حضور القضاء المستقل وهو العمود الفقري لكل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، وضمان تطوير نافع لمبدأ الفصل بين السلطات يؤكد استقلالها وتكاملها وقدرته على تحقيق الخير العام والاندماج الوطني الذي كان غيابه سبب استقلال بانجلادش بعد حرب الباكستان والهند.

لن تخرج الباكستان من دوامة العنف والقتل وتأجيج الصراع الطائفي وتسلط الجيش والمخابرات العسكرية على الشأن السياسي إلا بالعودة إلى حكم مدني وسياسة مدنية، فالحكم العسكري نقيض السياسة، ونقيض الحكم العصري الرشيد فهو بكل قسماته ينتمي إلى ما قبل العصر الحديث.

لعل هذا التصرف الأخرق قد أنقذ الجمهورية اليمنية مما كان يفكر فيه بعض ساستها الذين يرون أن إنقاذ النظام لن يكون إلا بإعلان الأحكام العرفية، ونسوا أن أزمته ليست سياسية مايزة بل أزمة وجود.

2007/11/4م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى